التجريف في جنين والخوف في عمان
إرسال قمح ومحروقات وأحيانا أدوية أو مستشفيات ميدانية لمدن الضفة الغربية بين الحين والآخر سلوك حميد ونبيل، لكنه ببساطة شديدة لا يكفي ولا يمثل الرد المناسب
الحديث عن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ينبغي على أهميته القصوى ورسائل الدم التي يقدمها هذا الشعب العظيم ومقاومته أن لا يتحول إلى ذريعة أو شماعة ل «تبرير» أي نقص «أردني» في مواجهة سيناريوهات «التهجير».
الخوف الحقيقي ليس من»بقاء التهجير» شبحا يزور الشعب الأردني كل فجر بل من وصول خط «إنكار المخاطر» إلى ملف حساس مثل»التهجير» بحيث «يقعد الأردني» ولا ينشغل بهذا الخطر الداهم.
تهجير الفلسطينيين أو تحويل حياتهم إلى جحيم من أجل تهجيرهم أخطر على الأردن تحديدا من أي عدوان عسكري مباشر، وهو بالتأكيد أخطر مما يسميه البعض بالمشاريع الإقليمية الطامعة في المنطقة.
التهجير خطر سواء أكان قسريا أو»ناعما» وما لن يحصل غدا قد يحصل بعد غد بالتدريج، بعدما أفتى قائد الدبلوماسية الأردنية بأن اتفاقية وادي عربة ليست أكثر من «أوراق في متحف يعلوها الغبار».
نفهم تماما بأن جعل الأرض الفلسطينية الطاهرة في القرى والبلدات في الضفة الغربية تحت العزل الأمني والحصار الاقتصادي صنف من التهجير، وإذا ما تواصلت منهجية إحالة الأرض المحتلة إلى مناطق منكوبة اقتصاديا أو مغلقة أو خالية من الموارد والمنتجات سيحدث ولو بالتدريج «الترانسفير» وسيصبح الأردن مجددا تحت ضغط «أحابيل» العالم الغربي وتداعيات الدور والوظيفة.
طبعا القيادة الأردنية وقفت بشراسة ضد التهجير لا بل ساهمت بوضوح في تمتين جبهة عربية ضد سيناريوهات الترحيل، لكن السؤال هو: هل يكفي ذلك حقا؟
أيهما أسرع وأسهل : الرد على حرب التهجير الإسرائيلية باستخدام كل الأوراق المتاحة أردنيا أم الغرق مجددا في مسلسل احتواء آثار العدوان؟
إرسال قمح ومحروقات وأحيانا أدوية أو مستشفيات ميدانية لمدن الضفة الغربية بين الحين والآخر سلوك حميد ونبيل، لكنه ببساطة شديدة لا يكفي، ولا يمثل الرد المناسب على المجانين الموتورين من حكام تل أبيب الذين يمسكون برقبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية العام.
نقدر سعي بعض رجال الدولة المحترمين في عمان ل «طمأنة الجمهور» وبث روح الثقة لكن نخشى مع الخائفين بأن يصبح ذلك مقدمة لإنكار»مخاطر عميقة» أو بديل عن العمق الحقيقي المضاد.
إرسال قمح ومحروقات وأحيانا أدوية أو مستشفيات ميدانية لمدن الضفة الغربية بين الحين والآخر سلوك حميد ونبيل، لكنه ببساطة شديدة لا يكفي ولا يمثل الرد المناسب
ما نفهمه أيضا أن صمود وتضحيات أهل غزة والضفة الغربية ينبغي أن لا تتحول إلى ذريعة تكفينا شر المواجهة والاشتباك والقتال أيضا كأردنيين.. ما يقدمه المواطن الفلسطيني اليوم هو الدم في مواجهة التهجير، فيما في الأردن دولة صلبة وقوية لديها خيارات وفي حضنها أوراق تعلمها المؤسسات السيادية.
نختلف مع السياسيين الذين يحاولون التخفيف من مخاطر التهجير، ونثق بنواياهم لأن الكيان تسبق جرافته الآلية العسكرية في أي «جريمة ملاحقة أو قتل» في كل أزقة الضفة الغربية…تجريف البنية التحتية في طولكرم وأريحا وجنين ونابلس يفترض أن يخيف «أهل عمان».
نعم وبصراحة نعبر عن الخشية من الغرق في وحل «الطمأنينة» بعدما أصبح إنقاذ الاتفاقية وعملية السلام «شبه مستحيل» وبعدما استغل الرصيف الأمريكي «الكذاب» ما غيره قاعدته للمشاركة في مجزرة مخيم النصيرات.
لا مصلحة لنا بتقليص مخاطر التهجير بل العكس تماما هو الأصح بهدف تحصيل ضمانات من الكون بأن لا يفكر به أي عقل إسرائيلي واهم أو مختل أو مريض.
المصلحة تتطلب الذهاب الى أقصى مسافة وآخر الشوط ليس ضد تهجير مفترض يتصدى له الدم الفلسطيني، وليس ضد أحلام البؤساء من رموز الكيان المتطرفين ولكن على أساس «قمع تلك الأوهام» وإزالتها من جذورها بدلا من الرهان على أنها «مجرد خيالات».
الأصل أن يفهم القاصي والداني بأن الأردن لديه من الأوراق والقوة ما يجعل الوهم والخيال في مسألة التهجير مكلفا وثمنه باهظا، خصوصا وأن تلك الأوهام يحيلها الموتورون في الجانب الآخر إلى وقائع على الأرض، مثل ما يحصل في القدس ضد الوصاية خلافا لأنها «أوهام منتخبة وديمقراطية» آخر النهار.
خيالات وأوهام المتطرفين الإسرائيليين «منتخبة يا سادة يا كرام» وتلك الخيالات المختلة المريضة نتجت عن صناديق الاقتراع، وبالتالي لا مصلحة لنا بالتخفيف من وطأة تهجير حقيقي يمارس الآن بالقطعة والتقسيط وبشكل يومي، فيما رئيس وزراء الكيان يعلن صراحة بأنه يرغب بالسيطرة الأمنية على منطقة الأغوار.
بصراحة ومن الآخر لا تعجبني نغمة تخفيف الرسميين من مخاطر سيناريو التهجير، وأختلف مع القائلين بأن نتبرع بأي شكل بمكافأة العدو بالحديث عن فئة ضالة تتخيل فقط منه علما بأنها الفئة التي تقود اليوم الدولة العميقة في الكيان وتركب موجة إبادة الشعب الفلسطيني وتجرف شبكة المياه وتسلح ميليشيات المستوطنين.
نختلف مع القائلين بأن التهجير ذاب وتلاشى على صخرة الصمود الفلسطيني أو الأردني. وحتى يصبح للقول معنى ينبغي أن يدفع العدو سياسيا ودبلوماسيا على الأقل فاتورة أي خطوة إجرائية صغيرة من طراز يدفع أي فلسطيني للتفكير فقط بالمغادرة.
لا يمكن مواجهة «أوهام « موتوري اليمين بأوهام «تخصنا».