الأردن وإصلاح «الإدارة»… اقتراب منهجي من «الارتطام» بسؤال جوهري
عمان – «القدس العربي»: أولوية التصويب التي وصلت بإرادة مرجعية ملموسة في الأردن اهتم بها القصر الملكي بوضوح خلال الأسبوعين الماضيين للمسار الإداري. ذلك لا يعني بأن بقية المسارات أنجزت أو دخلت في حالة كمون تكتيكي بقدر ما بدأت فعلياً مرحلة جديدة قوامها اشتباك مؤسسة ولاية العهد مع التفاصيل، بدلالة أن ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، الذي تنازل عملياً عن إجازة شخصية بعد عرسه الملكي، طالب القطاع العام بالتنبه لضرورة إشراك القطاع الشاب.
القناعة راسخة وسط رموز العمل الحكومي الأردني وعلى رأسهم رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، بأن التشبيك بين مسارات التصويب السياسية والإصلاحية والإدارية يتطلب جملة منسقة إلى حد بعيد، وقد سمعت “القدس العربي” الخصاونة مباشرة يتحدث عن هذه الجملة المنسقة باعتبارها الأساس في تفاعل حكومته مع المعطيات والتوجيهات وسلسلة الرؤى الملكية.
في كل حال، لا توجد قرائن أو أدلة على حال التغافل للملف السياسي الانفتاحي المطلوب في المرحلة اللاحقة على الرغم من المشكلات التي تعاني منها مسيرة العمل الحزبي، وهي مسيرة لا تزال تتعثر -وفق السياسي مروان الفاعوري، وذلك التعثر يحصل لسبب وحيد ويتيم تقريباً، وهو الرغبة العارمة لدى السلطات الحكومية في السيطرة على الإيقاع الحزبي، معتبراً أن إطلاق الحريات الحزبية هو الأساس دون تدخل ودون ضغوط أو حتى فعاليات هندسة. في كل حال، تلازم المسارات منح الأولوية على نحو مباغت لوثيقة لها علاقة بتطوير خدمات القطاع العام وإعادة هيكلة الإدارة العامة لمؤسسات الدولة بعدما برزت الحاجة موضوعياً لتصويب مرحلة التصويت في مسار تحديث المنظومة السياسية، حيث ملاحظات لدى المقام المرجعي ولدى مؤسسة القصر بالجملة على أداء أو ترتيبات خارطة الأحزاب السياسية التي يراهن عليها مستقبلاً ضمن مسار تحديث الرؤية السياسية، وحيث ملاحظات على سلبية تفاعل الطاقم الاقتصادي الوزاري الحالي إجرائياً وبيروقراطياً مع متطلبات ومقتضيات التمكين الاقتصادي.
الرغبة في تصويب التصويب هي التي قفزت بأولوية الإصلاح الإداري إلى حد كبير. والحديث هنا عن قرارات قد لا تتميز بالشعبية وسط مناخ إداري يعرف رئيس الوزراء الخصاونة أنه معقد للغاية، والأهم أن تصويب الإدارة وإصلاحها بالمعنى الجذري والعميق يتطلب توفير المال لإجراء تلك الإصلاحات.
ويبدو أن بعض الخبراء في منطقة قريبة من رئيس مجلس الوزراء على الأقل يتصورون أن توفير السيولة النقدية والقدرة على الإنفاق هو الأساس في ترشيق وترشيد الإدارة العامة في البلاد، كما يبلغون بين الحين والأخر ولو بتهامس بأن فكرة الإصلاح الإداري في حال عدم وجود أموال مخصصة لهذا الإصلاح تبدو في بعض الأحيان عبثية. لذا، ثمة قناعة تحتاج إلى نقاش اليوم، وعنوانها أن ممارسة التغيير الهيكلي الإصلاحي في مستوى الإدارة العامة وتطوير خدمات القطاع العام مسألة سيادية وقيادية بامتياز مرتبطة بتوفير المال. وبما أن البلاد تتجه نحو الاستغناء قدر الإمكان عن المساعدات الأجنبية التي لا تكاد تكفي لمتطلبات الخزينة الأساسية، فالحديث عن إصلاح إداري وجذري عميق يحتاج إلى فترات زمنية قد تكون أكبر، فيما ترتطم العملية بالسؤال المالي حصراً. ومن هنا يمكن فهم التعريج على مستوى مركز صناعة القرار ولو قليلاً إلى المسار الإداري خلال الأيام القليلة الماضية، لأن الرغبة عارمة وعميقة بأن لا يتأثر التعثر الإداري، وألا تؤثر صعوبة إنجاز إصلاح إداري حقيقي في مساري تحديث المنظومة الحزبية والسياسية والتمكين الاقتصادي أيضاً.
وطبعاً ودوماً، لا توجد ضمانات بأن لا يرصد أو لا يحصل مثل هذا التأثير، لكن الانطباعات لاتزال قوية بأن تخدير مقتضيات الإصلاح الإداري واقتصارها على ملف تطوير خدمات القطاع العام قد يكون المتاح الوحيد؛ لأن الحكاية الإدارية في أصلها -على حد تعبيره مسؤول بارز في الحكومة رفض أو فضل عدم الكشف عن هويته- هي حكاية فلوس بالمقام الأول.
ومن هنا يمكن فهم الإطلالة على الجزء المتعلق بتطوير خدمات القطاع العام على أمل تأسيس حالة ذهنية وسيكولوجيا في الشارع على الأقل، توحي بأن الحكومة ألقت نظرة على الممكن والميسور والمتاح في جزئيات الإصلاح الإداري قبل انتقالها إلى ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع من إنجازات في مساري التصويب الاقتصادي والتصويب السياسي والحزبي. وهذه الوقفة اضطرارية بالمعنى السياسي، لكنها قد تكون منتجة والهدف منها على الأرجح الإيحاء بتلازم المسارات الإصلاحية الثلاثة، لكن ما ينبه له الفاعوري وغيره هو أن صعوبة إنجاز الإصلاح الإداري مسألة ينبغي ألّا تؤثر على أحقية وصدارة إنجاز الإصلاح السياسي وتوفير مناخ عام يستعيد فكرة احترام الحريات العامة حزبياً وإعلامياً في الأردن، بما في ذلك معالجة الأزمات التي انتجت إنتاجاً وانتهت بأزمات أكثر، ومن بينها أزمة نقابة المعلمين، والتدخل في العمل الحزبي في بعض الأحزاب تحديداً، إضافة إلى استعادة مناخ الثقة والمصداقية داخل المؤسسات.