الأردن: يسار «الأعيان» رددها «تيار داخل السلطة يتصادم مع التوجيهات الملكية»
عمان- «القدس العربي»: قالها عضو مجلس الأعيان الأردني والوزير السابق بسام حدادين بصراحة وجرأة تحسب، ولها أهدافها، والأهم تستحق التأمل. “ثمة تيار داخل السلطة يتصادم مع توجيهات الملك”.
تلك عبارة لم ترد على لسان المعارضين الإسلاميين ولا الخارجيين ولا حتى الحراكيين في الداخل، بل عن اليساري المخضرم الذي كان مؤسساً عملياً لمدرسة التوائم ما بين السلطة والمؤسسة ونخبة اليسار في المملكة، وعلى أساس قواعد الاشتباك.
تحدث حدادين أيضاً بجرأة وبعد غياب غير مفهوم عن المشهد السياسي، عن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد معتبراً أنه حالة تسلل ضد الحريات العامة وحريات التعبير، هدفها التصادم مع التوجيهات الملكية. والسؤال الآن: من أين وعلى أي أساس حضر مخضرم ومحنك مثل حدادين بكل هذه الجرأة المباشرة في الاشتباك؟
لا حدادين ولا غيره من يساريي مجلس الأعيان من المعنيين بهذا السؤال، لكن الواضح والملموس حتى اللحظة أن القانون الجديد للجريمة الإلكترونية استفز بطريقة غير مسبوقة العديد من الشرائح والمكونات حتى داخل الدولة؛ فقد قاد مثقف مثل الدكتور مصطفى الحمارنة موقفاً جريئاً بالتشخيص عندما أعلن تحت قبة البرلمان رفضه للقانون الجديد. وقبل ذلك عضو مجلس الأعيان اللاعب الإعلامي الخبير جميل النمري، اتخذ موقفاً مماثلاً لا بل وجد نقطة لقاء مع التيار الإسلامي نادراً ما تحصل أو تبرز عندما وقف في الصف الأول في احتجاجات الشارع رفقة مشايخ الحركة الإسلامية وغيرهم، فيما كانت الطاقة الكامنة في حزب العمال وأمينه العام الدكتورة رولا الحروب، بجدية وراء هندسة تنسيق الجهود في الاحتجاج والاعتراض على الجملة الجديدة للحكومة، التي تقمصت ذريعة إخضاع الشبكة الرقمية للمراقبة والمتابعة.
النمري اليساري أيضاً، هاجم بقسوة من وصفهم بأوساط في الدولة وكوادر القرار تعمل عكس برنامج التحديث السياسي. حراك اليساريين في مجلس الأعيان وخارجه عبر نشطاء بارزين في التيار المدني مثل النائب السابق قيس زيادين وغيره، بات ملمحاً لا يمكن إنكاره في تأجيج المشهد الداخلي احتجاجاً على قانون عرفي جديد.
لافت جداً أن تلك مهمة جمعت بين التيار المدني والإسلامي واليساري في كثير من الوقفات والمساحات. والسبب -كما شرح زيادين وهو يناقش “القدس العربي”- تلك الاعتبارات المستفزة، التي تعاكس كل اتجاهات الإصلاح ووردت في القانون الجديد. يمكن وضع عدة خطوط تحت عبارة “اعتبارات مستفزة”، فالانطباع اليوم هو أن القانون المعدل الذي شرخ الدولة والناس معاً مستفز بنصوصه وتعقيداته وغراماته، إلى حد أنه لا يحظى بتوافق داخل أي مؤسسة من مؤسسات الدولة والقرار.
ومستفز لدرجة أنه دفع اليساري إلى جانب الإسلامي في الشارع وأخرج شريحة واسعة من الوزراء السابقين عن طورهم وصمتهم، مثل كل من صبري إربيحات ومعن قطامين وسمير الحباشنة وغيرهم، فيما التهمة على لسان حدادين وقبله الحمارنة والنمري، حادة وواضحة الملامح وعنوانها الأعرض ليس فقط عبارة “نعم، القانون الجديد يعاكس تيار التحديث الملكي” بل أيضاً تبادل الكيمياء المتناغمة بين الحركة الإسلامية واليساريين، بدلالة أن الشيخ مراد العضايلة تحدث عن قانون نجح في جمع اليساريين والإسلاميين معاً، فرد عليه النمري مؤكداً الشراكة في السياق مع “صديقي المهندس مراد”.
هل المشهد بحد ذاته مهندَس؟ هل تقصدت جهة ما ألا يترك ميكرفون الاحتجاج والاعتراض لنشطاء الإخوان المسلمين فقط؟
سؤالان مطروحان، وقد يكون الكاتب والمؤرخ الصحافي أحمد سلامة أول وأبرز من ألمح تلميحاً إلى دور من سمّاهم سخرية بـ “الأسود والفهود” في ترتيب مشهد الميكروفون اليساري.
لكن المعترضين من الأعيان حصراً هوجموا بكثافة عبر بعض المقالات والتصريحات والتعليقات من جهة من يمكنهم وصفهم برموز التيار المحافظ، مع أن الوقائع تؤكد أن بعض اليساريين على الأقل في مجلس الأعيان وخارجه ومعهم مثقفون يُعتد بهم في المحصلة والنهاية وللتاريخ وأمام الرأي العام، وقفوا ضد القانون الجديد، والأهم أنهم قالوا بوضوح وبجرأة تحسب لهم بعد الاسترسال في اتهامهم بين الحين والآخر بالارتماء في أحضان الدولة، إن السياق التشريعي الجديد لا يعارض فقط، بل يصادم توجيهات التحديث الملكية.
حسب ذلك لليساريين وحرصهم على تعزيز مساري التحديث والتمكين بصرف النظر عن خلفية حراكهم، لأن واحدة من ميكانيزمات التحديث الأساسية التي يلمح لها زيادين في نقاشه هي تلك التي تقول إن الوطن للجميع فعلاً، وإن المعارضة والموالاة لا يحتكرهما لا الإخوان المسلمون ولا حتى التيار المحافظ.
والاختبار الملموس هنا قد يحسم قريباً؛ لأن سلوك الأعيان المعارضين بصرف النظر عن انتمائهم السياسي، خطوة قد تعني شيئاً في عرقلة زحف ذلك القانون، وإذا لم تنتج هذه الخطوة هدفها فلأصحابها حق السبق في الاعتراض ولأغراض وطنية، لا بل مرجعية وتحديثية وملكية إن جاز التعبير.