الأردن و«المهمة المستحيلة»: قانون «غاضب» مباشرة بعد زفاف ملكي بهيج وتحديث وتمكين
عمان- «القدس العربي»: قد تكون “صدفة” وقد لا تكون، لكنها من زاوية “التوقيت السيئ” والتكتيك بالحد الأدنى “وصفة غير موفقة” في توقيت سيئ للغاية تحمل اسم “القانون المعدل للجرائم الإلكترونية” وبتوقيع الحكومة مع “صفة الاستعجال”، تصاعدت فجأة ومباشرة بعد “الاحتفالات الوطنية – الشعبية البهية” بزفاف ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله.
المشهد التشريعي والسياسي باختصار في الحالة الأردنية كالآتي: قانون مثير للجدل يقفز فجأة ومن “مكان غير محدد” وبطريقة “استعراضية فوقية” ليثير عاصفة من النقاش الإلكتروني والشعبي والشعبوي مباشرة بعد تلك الدروس العظيمة التي خلقت إطاراً جديداً ومزجت الأردنيين بشرائحهم في كتلة من التفاؤل بثت في أوصال وأوساط المجتمع إثر سلسلة الدلالات العميقة للزفاف الملكي الشعبي في آن واحد.
لم تكن الظروف الاقتصادية والمعيشية وأجواء الفرح بالزفاف تحتمل الانتقال إلى “وصفة تنتج أزمة مجتمعية” وفقاً للتحذير الذي سمعته “القدس العربي” مبكراً ومرتين من الحقوقي البارز والمتابع عاصم العمري.
من غير المنطقي بعد أجواء الزفاف التي كانت مغرقة في الوحدوية والبهجة، وتنطوي على رسائل مباشرة عنوانها الأساسي تلك الكيمياء التي تربط عضوياً بين القصر والشعب والشارع، ألا تحسب القراءات جيداً، ثم يتجه المجتمع لنقاش عاصف في ملف حساس قوامه فكرة يختصرها الإعلامي الناشط باسل عكور، وهو يذكر “القدس العربي” بأن القصة تتعلق تماماً بـ 10 ملايين أردني على التواصل والمنصات اليوم.
اجتهادات استشارية
على نحو أو آخر، حاولت بعض الاجتهادات الاستشارية الرسمية خلط الأوراق والتقدم بمزيج قانون غاضب ومحتقن أو يعكس غضب السلطة وليس حكمتها ورشدها، بذريعة “السيطرة على الفضاء الرقمي” ورفع كلفة “الانتقاد عبر المنصات”، بدلاً من الاحتفاء وطنياً بدلالات عرس ولي العهد وما حصل من بهجة الأردنيين واستجاباتهم، وتلك الرسائل الملكية المرجعية العميقة التي صدرت في ذلك الزفاف الذي مثل مستقبل الشعب الأردني.. بعد ذلك المشهد حضرت الوصفة التي يعتبرها العمري وغيره “هرولة” نحو التأزيم المجتمعي مجاناً وبدون سبب، رغم أن الحكومة تزعم في الأسباب الموجبة لقانونها الجديد الذي أثار جدلاً ولا يزال وسيثير مستقبلاً أن هدفها السيطرة على انفلات الفضاء الرقمي.
وهي مهمة يؤكد العمري وغيره من المختصين التقنيين بأنها أشبه بمهمة “توم كروز”، فهي “شبه مستحيلة” حيث لا مجال لأي اجتهادات ولا لأي تشريعات أو نصوص أن تنجح “تنظيم” الشبكة الرقمية.. ما بالك بالسيطرة عليها؟
مثل تلك السيطرة -برأي المراقب والخبير السياسي والإعلامي حلمي الأسمر، بعدما تناقشت معه “القدس العربي”- تبدو مهمة غير منطقية إطلاقاً، لا بل لا يمكن إنجازها رقمياً.
