الأردن: هل تبدلت «اللهجة» في ملف تهجير الفلسطينيين… ولماذا؟
«اتفاقية وادي عربة برمتها أصبحت موضوعة على الطاولة»
عمان ـ «القدس العربي»: ينتقل الموقف في الخطاب الرسمي الأردني بالتدريج من جزئية «لا توجد مؤشرات قوية على التهجير في الضفة الغربية» قبل أسابيع فقط، إلى عبارة وزير الخارجية أيمن الصفدي وهو يقول «سنتصدى لأي تهجير داخل فلسطين أو خارجها بكل إمكاناتنا».
السؤال يصبح سياسياً ووطنياً وإعلامياً: في ملف التهجير لأهالي الضفة الغربية تحديداً.. ما هي المعطيات التي تغيرت أردنياً؟
سؤال سياسي بامتياز مجدداً، لكن السلطات الرسمية والحكومية قررت ألا تجيب عليه بعد بشفافية وصراحة، وإن كانت العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة شمالي الضفة الغربية بما تعنيه من دلالات مقدمة قد تسمح ولو من باب التحليل السياسي، بخلاصة تقول إن المؤسسة الرسمية الأردنية بدأت تقلق بدورها.
لا يتعلق الأمر هنا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية التي حصلت عدة مرات في الماضي فقط، ولكن بنتائج هذه العمليات التي تراقبها عمان بشغف واهتمام بالغ وفي التفاصيل، حيث إن تلويح الوزير الصفدي باستخدام كل الإمكانات لا يوحي فقط بالضغط الدبلوماسي الخشن على الإسرائيليين بقدر ما يوحي – وفقاً لاجتهادات طرأت خلال الأسبوع الأخير فقط – بأن اتفاقية وادي عربة برمتها أصبحت موضوعة على الطاولة في ذهن الخيارات الأردنية إذا ما تحول التهجير إلى حقائق ووقائع.
سبق للصفدي قبل أشهر أن قال علناً إن وثيقة اتفاقية وادي عربة أقرب إلى أوراق يعلوها الغبار وضعت في متحف، وعندما استفسرت منه مؤخراً «القدس العربي» أشار إلى أن مجمل الخيارات الدبلوماسية الأردنية متاحة.
المفارقة أيضاً موجودة، فاحتفاظ الأردن بعلاقات تطبيعية مع الإسرائيليين يسمح بالاستمرار في إغاثة غزة.
خيارات مفتوحة
وفي الوقت الذي صرح فيه لبعض الصحافيين في المقرات السيادية أن كل خيارات الدولة الآن مفتوحة، تسعى عمان وباهتمام ملحوظ إلى التجهيز لدور فاعل في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، على صعيد مشاريع محددة لإعادة بناء البنية الصحية والتعليمية حصراً في القطاع المدمر.
مهمة من هذا الصنف، من الصعب إنجازها في حال قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإسرائيليين، لكن الاحتفاظ بهذه العلاقات سرعان ما سيصبح عبئاً كبيراً على الدولة الأردنية بوضوح إذا ما استرسل اليمين الإسرائيلي الحاكم في خطط التهجير تحديداً. لذلك، أعيد ضبط بعض الإعدادات في المشهد الأردني.
الحديث عن عملية تهجير قسري لم يعد مساساً بثقة الأردنيين في مؤسساتهم، وإن من يحذرون الآن في عمان من أطماع اليمين الإسرائيلي التي تبدأ من تهجير سكان الضفة، يتحركون بحرية أكبر في التحضير لانتخابات نيابية بعد نحو أسبوع، وتحديداً يوم 10 أيلول المقبل.
الأهم، حظر على مرشحي التيار الإسلامي مثلاً استخدام مثلث كتائب القسام الشهير في يافطاتهم الدعائية، فيما الهمس بتقبل فكرة «شراكة ما» وبحصة مدروسة مع ممثلي اليمين الأردني من الإسلاميين حصراً بدأ يتردد حتى في أروقة الكثير من الشخصيات الرسمية.
