اراء و مقالات

«الإخوان» بـ«الشماغ الأحمر»… خليط وطني أيديولوجي عشية انتخابات أردنية في أيلول: كيف تتجاوب الحكومة؟

بعد ظهور العضايلة في إربد وقوله «اليد التي تمتد على الأردن سنقطعها»

عمان ـ «القدس العربي»: ضمناً، يعرض الإسلاميون في الأردن بعد تطور خطابهم السياسي بشكل مكثف مؤخراً «صفقة ما» أشمل على السلطات بدلاً من استمرار الموقف الرسمي منهم في الزاوية التي تمثل الخيار الإماراتي ـ المصري.
يمكن اشتمام رائحة ترتيب ما يقترحه الإسلاميون على حكومة بلادهم ضمن تحضيرات انتخابات 10 أيلول المقبلة. بدأت القصة من خطاب للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، في مدينة إربد شمالي البلاد، ظهر خلاله يعتمر الكوفية الحمراء ويحتفل بعيد الاستقلال، ثم يطلق عبارة رنانة سياسياً باسم جماعة الإخوان تخاطب اليمين الإسرائيلي وتقول «اليد التي تمتد على الأردن سنقطعها».
يوافق خبراء بينهم عضو البرلمان النشط ينال فريحات، على الخلاصة القائلة إن «المصالح الوطنية» هي المحرك الأساسي لجميع الأطراف، وعلى الاستنتاج القائل إن تلك العبارة لها مدلول عميق، وسياسية بامتياز بالتأكيد.
لكن في منطقة أبعد من الاستفسار عن المغزى والدلالة ثمة إيحاء بأن إخوان الأردن في ملفات مثل السيادة والاستقلال واليمين الإسرائيلي، يرتدون شماغهم الأحمر ولا أحد يزايد عليهم، بل يمكنهم تصدر الصفوف عندما تتطلب المصالح العليا خشونة، لا بل مواجهة.
العبارة التي قيلت بمناسبة حفل أقامه الإسلاميون في عيد الاستقلال، لا تقف أهميتها عند الإيحاء السياسي فقط، بل تكرس قناعة الإسلاميين التي تتبناها نخبة من أبرز رجالات الحكم والدولة اليوم، بأن الهدف التالي لليمين الإسرائيلي إذا ما أغلق ملف قطاع غزة، هو الأردن. لذلك، تحدث العضايلة عن عدو يتربص بالشعب الأردني ومؤسساته، ويسعى للتمدد شرقاً، حتى إن منابر إعلامية محسوبة ضد الإخوان المسلمين أو تنشغل بالعادة في اصطياد كل ما يسمح بشيطنتهم، اضطرت للتعامل مع تصريح العضايلة عن اليد التي ستقطع إذا مست بالأردن الدولة والشعب.

«الهدف الثاني»

لا نقاش حتى بالنسبة لسياسي معتدل جداً مثل الرئيس طاهر المصري، بأن الأردن هو الهدف الثاني أو التالي في مشروع تصفية القضية الفلسطيني، ولا نقاش في أن مخاوف غالبية المكونات الاجتماعية الأردنية بخصوص الخطوة التالية لإسرائيل بعد غزة توسعت أفقياً وسط الأردنيين، وبأن إغراء الميكروفون هو الذي يقول عشية الانتخابات بأن منطقة المخاوف الوطنية تلك هي مساحة مشتركة لا بل يتبناها الإسلاميون قبل غيرهم.
بالعادة، تخفي النخب الرسمية مشاعر القلق من سيناريو تهجير أهل الضفة الغربية، وتكتم الحكومة رسمياً مخاوفها وهي تختبئ خلف ستار اتفاقية السلام مرة والثوابت الأردنية المعلنة مرة أخرى، فيما يسجل الإسلاميون على لسان أبرز قياداتهم، حالة تقاطع مباشرة مع مخاوف الأردنيين وبصيغة إعلان برنامج انتخابي مبكر. لا يجرؤ إطلاقاً أي سياسي أردني اليوم على الظهور علناً وسط الناس والتحدث عن السلام ومكاسبه وفوائده.

بعد ظهور العضايلة في إربد وقوله «اليد التي تمتد على الأردن سنقطعها»

ومنذ يوم 7 أكتوبر، لم يسجل أي رئيس وزراء سابق علناً موقفاً يقول فيه إن الأردن خارج دائرة المخاطر، الأمر الذي يمنح خطاب الإسلاميين في مرحلة المخاوف المتسعة أفقياً وسط المواطنين منطقاً فدائياً بالمعنى السياسي، لا يقف عند تبني المخاوف وخطاب المخاطر، بل يظهر الاستعداد للمشاركة في حماية الوطن قبل أي طيف أو مكون سياسي آخر.
يؤسس الشيخ العضايلة بصرف النظر عما يدور في ذهنه، لمبادرة سياسية متقدمة جدًا عندما يقول «ليس منا من يؤذي الأردن أو يمس أمنه». وقال ذلك وهو يجمع في الظرف الزمني بين تأسيس جماعة الإخوان المسلمين والعام الذي انجز فيه استقلال الأردن. المقصود في تحليل وقراءة ما بين الأسطر والرسائل أن الإخوان المسلمين لا يتقدمون بخطاب معارض في هذه المرحلة من التناقض مع المشروع الإسرائيلي؛ فعلى منصات التواصل تنشر صورة الشيخ العضايلة وهو يخطب مرتدياً الشماغ الأحمر إلى جانب صورة تعكس مخاطر وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش عندما خطب في باريس على منصة وضعت فيها خارطة إسرائيل الكبرى التي تشمل المملكة الأردنية الهاشمية.

الإخوان… شريك

ضمناً، يقول العضايلة لرموز الدولة الأردنية قبل غيرهم، إن جماعة الإخوان شريكة بالمعنى السياسي الوطني لهم ضد سموتريتش وخريطته، وبأن الحركة الإسلامية في المحصلة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على الدولة الأردنية وبالسيادة فيها واستقلالها، ستعمل مع الدولة وأجهزتها.
هذا خطاب متجدد بامتياز، وفيه من البراغماتية السياسية الكثير عشية التحضير لانتخابات 2024. وصيغة العبارات التي ينتقيها بحذر وكفاءة الشيخ العضايلة بمناسبات وطنية، تضرب سياسياً عصفورين بحجر واحد، وهما: أولاً، لفت نظر السلطة ورموزها إلى أن الإخوان المسلمين ليسوا خارج الصف الوطني والرسمي عندما يحتاج النظام السياسي لمن يدافع عنه وطنياً.
والعصفور الثاني هو ذلك الذي يتضمن التقدم للانتخابات بحملة واضحة العناوين في الأثناء، فكرتها التناقض في الأيديولوجيا مع المشروع الإسرائيلي وليس مع الدولة الأردنية.
والمشاركة في الانتخابات نفسها لأغراض درء مخاطر اليمين الإسرائيلي وإسناد مقاومة الشعب الفلسطيني، وقد ورد شيء من ذلك في بيان إعلان المشاركة الانتخابية.
تلك خلطة تبدو بلمسة سحرية سياسية قابلة لاستدراج واستقطاب أصوات الناخبين الأردنيين الذين يقدر عشرات الآلاف منهم اليوم بأن معركة درء المخاطر عن المملكة تبدأ فعلاً وحقاً من جزئية انتصار غزة والمقاومة الفلسطينية فيها.
تلك بالمجمل قناعة الشارع الأردني بلا منازع، وفقاً لما يؤكده القطب البرلماني البارز خليل عطية، وهو يتحدث مع «القدس العربي».
وتلك بالمجمل، اتجاهات الأردنيين الذين تلتهمهم الشكوك بأثر رجعي في قدرة اتفاقية وادي عربة وملحقاتها على عزل بلادهم عن سياق الأطماع الإسرائيلية، حيث يرى ملاحظ خبير وعميق مثل الدكتور دريد المحاسنة أن تلك المطامع بعد الانقلاب على ما اتفق عليه، هي كالشمس التي لا يمكن تغطيتها بالغربال.
هل يخاطب الإسلاميون غرائز الأردنيين ومخاوفهم؟ بالتأكيد يفعلون ذلك ضمن ممارسات شرعية ويسمح بها القانون خلافاً لأن كل ضمانات التوازن التي تتحدث عنها الشخصيات الرسمية لا تكفي لإقناع الشارع الأردني بأن أحواله لن تكون أسوأ بعد إغلاق صفحة العدوان على غزة، وبأن المقاومة -كما وصف الرئيس أحمد عبيدات عدة مرات- هي المربع الأساسي والوطني الأردني للدفاع عن المصالح مستقبلاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading