الأمن الداخلي الأردني ومشروع «الدمج»: بصمة «للدول المانحة» ورسائل أعمق في «تنويع» الكادر البشري
ملامح مختلفة لوجه وبنية «المنظومة الأمنية» والجنرال حسين حواتمة لاعب أساسي مرحلياً
يبدو مشروع الدمج الهيكلي الأمني في الأردن أعمق وأبعد مما يفترضه كثيرون في الساحة السياسية. عملياً، لا يمكن التسليم بفرضية القفز المفاجئ لمشروع الدمج بين ثلاث مؤسسات أمنية معنية بالأمن الداخلي تحت عنوان «الارتجال أو التسرع أو بروز حاجة ومستجد طارئ» .
وأغلب التقدير أن دمج المؤسسات الأمنية الثلاث المعنية بالأمن الداخلي مشروع نضج على نار هادئة في ظل مؤسسة القرار، وبات السقف الزمني مواتياً لفرضه بتوجيه ملكي مع نهاية العام الحالي وبداية العام الجديد.
المسألة يبدو أيضاً أن لها علاقة بما طالب به البنك الدولي من مزيد من خطوات ترشيد وتقليص النفقات الرسمية، وبالتالي خفض عجز الميزانية، ولها علاقة بدول ممولة وراعية مهتمة طوال الوقت بمساعدة الأردن في المسار المعني باستقرار الأمن الداخلي، وسط تفاعل الحاجة للحفاظ على الأردن في موقعه الجيوسياسي لعدة اعتبارات إقليمية أساسية، قد يكون من بينها الاستمرار في محاصرة النفوذ الإيراني، ومنع تفاعل الأزمة العميقة بين الأردن وإسرائيل، والاستعداد لحالة التمحور الإقليمي المتواصل.
تلك، برأي الخبراء المراقبين، حسابات في عمق وهامش المشهد، حيث من الصعب توقع مشروع ضخم لإعادة إدماج المؤسسات الأمنية دون قراءة أعمق للواقع الموضوعي، ودون مشاورات مع دولتين صديقتين على الأقل شوهد مستشارون منهما في أروقة التخطيط والعصف الذهني المعنية بإعادة الهيكلة في الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية. الحديث هنا عن الولايات المتحدة وبريطانيا تحديداً بعد بروز حالة تنافس محدودة بينهما تحت عنوان دعم وإسناد الأردن.
في الوقت نفسه، صعبة جداً قراءة التوجيه الملكي بإدماج ثلاث مؤسسات أمنية تحت مظلة واحدة وبقيادة جنرال واحد، دون الأخذ بالاعتبار بروز مظاهر خلل في التنسيق الميداني بين تلك الأجهزة عند التعاطي والتعامل مع أشهر وأهم وأخطر إضراب شهدته البلاد بتوقيع نقابة المعلمين في شهر أيلول الماضي.
ليس سراً في أوساط عمان أن التعاطي مع اعتصامات وإضراب المعلمين أظهر خللاً في منظومة الأمن الداخلي، فكوادر الأمن العام هي التي تصرفت في الشارع، وقوات الدرك كانت أقرب للمراقبة والتأمين، وطفت على السطح اجتهادات أمنية متعاكسة في الميدان. وهو اشتباك لأغراض التأمين وحماية المصالح وتثبيت البعد القانوني لا ينفيه وزير الداخلية القوي سلامة حماد، وهو يؤكد على هامش نقاش مع «القدس العربي» بأن بعض الأجندات كانت تسعى لاستغلال مطالب المعلمين. الوزير حماد وقتها قال بوضوح إن منع تحول اعتصام مطلبي إلى اعتصام سياسي مفتوح يخالف القانون ويسيء للدولة في منطقة الدوار الرابع تحديداً وسط العاصمة عمان، كان من بين الأولويات.
من المرجح في أزمة المعلمين أن خلافات وتجاذبات حصلت بين تصورين وجنرالين، هما مدير الأمن العام السابق الذي أحيل إلى التقاعد بقرار سريع ظهر الإثنين فاضل الحمود، واللواء حسين الحواتمة مدير قوات الدرك الذي يُعتقد الآن أنه سيترأس على الأغلب لا بل كُلف بترؤس عملية الإدماج برمتها. البصمة القوية التي زرعها بقلق حراك المعلمين في عمق أزمة القطاع العام في الأردن هي من العناصر الأساسية التي دفعت في اتجاه خطة الإدماج الأمني الجديدة، والتي تهدف بالنتيجة، إلى جانب تقليص النفقات، تقليص الاجتهادات واحتواء زحام الجنرالات في الميدان.
يفترض محللون هنا أن الجنرال الحمود دخل في موجة مناكفة رغم اختلاف الواجبات مع الجنرال المسيس والمثقف مدير الدرك حسين الحواتمة، وتعلم «القدس العربي» أن جملة مناكفات الحمود طالت أيضاً قبل إحالته على التقاعد، وزير الداخلية حماد، حيث رصد مخالفة لتوجيهات الوزير في أكثر من مرة، خصوصاً في ظل اللعنة البيروقراطية التي نتجت عن الدوار الرابع في قلب العاصمة.
صاحب القرار هنا خطط بعمق لضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث إنهاء التجاذبات والزحام بين الجنرالات، وإخراج الجنرال الحمود من المعادلة، وإدماج الأمن العام بقوات الدرك والدفاع المدني تحت قيادة واحدة من الواضح أن الجنرال الحواتمة سيكون اللاعب الأبرز فيها. الفكرة بعد إدماج المؤسسات الثلاث تعيين قائد واحد على رأسها ثم ثلاثة مساعدين له، يختص كل منهم بالأفرع الثلاثة ما قبل الدمج. في الأثناء، تسريبات من مؤسسات سيادية عن خطة أكثر طموحاً بتجديد الدماء والشباب في المنظومة الأمنية، بالتوازي مع إحالات بالجملة على التقاعد وتغييرات في التعينات والوظائف تعكس نمطاً جديداً من التوازن الاجتماعي. وهي المهمة التي قد تكون أكثر حساسية في الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل تجربة مريرة عنوانها التسريب والمناكفة والتغريد خارج السرب لكوادر وعناصر عملت في الوظائف الأمنية بعد تقاعدها، لا بل تحول بعضها إلى الحراك الشعبي.
في كل حال، ثمة ما هو أعمق بكثير المطلوب إنجازه بعد خطة الدمج الثلاثية والتي يمكن اعتبارها سياسية بالمقام الأول وتهدف إلى تغيير وتعديل بنيوي في المنظومة الأمنية، ليس على أساس التحديث والعصرنة فقط أو خفض النفقات، ولكن على أساس بث روح جديدة والتنوع في الكادر البشري.
يبقى أن الجنرال الحواتمة إذا ما ترأس الجسم الثلاثي الجديد سيكون لاعباً أساسياً جداً في المعادلة. ويبقى أن دور مؤسسات أخرى في الظل والدولة العميقة وحجمها أصبح بالتوازي مسألة قابلة للنقاش في ظل الهيكلة الجديدة لإعادة إنتاج وتطويع المنظومة الأمنية. وختاماً، تبقى الفرصة أيضاً متاحة للتحدث عن تعديل دستوري قد تفرضه إيقاعات الإدماج الجديد، خصوصاً في البند المتعلق باسم قوات الدرك في نص دستوري له علاقة بالصلاحيات الملكية.