اراء و مقالات

الأردن: واقع الحال في الضفة الغربية هو «الأخطر» منذ اندلاع «طوفان الأقصى»

«جنين» تعيد عمّان إلى الحبل المشدود…

عمان ـ «القدس العربي»: المقاربة الأردنية لا تبدو فاعلة تماماً أو منتجة حتى الآن عندما يتعلق الأمر بالقرار الإسرائيلي نقل وتصدير الأزمة بكل المعايير الأمنية والسياسية في قطاع غزة إلى الضفة الغربية.
التقلبات الحادة في الضفة الغربية الآن تبقى بمثابة الإعلان الصريح الخاص ببقاء الأعصاب الأردنية مشدودة وعلى الحافة، وكل مؤسسات وأجهزة الأردن معنية أصلاً بتكليف ملكي مرجعي بمراقبة كل التفاصيل في واقع الحال في الضفة الغربية؛ لأن الأردن مهتم جداً بما ردده بعض المستشارين لبعض الإعلاميين مؤخراً بعنوان الوصول إلى حالة تخرج معادلة التهجير خصوصاً في الضفة الغربية، من المشهد الفلسطيني.
لا يبدو أن السلطة الفلسطينية تقدم يد المساعدة بصلابة للأردن في هذا الاتجاه. وما قاله بعد ظهر الثلاثاء نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي على هامش لقاء مع نظيره السويدي، يثبت أن عمان تراقب بقلق شديد ليس فقط ما يجري في مدينة جنين منذ أسابيع، ولكن ما يمكن أن يجري في الضفة الغربية وعمومها.
الوزير الصفدي أدان الثلاثاء ما وصفه باقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة جنين بالكامل، وتحدث عن إجراءات لا شرعية يمارسها الاحتلال في الضفة الغربية، لكنه خاض في بعض التفاصيل بصيغة تثبت مستوى الرقابة الاردني الرفيع لتلك التفاصيل. ووصف الصفدي ما يفعله الاحتلال في الضفة الغربية بأنه حصار اقتصادي يؤثر سلباً في مهام السلطة الفلسطينية، ويعرقل الخدمات والنفقات (يقصد الرواتب).

عبارات جديدة

تلك عبارات جديدة ترد على لسان ضابط إيقاع الدبلوماسية الأردنية، فعمان بالعادة لا تشير إلى الحصار الاقتصادي الذي يمارسه الاحتلال على أهل الضفة الغربية. وعمان بالعادة أيضاً لا تتحدث عن تأثير ذلك الحصار في مجالي النفقات وتقديم الخدمات عبر أجهزة السلطة الفلسطينية.
تعكس هذه التصريحات التي بدأت تطال التفاصيل نمواً في إحساس عمان بأن أجندة اليمين الإسرائيلي تخطط حقاً للهرب من تداعيات أزمة غزة في اتجاه تصدير الأزمة إلى الضفة الغربية، الأمر الذي لا يعني في النتيجة إلا الاقتراب مما سبق أن حذر منه العاهل الملك عبد الله الثاني علناً باسم «انهيار الوضع القانوني». ووصلت تقارير مزعجة جداً وتفصيلية عما يجري في الضفة الغربية لحكومة الأردن.
والحديث عن النفقات العامة وضرب شبكات والحصار الاقتصادي بلسان صريح مع وجود وزير خارجية دولة أوروبية مثل السويد، انعكاس للتشخيص الأردني العميق الذي بدأ يميل خلف الستائر إلى أن جهات نافذة في حكومة تل أبيب بدأت تخطط للتوتير والتأزيم في الضفة الغربية بهدف صرف أنظار المجتمع الدولي قليلاً عن جرائم الاحتلال في غزة.

