الأردن: كورونا والكباريتي ونقابة المعلمين
أفضل أصناف الحكومات هي تلك التي تكون حجة أقطاب المعارضة عليها أنها لم تمنح تصريحا لقيادي في نقابة ما لكي يحظى بامتياز التجول في ظل إغلاق شامل وجائحة يموت فيها الناس في الشارع بدول العالم
إذا كان الحديث فعلا عن سياسة «إغلاق» صلبة وخشنة انتهت بجدار «حماية» يخص مستقبل الأردنيين وصحتهم وحياتهم يصبح السؤال للأخوة المقدرين في مجلس نقابة المعلمين: ما هي حاجتكم فعلا إلى استثناء خاص بالحصول على «تصاريح تنقل» خلال الحظر حتى وإن كان الهدف «نبيلا»؟.
يوجد مئات الأشخاص من كبار المتنفذين محشورين تماما وبكل معاني الكلمة مع أولادهم وأحفادهم في منازلهم او حتى في مكان آخر دون أن يحصل أي منهم على» معاملة خاصة» ولأي سبب.
وأرجو أن يسمح لي شخص محترم من وزن السيد عبد الكريم الكباريتي الذي كلف رسميا برئاسة لجنة طلب منها جمع ملايين الدنانير لمساعدة ضحايا فيروس كورونا الكشف عن أنه قام بالواجب المطلوب منه وهو «متباعد» إجتماعيا ومكانيا وسط أحفاده وبعيدا عن مكتبه ومنزله في العاصمة عمان ودون أن يؤشر ولو للحظة إلى أن «المهمة» تتطلب حصوله على «تصريح خاص» بالتنقل.
يقترب الكباريتي من جمع 100 مليون ويتحمل مسؤولية مهمة فليعذرنا بالقول إننا نعرف مسبقا بأنها «مزعجة ولا تنطوي على أي متعة» ولا على أي مجد شخصي.
الرجل يفعل ذللك، بدون أن يجري اتصالا من أي نوع يطلب فيه من السلطات منحه «ميزة شخصية» في مسألة التنقل ومصرا على أن يخضع مع بقية خلق الله المواطنين لنفس المسطرة.
طبعا ثمة مئات من الشخصيات الوطنية المحترمة لم يرصد أي منها خارج نافذة منزله وغاب شعورها بـ«الأنا والذات» والتزمت قبل غيرها بما قررته «الدولة والجيش» عندما تعلق الأمر بأزمة وطنية ودون أدنى محاولة للضغط على السلطة وهي شخصيات مؤسسة في الدولة والنظام والأجهزة.
أقول ذلك بكل صراحة لسبب تقديري أن نقابة المعلمين التي خاضت معركة نقابية عادلة وقفنا معها جميعا بالقلب والقلم كان يمكن أن تستغني عن تلك التبريرات التي قيلت في مسألة «ضبط نائب النقيب وهو يتجول بسيارته» وكذلك مسألة «التراجع عن التبرع للمعلمين بسبب عدم حصول المجلس على تصاريح تنقل».
لم يعجبني الأمر إطلاقا خصوصا مع وجود عدة مقترحات وأفكار كان يمكن للأخوة في مجلس النقابة اللجوء إليها بعيدا عن الاستعراض واستخدام الإعلام ووتر الشعبوية والآن تحديدا حيث يواجه الأردن معركة مصيرية تلاعبها الدولة بكفاءة.
لو كنت موظفا في نقابة المعلمين لأرسلت المبلغ للحاكم الإداري مع رسالة رسمية علنية وطلبت منه ايصاله للجهة التي أريدها أو لوضعت المبلغ مع «رسول أمين» بترتيب مع أي دورية شرطة في الشارع بدلا من المجازفة بالظهور خلافا للقانون بالشارع ثم الذهاب للمركز الأمني وثالثا إصدار بيان أتهم فيه وزيرا بالحكومة بأنه لم يتفاعل مع سعي النقابة للحصول على رخصة عبور.
المؤكد أن المشهد هنا كان يمكن الاستغناء عنه من قبل الرفاق في نقابة المعلمين. ونقدر مسبقا بأن المسألة قد تنطوي على «حسن نية».
لكن بكل حال وبكل مسؤولية نؤيد الامتثال الكامل والجماعي لقرارات التباعد والعزل ومن قبل الجميع وبدون استثناء مع إدراكي المسبق لمخاطر سايكولوجيا الحظر الاجباري التي شملت 11 مليونا من البشر والسكان.
هؤلاء جميعا، وأنا مثلهم، لا أرغب في البقاء بمنزلي ولا أريد المشي على قدمي من أجل عبوة بيض وأحب التحرك بحريتي وسيارتي.
ولدي دوما مثل غيري من المواطنين آلاف النسخ من المبررات والأعذار التي تجعلني اعتقد بأن من حقي الحصول على تصريح خاص في زمن الوباء والحظر أكثر ودون غيري.
لكن أفهم بالمقابل أن ما تقرر فيه مصلحتي وأستطيع الاسترخاء قليلا في ظل الحظر والوباء بالحالة الجماعية التي ألزمت التاجر والفاجر… الغني والفقير… النافذ والبسيط… القوي والضعيف… الموظف والمعلم والمطرب والحارس والبرلماني وحتى الوزير.
قد تفوت المتعة المتعلقة بالمشي لمئات الأمتار لشراء عبوة بيض من بقالة صغيرة كاد الأردني ينساها خلافا للامتيازات والمشكلات الموازية الناتجة عن البقاء في المنزل.
من تواجد في ميدان العمل والخطر في الأردن بالظرف الصعب هم فقط العسكر والعاملون في القطاع الطبي.
هؤلاء لا يملكون ترف أي معلم أو إعلامي أو رجل أعمال في اختيار البقاء في المنزل وعدم التحرك بالسيارة وينفذون تعليمات هدفها الوطني الأعمق حماية الناس. بالتالي لا مبرر للحركة لمن لا يتطلب واجبه التحرك.
وأفضل أصناف الحكومات هي تلك التي تكون حجة أقطاب المعارضة عليها أنها لم تمنح تصريحا لقيادي في نقابة ما لكي يحظى بامتياز التجول في ظل إغلاق شامل وجائحة يموت فيها الناس في الشارع في دول العالم.
لكن وفي اللحظة التي يظهر فيها أن الدولة الأردنية بكل أجهزتها ساهرة لهدف واحد محدد سلفا باسم «احتواء الفيروس القاتل» يمكن للمعارضين والنقابيين وأصحاب الرأي والمشورة أن يؤجلوا ولو قليلا انحيازاتهم الذاتية بحيث يتم التركيز على ما هو أهم فالتجول خلال جائحة وحظر لا يجعل المرء «زعيما».