الأردن والترانسفير: «نعم… نستطيع»
إعلان الحرب يتطلب الرد بالخيار العسكري. لا نريد ذلك طبعا ولا ندعو إليه في ظل التخاذل العربي والانقسام الفلسطيني، لكن هذا ما نفهمه إذا ما استرسل الإسرائيلي في عدوانه
تنهد وتريث قليلا قبل اختيار صيغة الإجابة المقنعة على أكثر وأكبر سؤال ملح يطرحه الأردنيون اليوم.
ما الذي ستعتمده الدولة من خيارات إذا ما قرر اليمين الإسرائيلي البدء بمخطط التهجير والترانسفير؟
السؤال في جلسة حوارية أحيل لجنرال عريق ومتقاعد وخبير أيضا. الإجابة بعد صمت التأمل مباشرة وصريحة وباللهجة الأردنية المريحة «بكل صراحة مش شايف إلا الخيار العسكري».
طبعا تلك إجابة صحيحة بقناعات غالبية الأردنيين اليوم. لكن ثمة من يشكك في إمكانيتها وليس بالضرورة اعتماد المؤسسة مثل هذا الخيار من الصدام مع مشروعات اليمين الإسرائيلي تحت عنوان تصفية القضية الفلسطينية.
لا شكوك أن المزاج الأردني أصبح هوسيا في طرح سؤال: «كيف سنتصرف إذا ما بدأ تهجير أهل الضفة الغربية»؟ ولا شكوك بالمقابل بأن هذا السؤال حصرا يطرح انطلاقا من دافعين.
الأول هو الخوف الشرعي على الأردن دولة وشعبا.
وهو خوف مشروع يتغذى يوميا على حلقة الدم التي توسعت وأصبحت إقليمية بيد الجيش الإسرائيلي بعدما سيطر عليه اليمينيون، وبعدما أصبح النزوح والتحريك الديمغرافي تحت مسوغات الأمن مسألة بدأ يألفها المجتمع الدولي لا بل يتجنب إعاقتها من غزة الى لبنان.
والدافع الثاني قد يكون مرده التشكك بقدرات الأردن على التصدي والمجابهة في ملف التهجير، وأحيانا التشكيك بوجود حالة ضغط يمكن أن تدفع البلاد والعباد إلى القبول بما يسميه بعض المستشارين والمسؤولين بالتكيف مع الأمر الواقع.
إعلان الحرب يتطلب الرد بالخيار العسكري. لا نريد ذلك طبعا ولا ندعو إليه في ظل التخاذل العربي والانقسام الفلسطيني، لكن هذا ما نفهمه إذا ما استرسل الإسرائيلي في عدوانه
وحتى لا نغرق في المراوحة بين دافعين علينا أن نقول كلمات واضحة: الدولة فيما يبدو تجاوزت لفت نظرها بعنوان وجود مخاطر في هذا الملف وبدأت تتصرف على هذا الأساس، ومؤسسات القرار العميقة لديها فائض خبرة أيضا ينبغي لأي طرف ضاغط أو متآمر أن يخشاها عندما يقول الأردن الرسمي كلمته.
لا نريد الغرق في التأويلات والتكهنات. لكن الإجابة الوطنية التوافقية على سؤال التهجير الإسرائيلي الوشيك أو المحتمل، يتطلب قبل أي اعتبار آخر إظهار الثقة بالمؤسسات الأردنية السيادية وبخبرتها وحكمتها، لا بل السعي للتحلق حولها ودعمها بعيدا عن التشكيك أو التشكك والتأويل أو التكهن لأن المقابل في هذه المفارقة هو إضعاف الموقف الأردني فقط وخدمة الأطماع الإسرائيلية.
كل من يطرح سؤال التهجير من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، وبصرف النظر عن دوافعه الحقيقية، عليه إغلاق صفحات التشكيك بالمؤسسات وفتح صفحة العمل معها في جزئية تحصين الجبهة الداخلية، وإظهار الثقة المطلوبة بالقرار والخيار، فمهمة التصدي للسيناريو الإسرائيلي بصرف النظر عن ملامحه نبيلة ووطنية وتتطلب المزيد من صلابة ووحدة الموقف.
نعم الأردن يستطيع، فبعد 30 عاما من العمل والاشتباك المهني لم يرصد حالة فيها إجماع أفقي بين الأردنيين من أعلى هرمهم السياسي الى أدنى شرائحهم الاجتماعية على قضية وملف، كما يرصد الجميع في مسألة التهجير وأطماع اليمين الإسرائيلي.
لا توجد قضية تحظى بإجماع حقيقي عاموديا وأفقيا بين الناس والدولة في الموقف والتشخيص مثل قضية التهجير ومخاطر السيناريوهات البديلة.
وما تبقى من واجب على الدولة والمواطنين معا هو عكس هذا التوافق والإجماع على لغة الواقع حتى يفهمها الجميع في إطار إنتاج مشروع صد وطني عمومي يعيق السيناريوهات البديلة.
نقصد انتقال كل الأطراف المعنية من مرحلة تشخيص المخاطر والإقرار بها إلى مرحلة تجنيد كل الأوراق والقوى، ليس للتصدي فقط لتلك المخاطر وإعاقتها بل للاشتباك معها بكل ما تقتضيه المعادلة من مكاسب ومخاسر أو من خطوات وتحديات لا بل من تضحيات أيضا.
بعيدا عن كلام الصالونات السياسية يبدو أن الجنرالات في شريحتهم الخبيرة أميل لتقديم الوصفة الأفضل.
وعندما سألنا أحد أكثرهم خبرة عن خاطر التهجير قال بالحرف الواحد: «لعبة التهجير خطرة على الإسرائيليين كما هي خطرة علينا لأن الرد على أي تهجير حقيقي ممكن وبكل بساطة بالتهجير المعاكس».
مكونات كبيرة في المجتمع لديها «وطن محتل» وأكثر من 4 ملايين أردني لديهم «حق عودة».
تلك إجابة عملياتية في الواقع تثير الانطباع بأن الخيار العسكري متاح إذا عجز السياسي والدبلوماسي.
السبب هو أن العبارة المعتمدة حتى اللحظة لإظهار موقف الدولة الأردنية لا تزال هي تلك التي تعتبر التهجير من الضفة الغربية بمثابة إعلان حرب.
إعلان الحرب يتطلب الرد بالخيار العسكري. لا نريد ذلك طبعا ولا ندعو إليه في ظل التخاذل العربي والانقسام الفلسطيني، لكن هذا ما نفهمه إذا ما استرسل الإسرائيلي في عدوانه حتى وصل لمرحلة الحسم في الضفة الغربية وبناء جدار الأغوار وتوسيع مستوطناتها بصيغة تنقل كل الأزمة إلى الأردن الذي قدم تضحيات لا ينكرها إلا جاحد في دعم وإسناد الحق الفلسطيني.
الأردن يخوض اليوم معركة دبلوماسية خشنة لدرء السيناريوهات البديلة ينبغي أن نسانده.