الأردن يقرأ بـ «استخفاف» حسابات ترامب ونتنياهو «الانتخابية»: انحناء «تكتيكي» للعاصفة والشارع والملك معاً
عمان تنتظر اجتماع «القاهرة» لقياس الموقف العربي من «صفقة القرن»
قد تكون من اللحظات المفصلية تلك التي تجمع الشعب والقيادة في الأردن بموقف متماثل إلى حد كبير في مواجهة ترتيبات صفقة القرن ومخاطرها التي لم تتضح أو تنكشف من حيث التفاصيل بعد.
يلتقط عضو البرلمان المخضرم خليل عطية، المفارقة وهو يطالب الأردنيين بالالتفاف حول موقف الملك عبد الله الثاني، الذي يمكن القول إنه الزعيم العربي الوحيد بمعية الرئيس الفلسطيني في مستوى الرفض العلني لتوصيات صفقة القرن. يتذكر الأردنيون بالجملة «كلا الثلاثية الملكية» التي رفضت الإقرار بحسم ملف القدس على طريقة الرئيس دونالد ترامب، كما رفضت الإقرار بإلغاء حق العودة في الوقت الذي رفضت فيه أيضاً عدم قيام دولة فلسطينية.
يتخذ ملك الأردن موقفاً واضحاً يعاند ويتحفظ ويتعامل بقدر من الاستخفاف السياسي مع ترتيبات صفقة القرن التي بدأت عمان تقرأها باعتبارها خطة سلام بلا دسم، وسلوكاً استعراضياً له علاقة بحسابات الانتخابات فقط عند ترامب وبنيامين نتنياهو. ولا تريد عمان، وفي اليوم الثالث بعد إعلان ترامب لصفقته، الغرق في التفاؤل أو التحليل أو التأويل، فما يعرضه الأمريكيون في النهاية ليس عملية سلام حقيقية كما قال رئيس مجلس النواب عاطف طراونة.
في الحسابات المرجعية بغرفة القرار الأردني ما حصل عاصفة ليس بالضرورة مباركتها أو التصفيق لها أو حتى تحديها والوقوف في وجهها، بقدر ما هو مطلوب انحناء تكتيكي يعزل المملكة ضمن حسابات مغرقة في الدقة عن أي سياق ثأري أو انتقامي. ويندفع الأردنيون بهذا التقدير وهم يراقبون وجود ثلاث دول عربية من معسكر الاعـتدال في قائمـة المسـاهمة باسـتعراض ترامـب – نـتنياهو.
في المقابل، وبصرف النظر عن الحسابات الانتخابية لتل أبيب وواشنطن، تراقب الخارجية الأردنية جيداً تصريحات القاهرة وأبو ظبي، حيث نصوص مطاطة في التعليق توحي بوجود شيء في ترتيبات ترامب يتطلب التفاوض أو يمكنه أن يعيد الجميع إلى التفاوض.ولا يريد الأردن دفع كلفة أي صدام مع حسابات نتنياهو وترامب الانتخابية بسبب حساسية موقفه وموقعه المالي والاقتصادي. لكنه لا يريد منح الترتيبات تسهيلات على حسابات مصالحه العليا، وهو ما أشار إليه النائب عطية وهو يلفت نظر «القدس العربي» إلى أن موقف الملك عبد الله الثاني ساهم في تصليب موقف القيادة الفلسطينية، مشيراً إلى أن المؤامرة تستهدف الشعبين معاً الآن. والأدبيات التي تصدر من المؤسسات الأردنية في الاتجاه المضاد لصفقة القرن بالجملة. لكن مركز القرار قال كلمته المرجعية ممتنعاً عن التمرير وفاتحاً المجال أمام تجنب مزالق وكلفة الصدام في ظرف إقليمي مغرق في الحساسية. موقف القصر الملكي الأردني نتج عنه طول الأسابيع الثمانية الماضية حملات منظمة من منابر الليكود الإسرائيلي ضد المؤسسة الملكية، وكلام الرئيس ترامب عن «ملك الأردن الرائع» محاولة للترويج والتسويق والإيحاء بأن قادة المنطقة بالصورة خلافاً للواقع والحقيقة، كما أشار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
بالمقابل، تبدو صورة المصير المشترك هي التي تنمو مع الفلسطينيين، فقد صرح الدكتور صائب عريقات قائلاً بأن الملك عبد الله الثاني هو الوصي على القدس، وهو الذي يقرر أين العاصمة الفلسطينية فيها.
بالتزامن، يفترض أن الاتصالات توسعت بين عمان ورام الله، لكن الأهم بالمشهد العام هو تلك الإشارات التي تظهر تضامن الشارع الأردني مع الموقف الملكي، حيث تقلصت هوامش المناورة أمام المعارضة، وإن كان الجميع يدرك ميزان القوى وإمكانيات التأثير.
عبرت عن ذلك عشرات البيانات التي صدرت عن فعاليات أردنية طالبت الأردنيين بالوقوف مع الملك والالتفاف حول موقفه وتحصينه، خصوصاً مع توقعات مبكرة بأن تبدأ سلسلة ضغوطات على الأردن هائلة قريباً ليس فقط من الأمريكيين أو الإسرائيليين، ولكن أيضاً -وهذا الأهم- من الدول العربية الحليفة التي شاركت عملياً في الاستعراض، في موقف يقدر الصفدي بأن ميزانه سيتضح ظهر غد السبت من خلال الاجتماع التحضيري لطارئ المجلس العربي الوزاري في القاهرة. موقف تركيا متقدم جداً قياساً بموقف النظام الرسمي العربي.
وكذلك موقف دولة قطر التي أصدرت بياناً يشبه إلى حد بعيد بيان الحكومة الأردنية، وفيه عودة ملموسة إلى المبادرة العربية باعتبارها سقف الممكن والمحتمل في مسألة حق العودة. والصمت السعودي والمغاربي العربي عنصر ضغط أيضاً على رام الله وعمان، لكن البوصلة ستتضح السبت، فيما يراقب الأردن المعطيات بكل إمكانات الحذر المحتملة.