«اتفاقية وادي عربة برمتها أصبحت موضوعة على الطاولة»
المعنى هنا أن إجراءات تهجير السكان قسراً في الضفة الغربية قد تدفع المؤسسات الأردنية إذا ما زادت مؤشراتها في اتجاه قبول بمساحة أوسع لوجود ممثلين للتيار الإسلامي في البرلمان الجديد وعبر قوائم لأحزاب، بمعنى اتجاه تكتيكي محسوب لا يزال مفترضاً لصالح الاستثمار بأصوات «اليمين الأردني المتشدد في المسألة الإسرائيلية» ما دام يمين تل أبيب يصر على العبث بالتفاصيل.
تلك تبقى مجرد مقاربة، والاستمرار في استثمارها رهن بنوعية الضمانات التي يقدمها الأمريكيون خلف الستائر، لكن بعض النخب لها رأي مختلف، وما يقوله ناشط ومتابع سياسي وخبير اقتصادي أيضاً هو رجل الأعمال جليل خليفة لـ «القدس العربي» تذكير بأن السياق الصهيوني لديه قناعة بأن تشرشل خدع مشروعه بخصوص شرق الأردن.
خليفة يلاحظ أن اليمين الإسرائيلي المتشدد لا يتحدث عن الوطن البديل، بل يعتبر الأردن جزءاً من الكيان. ويلاحظ أن الرئيس الأسبق دونالد ترامب، أعلن نيته توسيع حدود إسرائيل.. لذلك يطالب خليفة القوم بأن يستيقظ ويسأل: توسعة ترامب، هل المقصود أن تكون في اتجاه البحر المتوسط؟
سبق للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، أن تحدث عن تلك التوسعة باعتبارها ضد الأردن. ومع زحف مخاوف نتائج وتداعيات العملية العسكرية الأخيرة شمالي الضفة الغربية إلى بعض مفاصل القرار الرسمي الأردني، يمكن القول إن اللهجة تتبدل بدلالة الغياب المفاجئ للخطاب القائل بعدم وجود مؤشرات قوية على التهجير، فيما يحضر الخطاب المرتبط بأن المملكة ستتصدى بكل إمكاناتها.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد في الغرف المغلقة، فقد ارتابت عمان مؤخراً بطريقة غير مسبوقة عندما حاولت فهم الأسباب التي تدفع الوزير سموتريتش لضم المزيد من الأراضي الخالية في منطقة الأغوار تحديداً وعلى أكتاف الحدود مع المملكة، حيث سألت عمان بحرص عن خلفية الإجراء الذي وقعه سموتريتش هنا بصفته الحاكم للضفة الغربية مدنياً.
الطرفان الأمريكي والإسرائيلي لا يرسلان جواباً مقنعاً للأردنيين. والإيحاء واضح بأن حكومة يمين تل أبيب تخطط لما وصفه بنيامين نتنياهو يوماً بالسيطرة التامة على الأغوار أمنياً وسيادياً.
لا جواب من الأمريكي
ساند مخاوف الأردن الرسمي هنا تلك الالتباسات الغامضة التي لجأ لها وزير خارجية الكيان يسرائيل كاتس، عندما حاول تضليل الجميع بالإشارة إلى نشاط للحرس الثوري الإيراني بتهريب الأسلحة للضفة الغربية عبر الأغوار الأردنية.
الكذبة -كما وصفها وزير الخارجية الأردني علناً- أثارت ارتياب الأردنيين بقوة، ورغم أن حوارات سيادية توقعت أيام صعبة منذ أكثر من أسبوعين فإن مسلسل التحرش اليميني الإسرائيلي بالأردن في قضايا الأمن والحدود دفع ألسنة وأقلام الصحافة المقربة من السلطات عملياً للتخفيف من حدة التشكيك بوجود خطة إسرائيلية لتهجير سكان الضفة الغربية.
الأردن تتغير لهجته في ملف التهجير. والقناعة راسخة بأن من أحبطه في غزة يستطيع إحباطه في الضفة الغربية، لكن المأزق الأردني حتى الآن أو حتى اللحظة، يتمثل في دراسة إمكانيات الذات لتحصيل إجابة عن السؤال التالي: هل يمكن إحباط التهجير فقط عبر مقولة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وأهل الضفة، أم أن المسألة قد تتطلب لاحقاً استبدال مفردة «صمود» بأخرى هي «مقاومة»؟