الأردن وأمن الطاقة والمياه: غفلة «التوقيع» و«أخطاء المفاوضين» قد تصدم المراجعة بالحائط الإسرائيلي
عمان ـ «القدس العربي»: لا مناص من القول بان الإندفاع السياسي والدبلوماسي الأردني الذي ذهب طوال الأسابيع الماضية لاستخدام الحديث عن مراجعة اتفاقيات وقعت بالماضي مع إسرائيل في إطار سلاح ضغط سياسي بدأ يستيقظ على صحوة الوقائع السياسية والقانونية في ميزان القدرة والرغبة.
وهي تشير إلى ان أطقم المفاوضات والقرار الحكومي الأردنية في الماضي فعلا قد تكون ارتكبت بعض الأخطاء تحت ضغط الوقت والعنصر السياسي عندما وضعت اتفاقيات تؤسس لبقاء مصالح إستراتيجية وأساسية للأردن والأردنيين في حضن إسرائيل.
مراجعة البرلمان لنحو 13 اتفاقية موقعة مع الإسرائيليين وقفت قسرا عند بعض المحطات خوفا من مغامرات.
والقناعة أقرب الىن إلى ان بعض الاتفاقيات ترتب غرامات مالية كبيرة في حال إعلان الانسحاب منها، مع أن المفاوض والخبير الدكتور دريد محاسنة كان قد أبلغ «القدس العربي» عدة مرات بأن الجانب الإسرائيلي خالف كل الاتفاقيات صغيرها وكبيرها لا بل انقلب على معظمها.
يدفع ذلك باتجاه يقترح أن عدم الالتزام ينبغي ان يكون محور أي عملية للتنقيح والمراجعة. وهنا اختبار شديد لمقولة وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر عن ضرورة الانسحاب قدر الامكان من عمليات التطبيع الاقتصادي ليس في الاحتجاج فقط على العدوان الإسرائيلي الغاشم والإجرامي على أهل قطاع غزة وما يحمله من توقعات مؤلمة للمنطقة وللمصالح الأردنية، ولكن أيضا في سياق تحصين مصالح الذات والتعامل مع الممكن بدلا من الذهاب باتجاه مجازفات لا أحد يطالب الأردن فيها أو قد يؤذي بعضها مصالح المملكة إذا لم تقرأ المراجعة بعمق وتفصيل كما يقترح الناشط القانوني الخبير محمد طقاقطه وهو يصر في نقاش مع «القدس العربي» على أن التعمق في النص مهم وأساسي قبل المضي قدما بأي مجازفة بما في ذلك اتفاقية وادي عربة نفسها.
اكتشف كثيرون اليوم بأن معادلة تمكين الجانب الإسرائيلي من السيطرة على كميات المياه التي تضخ للأردنيين عبرت عن واحدة من اللحظات التاريخية التي غفلت فيها مؤسسات التفاوض الأردنية عن الكثير من المواقع خصوصا وأن تقارير معمقة ومنذ 7 سنوات تقريبا كانت تحذر من ان اليمين الإسرائيلي يزحف على مفاصل الكيان العميقة والتي كان الأردن دوما يراهن عليها.
عمليا الرهان على الحصة الأردنية من مياه فلسطين المسروقة انتهى بحجب الحصص أحيانا أو التذرع لعدم ايصالها من جهة اليمين الإسرائيلي، لكن الأهم انه انتهى بعدم التفكير خارج الصندوق، بمعنى التفكير وطنيا ضمن ما يعرف بأمن المياه والاعتماد على وصفات إبداعية وطنية.
واحدة من الاشكالات الأخرى تلك المتعلقة باتفاقية الغاز، حيث أربك الإسرائيلي معطيات الأردن في مجال أمن الطاقة عندما قلص الضخ بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر بنسبة 50 في المئة ما دفع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة للبحث عن بدائل ستكلف الخزينة في العام الواحد على الأقل كما أعلن الخصاونة نفسه نحو 45 مليون دولار إضافية، الأمر الذي يعني أن إسرائيل والتي تتذرع بأسباب أمنية تسببت بعجز إضافي على ميزانية الدولة المالية مقداره اليوم للعام المقبل نحو 45 مليون دولار وسط حسابات مقدور عليها وتحت السيطرة وفقا للتعبير الذي استخدمه وزير المالية محمد العسعس في إحدى الجلسات النقاشية.
والأردن بدأ يتصرف في مسألة الغاز على أساس انه قادر تماما على البحث عن بدائل، وميزانية الطوارئ المالية يفترض ان تكفل استمرارا في احتياط الغاز حتى لا تضطر الحكومة لاحقا لرفع أسعار الكهرباء التي يعتمد الأردن في إنتاجها تماما على الغاز الإسرائيلي.
البدائل المطروحة طبعا هي الأقرب جغرافيا من مصر، ولكن بأسعار السوق العالمية، والخصاونة صرح علنا بأن بلاده ليست بصدد إلغاء اتفاقية الغاز، الأمر الذي يعني ان الاندفاع الدبلوماسي الذي لوح بمراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل بدأ يميل إلى التحدث بلغة واقعية أكثر، وهو مربط الفرس بالنسبة لهيئات مدنية عريضة في الأردن كانت تحذر من مأزق إستراتيجي من هذا الصنف وهي تعتبر أو ترفع شعار غاز العدو احتلال.
الإشكال نفسه قد يحصل الصيف المقبل مع مخزون المياه خصوصا وان الأردن استغنى لأسباب سياسية وأخرى دبلوماسية قوامها الضغط على الأمريكيين والإسرائيليين عن نحو كمية مياه سنوية لا تقل عن 200 مليون متر مكعب من المياه المنقولة بعد ما قرر تعليق توقيعه على اتفاقية المشروع الإماراتي الشهير والقاضية بتوريد الكهرباء واستبدالها بمياه محلاة من البحر المتوسط وقد يحتاج مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه من مدينة العقبة إلى وقت أكبر حتى تنضج الظروف وتخصص النفقات المالية اللازمة له.
ويقدر قانونيون مختصون بأن الأردن ليس بصدد إلغاء اتفاقية وادي عربة ولكن يمكنه التلويح بمراجعتها قانونيا ورفع شكوى دولية على أساس ان الجانب الإسرائيلي لا يلتزم بها.
وحتى الآن لم تفهم السياقات التي ستذهب إليها بصورة محددة لجنة قانونية برلمانية كلفت بمراجعة نحو 13 اتفاقية مع الإسرائيليين لكن الدرس الأهم في السياق هو ان تلك الاتفاقيات وقعت بغفلة وفيها قدر من الظلم للمصالح الأردنية ومنطقها بني على أساس شراكة مع الإسرائيليين تبين اليوم انها ليست دائمة وليست أبدية ويمكنها ان تترنح والمقصود تترنح تلك الشراكة بسبب اليمين الإسرائيلي وطموحاته ومشاريعه.