«جنين» تعيد عمّان إلى الحبل المشدود…

تلك مقاربة واضحة الملامح برأي السياسي والخبير الأردني الدكتور محمد الحلايقة، الذي اقترح عبر «القدس العربي» مجدداً بأن لا يسقط من التقييم اعتبار ما يخطط له العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية من انفلات وفوضى تحت عناوين السيطرة الأمنية للاحتلال.
عملياً، ورغم أن عمان توقفت، إعلامياً ودبلوماسياً، عن مهاجمة خطط التهجير، فإن ما يجري في جنين بين الحين والآخر، وتحديداً ما جرى فجر الثلاثاء من إعادة الاقتحام واحتلال أحياء متعددة في المدينة ومخيمها، يقرع جرس الإنذار، برأي الحلايقة وآخرين، ويعيد تذكير الرسميين الأردنيين بصوت التحذير المهم الذي قال القيادي الفلسطيني عباس زكي إنه نقله لكبار المسؤولين الأردنيين، باعتبار ما يجري في جنين أصلاً ليس فقط عملية قتل واشتباك بهدف القتل مع مقاومين، ولكن أيضاً عملية تدمير وتقويض للبنية الاجتماعية لتحقيق أهداف سياسية.
سمعت «القدس العربي» زكي مرتين على الأقل وهو يحذر من أن طبيعة تصرفات الاحتلال في اقتحامات جنين تحديداً، ولاحقاً مدن فلسطينية غيرها، مؤشر كبير على نوايا التهجير والترحيل.
وأفاد بأنه لا يقرأ تحفير الشوارع وتدمير شبكات المياه والخدمات الصحية واستهداف المستشفيات في جنين كما حصل في غزة، إلا من زاوية فرض واقع حال على أهل المدينة والدفع في اتجاه تهجيرهم. لذلك، اقترح عباس زكي على الأردنيين الانتباه؛ لأن الأردن كان ولا يزال في الذهن الإسرائيلي اليميني هو الجهة التي سيتم التهجير إليها.
مجموعة مسار التكيف في المؤسسات الأردنية بالغت في الحديث مؤخراً عن تصدي المملكة ومصر لخطط التهجير الإسرائيلية، لكن ما حصل على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، وطبيعة ما يحصل الآن في جنين وبعض مخيمات الضفة، يؤدي إلى سقوط تلك النظرية عند مجموعة خواجات التكيف، كما يصفهم السياسي والبرلماني الدكتور ممدوح العبادي.

تطورات جنين

تطورات جنين تحديداً ألهبت مجدداً كل المخاوف والحسابات في الأردن. لكن الخبير الاستراتيجي الجنرال قاسم محمود، عندما تناقشت معه «القدس العربي» اعتبر أن فلسفة التهجير الإسرائيلية الخبيثة يمكن الرد عليها أردنياً، لافتاً إلى أن الحدود، كما جرت العادة، هي سلاح مزدوج، وعلى العدو أن يفهم ما الذي يعنيه ذلك.
قال محمود: واهم من يعتقد أن الدولة الأردنية بلا خيارات في هذا الموضوع الحساس. لكن ممارسة تلك الخيارات تتعطل حتى الآن بسبب كثرة الاقتحامات لمدن الضفة الغربية، والرهان الأردني اليتيم على محاولة إنعاش ما تبقى من روح في بيروقراط السلطة الفلسطينية التي يهاجمها الصديق قبل العدو الآن مالياً، رغم أن حكومة عمان إذا ما أرادت التصدي لسياسيات التقويض الإسرائيلية والتهجير في الضفة الغربية تستطيع استخدام إجراءات أخشن قليلاً من قائمة طويلة من سلوكيات خشنة، اقترحها علناً عبر «القدس العربي» أيضاً رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب.
ما يجمع عليه قادة فلسطينيون من مختلف الملامح السياسية والتنظيمية زاروا عمان بعد 7 أكتوبر، هو تحذيرهم المباشر للدولة الأردنية من تنفيذ اليمين الإسرائيلي لبرنامجه في حسم الصراع بدلاً من إدارته، ما يعني التهجير بكل حال.
قائمة هؤلاء تشمل أعضاء كنيست مثل أيمن عودة والدكتور أحمد الطيبي، وتشمل قيادياً فتحاوياً عريقاً مثل عباس زكي، كما تشمل دبلوماسياً ناشطاً مع السفير حسام زملط، وهؤلاء جميعاً فلسطينيون قالوا علناً للأردنيين في عمان إن على حكومتهم التحرك بصورة أكبر وأعمق، حتى بمعنى الاستثمار في منع التهجير، ثم حماية مصالح الدولة الأردنية. وأحداث جنين المستجدة تقرع كل الأجراس وسط تأكيدات إسرائيلية بأن العملية العسكرية في جنين قد تستمر أياماً عديدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading