الإعلام في الأردن في مسار تشريعي لـ«إخضاع المنصات» ومجدداً «معالجة الخطأ بخطأ»
عمان – «القدس العربي»: الجميع في الأردن عندما يتعلق الأمر بسؤال أزمة الإعلام والتعبير الوطني يجتهد في اقتراحات تغليظ العقوبات أو فرض المزيد من القيود والرقابة دون بروز أدنى خطة من أي صنف لتطوير المحتوى أو لتأطير رسالة إعلامية تمثل الحد الأدنى من بعض عناصر التفوق والذكاء المهني في سياق زحام وسائل الإعلام والروايات والشائعات والتسريبات.
صحيح أن منصات التواصل الاجتماعي بنسختها المحلية على الأقل تنحدر أحياناً إلى مستويات مقلقة في الأداء والتصوير والخطاب والتعليق لا بل تعتدي على حريات الأفراد والمجتمع في بعض الأحيان، لكن الصحيح – بالمقابل – أن الرد والاشتباك يحتاج إلى تطوير مهارات الاتصال أو الحرص على وجود مضمون وطني قبل التفكير بفرض القيود الإدارية والمهنية، لأن الخطأ عندما يعالج بالخطأ تفقد عملية إصلاح الخطاب الإعلامي قيمتها. ولأن المطلوب قد يكون مختلفاً عن سياق الخطوات التشريعية المهووسة بالتفكير – حكومياً فقط – بالمراقبة والتضييق وأحياناً بتحصيل الضرائب.
عملياً، لا يسمع الرأي العام الأردني كثيراً من وزيرة مختصة تعمل في الظل بالشأن القانوني، وهي الحقوقية نانسي نمروقة، لكن سياسياً يمكن ملاحظة أن الوزيرة نمروقة ظهرت قبل يومين على إحدى المحطات الفضائية المحلية برسم التوضيح لطريقة تفكير المطبخ القانوني في الحكومة في ما يخص أزمة التعبير وأحياناً الإعلام، التي تتواصل منذ سنين طويلة في الأردن.
لم تكن نمروقة مهتمة بشرح التفاصيل ولا مقنعة عملياً في الرواية التي قدمتها لتوضيح أسباب إصرار الحكومة على صيغة “الاستعجال” بتقدمها بنسخة جديدة معدلة من قانون الجرائم الإلكترونية. ولاحظ المراقبون أن شرح المشهد التشريعي الجديد كلفت به الوزيرة المعنية بالشأن القانوني، ولم يظهر المستوى السياسي في الشرح والمتابعة.
في كل حال، ما قالته نمروقة عملياً هنا يعكس ما يسميه الباحث الدكتور وليد عبد الحي، حالة الفقر والأنيميا في الرواية؛ لأنه يثبت عملياً ومن حيث الشكل فقط، أزمة المضمون والمحتوى ليس في خطاب الحكومة، بل في خطاب الدولة الأردنية الإعلامي عموماً، حيث الصمت والامتناع عن الشرح والحديث، حرصاً على تقاليد النخب والصالونات والأروقة البيروقراطية، وحيث –في المقابل- التحدث إما برواية متأخرة أو بصياغات غير مقنعة في القضايا التي يثار فيها الجدل. قالت نمروقة بما تفكر به الحكومة عشية الدورة الاستثنائية للبرلمان وهي تقر وتعترف بأن تطبيقات قوانين الجرائم الإلكترونية بنسختها السابقة أخفقت في ردع الانتهاكات، وتشير إلى أن العقوبات المالية بعد الآن ستزيد على مخالفات الفضاء الإعلامي. لكن الأهم والجديد هو تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية على ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي.
يشتكي الأردنيون بالجملة من انتهاكات وتجاوزات التواصل الاجتماعي، لكن خطة الحكومة في ضبط الإعدادات والسيطرة والردع لا تبلغ الرأي العام ولا تشرح بعد الجانب التقني والتفصيلي في تلك السيطرة المنشودة، وسط قناعة خبراء بأن الوقت فات ومضى على كل محاولات ومشاريع مراقبة منصات التواصل وإخضاعها بالتشريعات المغلظة.
المناخ في الإعلام والسياسة برمته في البلاد -في رأي الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري- سالب للحريات، والاجتهادات تتزاحم في إطار تكريس هذه الصيغة من القيود والتضييق على حريات التعبير، وخصوصاً السياسية.
وفي تقديري ليس صحيحاً أن الحكومة معنية بتطوير الأداء المهني وتحسين المحتوى والمضامين أو تطوير الأداء الإعلامي المهني، وليست معنية أيضاً بحماية المجتمع بقدر ما هي مهتمة حصراً بخنق الرأي الآخر وتقليص هوامش حريات التعبير، ليس في الإجراء فقط ولكن في التشريع أيضاً.
عملياً، لا أحد يعرف بعد كيف يمكن للحكومة مع تشريعاتها مغادرة مساحتهما من هذا الصنف، لكن مجددا تقول الحكومة ما تنوي فعله، لكنها لا تكشف كيف يمكن أن تفعل ما تريد فعله وإن كانت التقطت السلطات الرسمية متأخرة جداً أكثر من 7 سنوات ما هو جوهري في أزمة التعبير عبر المنصات الاجتماعية عندما أدركت متأخرة أن الردع الحقيقي ليس بالتحقيق والاستدعاء والتوقيف في السجن؛ بمعنى الشرط الجزائي، ولكن في تنشيط وتفعيل بند الغرامات المالية.
ذلك موجع ومؤلم بالتأكيد، لأن الهدف من بعض التشريعات جيوب وملاءة نشطاء التعبير الإلكتروني حصراً، وهو هدف شرعي لا يمكن لوم الحكومة عليه عندما يتعلق الأمر بتجاوزات صعبة وباعتداءات أصعب على المجتمع وأحياناً الدولة.
في المقابل، لا ضمانات يوفرها التشريع أو الحكومة بألا يستخدم العسف في النصوص المتعلقة بسبعة تشريعات على الأقل تراقب الإعلام والنشر والمطبوعات ضد حريات الرأي والتعبير المرتبطة بحلقات النقد والمعارضة والاعتراض المباح.
وذلك نقص حاد وملموس في طريقة تفكير الحكومة، خلافاً لأن غياب خطط تطوير حقيقية لأداء وخطاب مؤسسات الإعلام الرسمي قد يدل ضمناً على أن اتجاه الحكومة التشريعي الجديد هو خارج السرب والسياق. وقد يرتكب نفس الخطأ القديم عندما يتجاهل حقائق ووقائع وتقنيات العالم الجديد، وعندما يفكر فقط بالمراقبة والقيود والردع متجاوزاً تطوير الأداء وبناء محتوى وتأسيس تقنية إعلامية لائقة بالمئوية الثالثة، قوامها القدرة على بناء سردية وطنية.
لذلك كله، وفي الخلاصة، فإن الردع الذي يفترضه المسار التشريعي في قانون الجرائم الإلكترونية وغيره، هو شرعي وأخلاقي ومهني في بعض تفاصيله، لكنه قد لا يحقق الغرض المطلوب مادامت أزمة سؤال الإعلام الأردني العامة وطنياً لاتزال عالقة في ذهنية الإعلام “المرعوب”، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق المخضرم عبد الرؤوف الروابدة.