الأردن: متحرشون وهتافون يحاصرون «وزارة الخصاونة» وخيار «الدولة» تجاوز «الترف الضريبي»
عمان – «القدس العربي»: تعديل وزاري محدود جداً ويتناول حقيبة واحدة فقط ولأغراض إقصاء رئيس سلطة إقليم العقبة الاقتصادية. التعديل الوزاري الصغير بعيداً عن رموزه وشخوصه على حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة وفي توقيت عام حساس للغاية، له دلالاته السياسية بامتياز؛ فالإيحاء هنا قوي بأن ترحيل الحكومة أو استقالتها تحت ضغط الشارع وبصرف النظر عن الضاغطين في هذه المرحلة ليس خياراً متاحاً بالنسبة لمركز القرار وبالرغم من الغبار الذي يثيره حول وتحت أرجل الحكومة شركاء مفترضون في المؤسسات الرسمية أيضاً.
التعديل في حد ذاته وبعيداً عن ظروفه وخلفيته وشكله، هو رسالة مضادة ومعاكسة لكل من يطرحون سيناريو الدوار الرابع أو يتخيلونه؛ بمعنى إقالة حكومة الرئيس هاني الملقي واستبدالها آنذاك تحت وقع هتافات الشارع بحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
الخصاونة ليس الرزاز ولا الملقي، وظروف تشكيل حكومته أثناء معركة الفايروس كورونا تختلف، والانطباع العام ما لم تحصل مفاجآت هو أن برنامج بقاء الحكومة متواصل وفقاً للفرضية التي تتحدث عن استمرارها لشهر حزيران العام المقبل، واحتمالية رحيلها مع البرلمان دفعة واحدة إذا ما تقررت انتخابات برلمانية عامة مبكرة يبدأ معها مسار التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي.
ذلك يبقى طبعاً في إطار التحليل، لكن الانطباع السياسي العام بشير إلى أن وزارة الخصاونة باقية وتتمدد بصرف النظر عن الضجيج العام، ليس لأنها وزارة متميزة جداً وحرفية للغاية وطاقمها استثنائي برمته، ولكن لأن أي بديل أصعب الآن سياسياً واقتصادياً، ولأن فكرة تغيير وزاري أو ترحيل حكومة تحت ضغط الشارع والاحتجاجات المعيشية أسوأ سيناريو محتمل في ظل عدم الانتهاء من بقايا برنامج الإصلاح الاقتصادي تحت عنوان التفاوض مع صندوق النقد والبنك الدولي.
ثمة طاقم اقتصادي يتفاوض الآن، وأمام “القدس العربي” رداً على استفسار لها، قال عضو البرلمان الخبير الدكتور خير أبو صعليك إن وجبة التفاوض والإصلاحات الاقتصادية الحالية مهمة للغاية وجداً، بمعنى أنها تلامس احتياجات دولة وليس احتياجات وأجندة حكومة. ذلك بلغة أبسط، لا يعني إلا أن من يتحرش بالحكومة داخل بعض مؤسسات الدولة والهاتفون ضدها في الشارع لا يستطيعون تقدير الفارق فنياً ما بين تبديل وترحيل حكومة أخرى وما بين أجندة اقتصادية لمجلس الوزراء عابرة للحكومة في واقعها وتعبر عن احتياجات الدولة.
خيار دولة
بمعنى، أن القرارات غير الشعبية أو الترفيّة، كما وصفها الرئيس الخصاونة، خيار دولة وليس خيار تركيبة وزارية، الأمر الذي يرجح عملياً تجاهل كل دعوات مغادرة الحكومة وترحيلها، إضافة إلى أن احتواء واستيعاب وتكثيف الاحتقان والاحتجاج والغضب ضد الحكومة – أي حكومة – قد يكون مناسباً للخيارات العابرة للحكومات.
الخصاونة نفسه، وكما لمست “القدس العربي” عدة مرات مباشرة، يعرف حجم التعقيدات لكنه يصر وبالقول الصريح على أن سياسة طاقمه وحكومته وبحكم مسؤولية الأخلاقية والوطنية هي المصارحة والشفافية وتجاهل ترحيل المشكلات والشعبويات. ذلك منطق طرحه الخصاونة عدة مرات تحت قبة البرلمان، لكن حكومته تدفع ثمناً غالياً مقابله اليوم فيما يعرف الجميع بأن السياسات الأمنية والقضايا الاستراتيجية الكبرى الدولية والإقليمية تدار وتناقش بمعزل عن مجلس الوزراء، الذي يحرص قبل أي شيء آخر فقط على تثبيت القطاع العام والإدارة العامة منعاً للتصدعات والانهيارات. يفترض أن فرصة رئيس سلطة إقليم العقبة، الجنرال نايف بخيت، في البقاء بموقعه قد انتهت، وأن رئيس الوزراء حسم الخيار في من سيتولى موقع البخيت، وتقرر أن يكون وزير السياحة الهادئ جداً نايف الفايز؛ ما يعني فراغاً في حقيبة السياحة يفترض أن يعالجه الخصاونة بتكليف السفير الأردني النشط والخبير في باريس مكرم القيسي، الذي كان للتو قد حقق إنجازات مع اليونسكو لصالح قطاع السياحة في بلاده.
دلالات الإيحاء بتعديل الحقيبة الواحدة سياسياً في هذه الظروف قد تكون أهم من تفاصيل هذا التعديل الصغير إذا ما نضجت توقعات صحيفة عمون الإلكترونية بالخصوص صباح الخميس.
في المقابل، الإيحاء السياسي المباشر الذي يمكن تلمسه هو ذلك القائل اليوم بأن “فيتو” من طراز خاص رفع في وجه نظريات ترحيل الحكومة الحالية، وأن أجندة وزارة الخصاونة الاقتصادية على صعوبتها وافتقارها للشعبية هي احتياج للدولة في الواقع. وهو أمر لم يفهمه بعض أعضاء مجلس النواب قبل أسبوعين، لكنهم فهموه على الأرجح لاحقاً، بدلالة الرسالة التي وجهت للقصر باسم النواب لتستعرض التعاون مع الحكومة في مسألة الإضراب الشهير لسائقي الشاحنات.
«تبرؤ من الشعبويات»
كما تضمنت الرسالة نفسها نصاً يتبرأ فيه النواب من تهمة الشعبويات.
خلف الستارة والكواليس وبعد الإثارة العاصفة والزوايا المنزلقة في قصة إضراب السائقين وما بعدها وهجوم النواب الحاد خصوصاً من معسكر الولاء على الحكومة، كان من الطبيعي أن يطرح أقطاب الوزارة أسئلة محددة على شركائهم في الصف الرسمي عن خلفيات ومسببات النهش والتحرش وتفريغ الاحتقانات بقصف الحكومة فقط.
وكان من الطبيعي أن يقال خلف الكواليس بأن الحكومة جاهزة للانسحاب أو الاستقالة أساساً وبدون ضجيج إذا كان رحيلها يفيد أو مطلوباً من جهات القرار السيادي. أغلب التقدير أن مثل هذه التساؤلات عند الطاقم الوزاري حظيت بأجوبة خلف الستار تحت عنوان احتواء التجاذبات والتركيز مرحلياً على ما هو أهم، حيث أولويتان في الأفق لا تتحمس أي منهما لسيناريو التغيير الوزاري الآن، وهما الحدية الكبيرة والانزلاق الأمني في الشارع، والمفاوضات المهمة جداً مع صندوق النقد.