الحكومة «متهم بريء»… معضلة «التحديث والتمكين» في الأردن: من «يعيق» المسيرة؟
عمان – «القدس العربي»: صعب جداً تخيل صمود الطاقم الوزاري الاقتصادي في الحكومة الأردنية أكثر بعد الآن بتركيبته الحالية. وصعب أكثر على الحكومة والسلطة التنفيذية رغم تمديد الولاية والتفويض بملف الإصلاح الإداري البقاء في منطقة ملاحظات مرجعية على الأداء والبروتوكولات التنفيذية ليس في مسار مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد فقط، ولكن أيضاً -وهذا من المستجدات- التي لا يمكن إنكار أهميتها في مسار احتياجات ومتطلبات وثيقة التمكين الاقتصادي.
ليس سراً وسط النخب الأردنية أن الحكومة الحالية ومعها حكومات المستقبل لديها خطط جاهزة في مسارات الإصلاح والتحديث والتمكين الثلاثية في الاقتصاد والإدارة وفي الملف السياسي وصنفت مبكراً على أنها حكومة محظوظة قد لا يكون مطلوباً من طاقمها الوزاري التفكير والتأمل واختراع الخطط بقدر ما هو مطلوب التدبير والالتزام برؤية مرجعية حظيت بإجماع وطني تشاوري وشاركت الحكومة بكل تفعيلاتها.
لا تبدو، رغم تثبيت أركان بقاء الحكومة واستبعاد خيار التغيير الوزاري، الملاحظات المرجعية في التمكين والتحديث في مساحة مريحة؛ فالملاحظات تراكمت إما على أداء تنفيذي يخرج مسار التحديث الحزبي والسياسي عن سكته المقصودة، أو على خطط فقيرة بيروقراطياً يفترض أن تحسن من مخرجات وتوصيات التمكين الاقتصادي.
وصنف الوزير والخبير الاقتصادي الكبير الدكتور محمد الحلايقة، مبكراً وأمام “القدس العربي” توصيات التمكين الاقتصادي بأنها طموحة للغاية، وأعاد لفت النظر إلى أن المقاربة المطلوبة لتحسين خدمات القطاع العام والإدارة قد لا تكفيها تقارير وتوصيات اللجان الاستشارية. في اجتماعات خلطت بين رموز القطاعين العام والخاص، ظهرت تباينات ليس في اللهجة واللغة فقط ولكن في فهم منطلقات التمكين الاقتصادي.
وفي مشاورات استضافتها الإدارة السياسية بالديوان الملكي مع خبراء الملف الحزبي ضمن متابعات تحديث المنظومة السياسية برزت أيضاً ملاحظات ومخاوف قد يكون من أهمها الانطباع بأن بعض التدخلات البيروقراطية المزعومة في حريات الأحزاب تحديداً خطفت الأضواء والميكرفون وساهمت في تغذية تشكيك خلافاً لمنطق الرؤية المرجعية ومقاصدها.
ومن بينها أيضاً الضرب على وتر ذلك الهاجس الذي يوحي ضمناً بأن قادة ورموز العمل الحزبي والبرلماني قبل تحديث المسار السياسي سيبقون في الواجهة بعده، بمعنى أن الوجوه نفسها قد تتكرر، والتحديث سيصبح منزوع الدسم ولن يؤدي إلى تفعيل وتنشيط برامج حزبية في سلطة التشريع، لأن الأدوات التي تم التفكير بالتحديث أصلاً من أجل استبدالها هي التي تتحرك في الفضاء الحزبي اليوم، مستثمرة في حصة نفوذها، وعلى الأرجح هي نفسها التي ستعود إلى الواجهة.
