اراء و مقالات

الأردن: متى تسقط «الأقنعة» بدلا من «الأبنية»؟ وفي القدس «نفخ الحاخام في البوق» قرب باب الرحمة و«البقية في الطريق»

نسيان المشاهد، التي تراكمت عبر الشاشات لم يعد خيارا بالنسبة للأردنيين. زميلة سورية اتصلت من دمشق بعد مشاهدة تغطية موسعة عبر تلفزيون «فرانس 24» لتسأل: ما الذي يحصل عندكم في الأردن؟ تلك الزميلة سكنت جبل الويبدة. سألتني عن الزقاق، الذي توجد فيه البناية المنارة، ثم قالت «والله خطية. ما أحلاه جبل الويبدة».
أفترض أن سبب تغطية المحطة الفرنسية للحدث مرتبط بأشهر شوارع جبل اللويبدة، واسمه «شارع باريس»، حيث الانهيار بجواره، وهو عبارة عن تقاطع بين أربعة شوارع يسهر فيها الحراكيون والمسرحيون والأجانب والسياح، وبعض متقمصي دور العشاق وعسس وموظفون وتجار وسياسيون.

شارع باريس، خلطة من كل مكونات الأردن

صديق من دولة أجنبية اتصل للاطمئنان أيضا بعدما شاهد تغطية «الجزيرة»: هل صحيح أن لديكم أكثر من 120 ألف بناية مهددة وقديمة، وعمرها يزيد عن نصف قرن؟
المشكلة ليست في حقيقة أن البناية قديمة، فقد سهرت في فندق في العاصمة المجرية بودابست عمر البناء فيه خمسة قرون، لكن المدير أبلغني بحماس أن البلدية تمنع زرع أو خلع ولو مسمار عن جدرانه، بدون «لجنة وفحص وقرار»، وبإشراف مدير الصيانة في البلدية الذي اختير بعناية من شريحة «لا يمكن رشوته».

لماذا «يهرع» المسؤولون؟

في القاهرة دخلنا في مكاتب بنايات عمرها أقدم من عمر الولايات المتحدة.
المشكلة، ليست في عمر المباني، لكن في بؤس سلوكيات من يملكها ويستثمرها، وشعبنا، ما شاء الله يوفر غطاء ثقافيا وشرعيا لكل من يحفر بحثا عن دفائن وذهب، فيما مؤسسات البلديات لا يوجد فيها من يريد القيام بواجبات وظيفته في المراقبة والترخيص والصيانة والمتابعة، رغم أن عمدة سابق للعاصمة أبلغني أن عدد موظفي البلدية أكثر من عدد المقاعد التي تملكها.
كلنا نذكر تلك النظرية العبقرية في «التعيينات»: التفريط بهيبة القانون والدولة مقابل «إرضاء الجميع».
نشعر بالفجيعة وأنت تقرأ على شاشة فضائية «رؤيا» المحلية تصريحات الزميل الناطق باسم بلدية عمان، نافيا أي مسؤولية للأمانة، حتى قبل إزالة الركام والأنقاض أو انتهاء التحقيق. تلك بصراحة قمة في السلبية والتسرع من مؤسسة عريقة، مثل بلدية العاصمة.
حسمتها فضائية «المملكة» في النهاية، فأخبار البحث عن ناجين تحت الأنقاض تمر بصورة عابرة بين زحمة بقية الأخبار عن «متابعات كبار المسؤولين الذين هرعوا لموقع الحادث». نريد من الأخوة المسؤولين أن يهرعوا، طبعا لكن قبل وقوع حادث مفجع وإلا تحول رموز إدارتنا العليا إلى مجرد «شهود» ملتزمين بإحصاء عدد القتلى فقط، فالمزيد من الحوادث ستقع وبنايات أخرى ستقع بصورة مرجحة.
لو كان الرفاق «إللي فوق» يتابعون فعلا وحقا لما حصلت حوادث مفجعة يراق فيها الدم مجانا، ولما أخرسني جواب أحدهم في مقهى شهير في العاصمة، وسألته مستفسرا: بالله عليك. قل لي كيف تمكنتم من ترخيص «كازية» بجانب مقهى للأرجيلة؟
الجواب كان بإشارة مخجلة إلى زاوية مجانية مع أرجيلة، حيث يجلس المسؤول عن مراقبة هذا الجزء من الحكاية، وما خشيته فورا أن تتطاير جمرة ما من نربيش أرجيلة صاحبنا فتصل محطة الوقود المجاورة على بعد أمتار فقط، فنصبح جميعا الركاب والكابتن والمارة في خبر كان، وتنشر صورنا على «فيسبوك» مع ذكر مآثرنا والترحم على «أرواحنا الطاهرة»!
في اختصار، ومن الآخر، ورغم إصرار التلفزيون الرسمي على التقليل من أهمية «حادث يحصل في مكان» نحتاج لثورة بيضاء إداريا تطيح بكل القواعد «كلن يعني كلن»، وبدون تردد، دون ذلك سنترحم على الأرواح الخبيثة قبل البريئة، وستسقط الأقنعة مع الأبنية.

نفخ الحاخام في البوق

أخيرا فعلها يهودا غليك، الحاخام الإسرائيلي المتطرف، فرفع علم الكيان على مقبرة الرحمة للمسلمين في محاذاة المسجد الأقصى، ثم «نفخ في البوق».
القناة العبرية، التي تحمل الرقم «13» أعلنت أن الطاقم الأمني في حكومة الاحتلال قرر أن منع المستوطنين من الاقتحام وأفلامهم التلمودية «ليس على أجندة الحكومة».
لا نعرف معنى النفخ بالبوق، لكنها على الأغلب واحدة من إسطوانات الخرافات إياها، التي تحرم معسكر الاعتدال العربي والتطبيعي من الحجج والبراهين، وتخدم هؤلاء المتشددين بيننا القائلين بعدم وجود مكان لـ»شعبين» وأن الكرسي واحد ويتيم.
عمليا، لا يحتاج الشعب الفلسطيني لكي يدرك مقولة «يا إحنا يا هم».
حتى وزير في السلطة كرر هذه العبارة بعد الاقتراب من 30 عاما مع اتفاقية «أوسلو».
لكن بالتزامن مع نفخهم في البوق كان الشيخ عكرمة صبري يحاول لفت أنظار العالم والوصي الأردني لحقيقة أخرى «تصدعات بدأت تظهر على جدران المسجد الأقصى».
ليس سرا أن باب الرحمة حصرا هدف منهجي لمجانين وموتوري الكيان بعد «إخضاع باب الأسباط» والمفاتيح قد تضيع قريبا. في اختصار، ومن الآخر إذا سقط باب الرحمة لأي سبب ستسقط بقية عواصم العرب واحدة تلو الأخرى، كما سقطت بنايتا جبل اللويبدة، ولن تنفع أي جهود إنقاذية في الوقت الضائع!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى