الدبلوماسية الأردنية «تناور» في «الخيار اليتيم» وسط تغيرات إيجابية في المواقف الأوروبية تجاه الملف الفلسطيني والعدوان على غزة
عمان ـ «القدس العربي»: يتجه وزير الخارجية الأردني إلى مساحة سياسية ودبلوماسية غامضة وهو يزيد من جرعة الحديث للمرة الثانية عن تغييرات إيجابية في المواقف الأوروبية تجاه الملف الفلسطيني والعدوان على غزة، بدون أن يشمل هذا السياق التحفيزي الولايات المتحدة الأمريكية.
في بروكسل وقبل اجتماعات اللجنة الوزارية العربية مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي ظهر الثلاثاء، استبق الوزير الصفدي مسار الأحداث وسار في اتجاه ثلاثي واضح الأركان.
الأول هو امتداح وتحفيز الإيجابية الأوروبية، والثاني هو الإصرار على الانتقال من منسوب الأقوال إلى الأفعال وبشكل سريع، والثالث هو الاسترسال في استخدام كلمات خشنة جداً ضد حكومة بنيامين نتنياهو إبراء لذمة الأردن الرسمي أمام شعبه على الأقل. وخطة الأردن: تحفيز أوروبا ووسم حكومة نتنياهو بالهمجية والمطالبة بأفعال سريعة.
هل يكفي الحراك في هذا الاتجاه؟
سؤال من الصعب تحصيل إجابة مباشرة عليه، لكن عندما يتعلق الأمر بقواعد الاشتباك الأردنية فلا بد من التذكير بما قال الصفدي سابقاً لـ «القدس العربي» عن تبدل وتغير وتحول ملموس في المواقف الأوروبية، يرافقه بطء شديد في المواقف الأمريكية.
الرهان على الأوروبيين هو رهان على الطرف الأضعف في معادلة المجتمع الدولي والعدوان عملياً، لكن الساحة الأوروبية هي الوحيدة فيما يبدو التي تتفاعل وتطرح مقترحات، فيما يتم تحذير الوزراء العرب الذين انتقلوا بسرعة من باريس إلى بروكسل من أن الوقت يمضي ويتحول إلى سلاح ذي حدين، وأن ما يمكن إنجازه على الأرض في المعادلة الفلسطينية ينبغي أن ينجز قبل انتخابات نهاية العام الرئاسية الأمريكية.
أبلغ الأوروبيون الوزراء العرب بمخاوفهم من تراجع حاد إذا ما اعتلى دونالد ترامب منصة الرئاسة في البيت الأبيض. والمحلل السياسي والناشط الفلسطيني الأمريكي الدكتور سنان شقديح، نصح مبكراً عبر «القدس العربي» الأردن وغيره من الأطراف العربية، بأن الرئيس بايدن ضعيف ومتردد، وطاقمه يتحكم به طرف آخر، والوقت لا يسعفه.
اشتباك الصفدي – نتنياهو
اشتباك الوزير الصفدي مع حكومة نتنياهو حصراً ملحوظ ومرصود. وفي آخر 3 إطلالات إعلامية له، استعمل عبارة العدوان الهمجي، وقال إن تلك الحكومة متطرفة وتحاول فرض همجيتها على تلك المنطقة، وإن عدم اكتراث حكومة نتنياهو بالقانون الدولي يضع العالم برمته أمام مواجهة حقيقية.
في المقابل، ما يبدو عليه المشهد أن الدبلوماسية الأردنية تلعب بالورقة الوحيدة المتاحة في الوقت الضائع. ووفقاً للدكتور شقديح، عزلة الموقف الأمريكي بين الحلفاء والأصدقاء تتزايد وتشكل عنصراً ضاغطاً ولو من باب الحد الأدنى، ويمكن الاستثمار به في المزيد من الضغوط.
معادلة الدبلوماسية الأردنية تبدو قاصرة عن تحقيق اختراقات صلبة بالرغم من قرارين لمحكمة لاهاي. ولا تزال عملية الاستعانة بأوراق أخرى مهمة وممكنة زاحفة أو بطيئة جداً في مقياس الأردنيين. بالنتيجة، موقف ومزاج الشارع العام من المسائل التي تدخل في الاعتبارات وضبط الإعدادات من العناصر المتقدمة وتستوجب، كما تستجلب، تصعيداً في الإطار الدبلوماسي على الأقل.
التصعيد الدبلوماسي واللعب مع الطاقم الأوروبي الضعيف غير المؤثر، مفيد في مقاربات الوزير الصفدي، بدلاً من البقاء في حالة ثبات. لكن ما لا يقوله المسؤولون الأردنيون هو أن التصعيد الدبلوماسي اللفظي والإعلامي والسياسي أقرب اليوم إلى وصفة لبقاء مزاج الشارع الأردني ضمن مقتضيات الاحتواء.
وما لا يقال في عمان سياسياً ورسمياً، هو أن التصعيد والاشتباك مع أجندة نتنياهو وحكومته يعفي ويؤخر الحكومة من الاستجابة لما يطالب به الشارع بإلحاح، وهو تجميد اتفاقية وادي عربة، ووقف إشكال التطبيع مع الكيان، وإغلاق السفارات.
سؤالان
إذا ما قطعت المملكة العلاقات مع إسرائيل، ذلك سهل ومسبوق، وفقاً للوزير الصفدي. لكن الأصعب منه هو توفير إجابة على سؤالين تطرحهما الحكومة لتبرير موقفها وهما:
أولاً، كيف نوصل المساعدات إلى أهل غزة ونساند أهل الضفة الغربية في الصمود؟
وثانياً، ما الذي سنفعله في اليوم التالي إذا ما تم قطع أو تجميد العلاقات الدبلوماسية؟
طبعاً، من يعارضون الموقف الرسمي الأردني أو يلحون على مطالبته بالمزيد، لا يفترضون بأن عليهم توفير إجابة على السؤالين.
لذلك، وبعد المجزرة الأخيرة في رفح، عاد إيقاع الشارع الأردني بقوة للاعتصامات والتحشدات، وصعد هتاف يقول «لا سفارة ولا سفير» ثم بدأت تعاود الصدور بيانات التحشيد والتنديد، وتعلن الملتقيات العودة إلى ضاحية الرابية مجدداً، حيث مكاتب سفارة إسرائيل الخاوية، فيما تتشكل ملامح حراكات في مخيمات اللاجئين بالمملكة على إيقاع الهمجية الإسرائيلية.
الأردن بالخلاصة، دبلوماسياً، يلعب بالمتاح والممكن. لكن الخلاصة نفسها تقول إن ذلك قد لا يكفي قريباً، وإن الفرصة ينبغي أن تكون متاحة ليس فقط لوضع الخطة «ب» ولكن أيضاً الاستعداد لكل الخيارات والاحتمالات، بما في ذلك تسبب التشدد الإسرائيلي اليميني بتوسع الحرب.