مخاوف وهواجس
ثمة مخاوف وهواجس لا يستهان بها في مسار التحديث الحزبي. وثمة ملاحظات على بروتوكولات الإجراء في التمكين الاقتصادي من الصنف الذي يعزل نصوص الرؤية المنتجة عن الواقع ويجعلها إما رومانسية وحالمة مثل خلق مليون وظيفة وجذب استثمارات بـ 10 مليارات دولار، أو طامحة أكثر ما ينبغي ولا تحاكي الواقع. لأسباب قد تكون منطقية وواقعية مع حصول خللين في مسيرة وثيقتين مرجعيتين تشكلان المستقبل، ستكون الحكومة حصراً هي المتهم بسوء التدبير، ومن ثم ستتحمل العواقب في التقييم ليس لأنها مسيطرة على التفاصيل، “فهي بريئة من تلك السيطرة”؛ ولكن لأنها سلطة الدستور الواقع، مع أن التمكين الاقتصادي صيغ بعيداً عن الحكومة، والتحديث السياسي عابر أيضاً للحكومة بالتفاصيل الإجرائية. ذلك مطب سياسي وبيروقراطي كبير. ولا يوجد وصفة جاهزة يمكن أن يتبعها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وطاقمه لتجاوز ذلك الكمين وتجنب تحمل المسؤولية والاتهام.
وهي الفضيلة السياسية التي قد تدفع ميدانياً باتجاه تفعيل ورقة التعديل الوزاري بعد عطلة عيد الأضحى أملاً في استدراك ما يرى الخبراء العميقون أنه صعب الاستدراك دوماً، ليس لأن الحكومة قادرة أو غير قادرة، ولكن لأن المستوى التنفيذي والبيروقراطي برمته يتشاطر ضمناً بالتفاصيل ويحاول السيطرة والتحكم بتعديل هنا وتصويب هناك على تفاصيل التحديث والتمكين.
وضع معقد
الوضع المعقد جداً هنا يوحي ضمناً بأن التحديث قد يحتاج إلى تحديث، والتمكين الاقتصادي حاجته ملحة لميكانيزمات تمكين تعززه أو تنقذه مع التحديث من براثن تقميشات وتفصيلات وحياكات ما كان يسميه وزير البلاط الأسبق مروان المعشر دوماً بقوى الأمر الواقع.
ويحصل ذلك رغم أن قادة التحول نحو التحديث مثل سمير الرفاعي وموسى المعايطة وخالد البكار وغيرهم، تحدثوا علناً طوال الوقت عن المضي قدماً للأمام وطي الصفحة وفتح التي تليها. ويحصل ذلك رغم أن اللسان الملكي المرجعي قالها بوضوح عندما أعلن أن المستقبل لمسارات التحديث والتمكين.
المأزق عند مراجعة النسخة الأولى من التنفيذ موجع وحاد الملمس وواضح، وكيفية تجاوزه لإنقاذ ما تيسر على الأقل مسألة لاتزال في الغموض وبعض الارتباك، ومن سوء حظ حكومة الخصاونة أنها عالقة اليوم في تشابكات وتفاعلات تقييمية عامة وأخرى تنفيذية لا تسيطر على تفاصيلها عملياً.
وفي الخلاصة، التقى الأردنيون عموماً بعد مفترقات طرق فكرتها أن كلفة الإصلاح الحقيقي أكبر من كلفة عكسه، وهي فكرة مزعومة طبعاً يروجها التيار المحافظ.
ثم حصل لقاء في منطقة وسط سميت بمسارات التحديث والتمكين، وحتى هذه النسخة المتوافق عليها من التلاقي ثمة من يحاول العبث بها نخبوياً، وما تثبته البراهين والوقائع حتى اللحظة أن مسارات التحديث والتمكين على أهميتها للدولة والناس والمستقبل معاً لا تزال تخفق في جزئية إدارية صغيرة تفسد المشهد العام وتنتج كميات من الإحباط والتردد.
وهي تلك الجزئية التي تقول إن كبار اللاعبين في مساحات القرار يحتفظ كل منهم اليوم بصيغة تخصه أو تناسبه لمساري التحديث والتمكين؛ بمعنى الإخفاق الملموس في فرض الرؤية مع أنها مرجعية وتوافقية على طبقة المسؤولين ورجال الدولة قبل الناس.