ومن غير المفهوم ما إذا كانت خلايا العمل التشريعية التي أنجزت قانون الجرائم الإلكترونية المعدل الجديد لا تعلم ذلك مسبقاً، فما بالك بنصوص متشددة تفرض غرامات وصفها حتى رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي في تصريح أولي، بأنها “فلكية”، إضافة إلى الحقوق بتفتيش المكاتب والمنازل والسيطرة على الأجهزة الإلكترونية مسبقاً، والتحرك باسم الحق العام بدون شكاوى في قضايا الذم والقدح والتشهير.
وإن الأكثر كارثية في المجال التشريعي هو فرض نوعين من الغرامات في قضايا التعويض المدني: الأول، أصاحب الشكوى والضحية المباشرة للانتهاك، والثاني الخزينة.
قال ليث العلوي، وهو خبير شاب: ذلك غير موجود في أي نص أو تشريع بالعالم. وهي المرة الأولى التي يُفرض فيها تشريع عن حقوق مالية وغرامات للخزينة في حالات التعويض الشخصي.
الحكومة لا تزال في منطقة الصمت وعدم شرح موقفها، وتركت المهمة لرئيس البرلمان النشط الذي بدأ يتحرك بكل الاجتهادات، والمقصود رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي التقى مجلس نقابة الصحافيين ثم برمج سلسلة لقاءات مع النقابات المهنية لمناقشه القانون الجديد في حراك يظهر مجدداً بأن الحكومة مصرة على تمرير هذا القانون كما هو. بمعنى، أنها استعانت بـ “صديق” عن بعد يمثل رئاسة مجلس النواب، ووظيفته وواجبه السياسي والوطني اليوم احتواء الجميع والتحدث عن تعديلات مقترحة على بعض النصوص، وتخفيض الغرامات المالية، علماً بأن كل القوى التي أجمعت على معارضة هذا القانون رفعت شعاراً واحداً فقط بكلمة واحدة وهي “اسحبوه”. وعلى أي حال، ما هو غير مفهوم إطلاقاً، كيف ولماذا ولدت وصفة التأزيم المجتمعية هذه عبر قانون كان يطالب به المهنيون والمجتمع قبل الحكومة في الواقع جراء ما يسمى بمخالفات وانتهاكات منصات التواصل الاجتماعي؟
وصفة التأزيم
لماذا صعدت وصفة التأزيم في التوقيت المتزامن مع تلك الدلالات الاجتماعية والوطنية والسياسية العميقة التي نتجت عن أفراح الأردنيين بزفاف ولي عهدهم؟
الجميع توقع انفراجاً سياسياً عاماً قبل أن تلجأ الحكومة للقانون الغريب الذي لم يتقدم بعد أي مسؤول حكومي لشرح وصفاته رغم كل الضجيج.
نصوص القانون الجديد، في رأي العلوي، لا تشبه أي تشريع آخر موجود في العالم.
الانطباع متشكل أساساً بأن ثمة من يعمل ضد اتجاهات استقرار الحالة العامة عبر وصفات تشريعية لا تلتزم بتقاليد الأردنيين.
الملام في التوقيت والتنصيص هي الحكومة وليس مغامري المعارضة والحراك بالداخل أو الخارج.
عملياً، كل ما في قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الشكل والمضمون والتوقيت وطريقة صياغته وتوقيت إرساله في يوم عطلة لمجلس النواب، يقول إنه وصفة تأزيمية أو تفخيخية.
تلك رواية لا تقف عند حدود ميكرفون الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة فقط، بل يشعر بها نخبة من كبار أركان الدولة والسياسيين الذين لا يفهمون السبب والسر وراء توقيت مثل هذا القانون بعد الأجواء والمناخات الإيجابية جداً، خصوصاً تلك التي ارتبطت بمناخات ومبادرات تحديث المنظومة السياسية في البلاد والاستعداد لانتخابات عامة جديدة ومرحلة حزبية مختلفة، ثم التمكين الاقتصادي، والأهم دلالات زفاف ولي العهد.
ثمة من يؤذي الأردن الدولة، ولكن من داخلها هذه المرة.