الأردن: لماذا التصرف بخشونة والتعسف ضد أصحاب رأي سياسي؟
بعد «العفو» وقبل «الانتخابات»… سجن «الساخر الزعبي»
عمان ـ «القدس العربي»: لا يتعلق الأمر بإلقاء القبض على كاتب صحافي وإعلامي كبير في الأردن مثل أحمد حسن الزعبي، بقدر ما يتعلق بالبيئة التشريعية التي نتج عنها قرار الحبس لمدة عام ضد شخصية لها رمزية كبيرة وشعبية أكبر، أو بقرار سياسي سبق تنفيذ العقوبة أصر على حرمان الزعبي من مراجعتين يسمح بهما القانون تحت عنوان إعادة المحاكمة.
الزعبي في السجن الآن بعد ظروف وملابسات مرتبكة، وإحدى الدوريات المكلفة بإنفاذ القانون اعتقلته لتنفيذ عقوبة السجن لمدة عام التي كانت قد صدرت بحقه بموجب القانون. في المحصلة وبصرف النظر عن قرار سلطات القضاء ثم إجراء السلطات التنفيذية، بدا أن السماح بوجود كاتب محبوب هو رمز الكتابة الساخرة في البلاد منذ عقدين في السجن بهذه الخشونة، هو محطة تثير التأملات السياسية، وتطرح تساؤلات حرجة بامتياز عما يجري، خصوصاً على صعيد ملف الحريات العامة في البلاد أو على صعيد فقدان الحكومة للذاكرة جزئياً، بمعنى التصرف بخشونة والتعسف باستخدام نصوص القوانين ضد أصحاب رأي سياسي بالمقام الأول، وهو ما لم يكن يحصل في الماضي بالعادة، وفقاً للذاكرة الجماعية للأردنيين.
في كل حال، تنفيذ عقوبة الحبس لمدة عام بحق شخصية إعلامية ليست خطرة وكل ما تقدمه جملة معترضة يفترض بالدولة أن تستوعبها مثل أحمد حسن الزعبي، هي رسالة جديدة -برأي الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري- في سياق منهجية سلب الحريات العامة أو كتمها.
هذا النمط من التشدد في تنفيذ القانون وفقاً للرأي الذي سمعته «القدس العربي» من العمري أحد الأعضاء البارزين في لجنة الدفاع عن الزعبي، يمكن الاستغناء عنه أو استبداله بمنهجية تحافظ ليس فقط على سمعة البلاد الخارجية في مجال الحريات العامة، ولكن على تلك التوازنات التي ألفها الأردنيون تاريخياً وكان لها دوماً بصمة عميقة مؤثرة في الاستقرار العام.
فور قرار السلطات تنفيذ عقوبة الحبس لمدة عام بحق الزعبي، ثارت الأسئلة، وإن ما اقترحه الناشط النقابي البارز ميسرة ملص بعد انتقاد حالة التضييق على الحريات العامة، هو العودة لمناقشة ما يفعله قانون الجرائم الإلكترونية بالأردنيين.
الحبس عاماً
الزعبي عملياً قد يكون أول ضحايا تطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية من كبار المعلقين والكتاب، كما كان الأب الروحي لحزب الشراكة والإنقاذ الشيخ سالم الفلاحات أول من استدعي بإفادة أمنية تخص شكوى مرتبطة بقانون الجرائم الإلكترونية.
الأهم قد يكون هو التعمق بالأسباب التي دفعت وزارة العدل وفي قرار إداري لرفض طلبين كمخرج قانوني يحول دون وجود كاتب صحافي كبير مثل الزعبي خلف قضبان السجن، حيث كان من الممكن استئناف تلك العقوبة أو تخفيفها أو استبدالها، وفي الهامش الذي يسمح به القانون وتسمح به صلاحيات وزير العدل في الحكومة.
بعد «العفو» وقبل «الانتخابات»… سجن «الساخر الزعبي»
حرم الزعبي وبالتأكيد بقرار سياسي من هذه المساحة المرنة المتاحة، لكن حرم معه الجمهور الأردني عموماً في الأثناء من رصد مؤشرات المرونة والتسامح التي كان يألفها دائماً إما مع معارضين غير خطيرين أو مناكفين مهنيين لديهم رأي مستقل.
والمعنى هنا أن الرغبة البيروقراطية الكامنة في بناء واستدراج خلاصات محددة وغير علنية قد تكون وراء الإصرار على الاستمرار في قرار حبس الزعبي ووراء الرسائل المشفرة الباطنية في إظهار جدية السلطة في تطبيق النصوص المغلظة بقوانين الجرائم الإلكترونية أو حتى العقوبات، خصوصاً عند تجاوز الخطوط.
قد يكون الزعبي أخطأ في عبارة أو معلومة بتغريده ما، لكن حجمه وأقرانه وسط الناس بقي في الماضي من العناصر الأساسية في تفعيل مبدأ المرونة والتسامح، خصوصاً أن سجن كاتب من وزن الزعبي له حضور اجتماعي لا يمكن إنكاره بات مسألة تبرز على سطح الحدث بعد أسابيع قليلة من عفو عام أخفقت اللجان البيروقراطية في عكس جوهره ومضمونه، فيما يولد التجاذب مجدداً في ملف الزعبي بعد مسار التحديث السياسي وقبل أقل من 6 أسابيع على انتخابات برلمانية تعقد يوم 10 أيلول المقبل، ويفترض أن تفتح صفحة جديدة في البلاد بين العباد.
رسائل سياسية
تلك زاوية يقترح المحامي العمري التدقيق في تفاصيلها، لكن المهم بإجماع الملاحظين والمراقبين أن عنصر المجازفة الرسمي البيروقراطي بما تراكم من سمعة البلاد في ملف الحريات وبما تراكم أيضاً من السعي لإنجاح مسار التحديث، بات أمراً ملحوظاً ومرصوداً بصيغة لا يمكن تجاهلها.
رسائل رفض إعادة محاكمة الزعبي واستثناء قضايا مماثلة من العفو العام هو بحد ذاته مقصود في إطار التشدد، ما يمنح التأملات هنا مساحات واسعة من التأويل والتكهن قد تجازف بتغيير ما اعتاد عليه الأردنيون عموماً وبدون سبب واضح على الأقل.
وصول الزعبي إلى محطة تنفيذ عقوبة الحبس لمدة عام، رسالة على الأرجح سياسية. ومن يؤمنون بها خلف ستائر سلطات القرار الحكومي لا يظهرون حرصاً كبيراً على احتواء النخب المعترضة أو المناكفة، ويظهرون بالمقابل ميلاً للمجازفة في ملفي تحديث المنظومة السياسية والحريات العامة.
الغريب جداً هنا أن ذلك يبرز ويحصل بعد طي صفحة العفو العام وقبل إيام من انتخابات عامة يفترض أن تعيد ترميم المشهد السياسي الوطني العام.
تلك في حد ذاتها مجازفة إضافية قد يكون لها مبرر من الطراز الذي لا يلتقطه لا الزعبي ولا من يدافعون عن حقه في التعبير والحرية. وما دامت مجسات الاتجاه الرسمي لا تشرح للناس وتقف عند محطة إنفاذ القانون فقط، يمكن القول هنا إن الأمل وطنياً كبير في حسابات أكثر دقة للكلف والتداعيات.