اراء و مقالات

الأردن: أي إصلاح هذا؟ استفسار استنكاري على هامش جلسة عصف ذهني في مجلس الأعيان

نصف أو ربع إصلاح ما دام الرقيب الأمريكي قد أغمض عينيه قليلا وما دامت الهواجس الأمنية تزيد مع تعقيدات الوضع المعيشي والاقتصادي والاضطراب محتمل في المنطقة أكثر.

عمان-»القدس العربي»: همسة أمريكية في إذن الأردنيين لتبديد القلق والتركيز على تثبيت وقف إطلاق النار غربي النهر والانصراف إلى العمل سبقت استقبال وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في عمان الأربعاء.
تلك همسة يتردد ان لها قيمة مهمة إلى حد ما لأنها قد تكون مرتبطة بالملف الاكثر إرهاقا وقلقا بالنسبة للأردنيين.
«لا نريد التحدث مطولا معكم بملفي الحريات والإصلاح السياسي. نرجوكم فقط ان تبادروا بفعل شيء مقنع».
تلك كانت تفصيلات الهمسة الأمريكية التي قدمت على شكل نصيحة في محاولة لتبديد المخاوف المتعلقة بالفارق بين وصفات الإصلاح الداخلية وتلك التي يمكن ان تحضر من الخارج.
ثمة ملاحظة هنا بعيدا عن الحسابات الأمريكية يمكن رصدها من حجم الانفعال الذي رافق القيادي الإسلامي المعتدل الدكتور نبيل الكوفحي وهو بالمناسبة خارج عباءة الإخوان المسلمين منذ سنوات طويلة وعبرت بصورة غير مباشرة عن أزمة اتجاه الإصلاح في الأردن على هامش جلسة عصف ذهني في مجلس الأعيان. حيث مطاردة لوظيفة ورزق صاحب الرأي المستقل أو المعارض، وحيث أردنيون وطنيون تحرم الأجهزة الأمنية أولادهم من الوظائف، أيضا والمفارقة الأكثر حساسية ان هؤلاء الأولاد لا يمكنهم العمل في بعض دول الخليج أيضا بسبب التصنيفات الأمنية.
أي إصلاح هذا؟ تستطيع «القدس العربي» ان تؤكد بأن هذا الاستفسار الاستنكاري الصغير سمعه رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز عشرات المرات وهو يرعى حوارات عصف ذهني سابقا جميع المبادرات.
لكن مجددا تلك الملاحظة المعنية بأبناء المعارضين ومستقبلهم الوظيفي تحسم إلى حد بعيد الهوامش ما بين إصلاح حقيقي وجذري وعميق وآخر شكلي وظاهري ولفظي لأن مفارقة اخضاع السياسي لأمني لا تزال متقدمة في الحالة الأردنية استنادا إلى سلسلة طويلة من الذرائع التي يمكن وحسب سياسي مثل مروان الفاعوري اختراعها واختلاقها بين الحين والآخر.
في كل حال تلك الهمسة الأمريكية بصيغة نصيحة لها ما يبررها، فهي تؤشر أولا على رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة بان يخرج الحوار الداخلي الأردني في ملف الإصلاح من مستوى حوار الطرشان إلى مستوى منسوب خريطة عمل لا تقف عند حدود الوصفات والنصوص بل تتضمن إجراءات بعد ضمانات التنفيذ كما يصر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة.
لماذا يبلغ الأمريكيون مسبقا بتخليهم عن الضغط إصلاحيا على عمان؟
سؤال سياسي بامتياز مرة أخرى والسبب في دفع غرفة القرار الأردنية للاسترخاء قليلا قد يكون التركيز على الخطة التي يحملها الوزير بلينكن ورفاقه بخصوص الدور الأردني في معادلة عملية السلام مجددا وفي الأفق الفلسطيني حصريا.
بمعنى آخر يقدم الأمريكيون خصومات مسبقة لأغراض سياسية تخصهم على فاتورة الإصلاح السياسي في الأردن في مشهد متكرر مع الديمقراطيين الأمريكيين تحديدا الذين يفلترون ضغوطهم الإصلاحية على الحلفاء وفقا لأجندة مصالحهم.
بالتالي يصبح السؤال الفني هنا هو ذلك المتعلق بكيفية تذاكي النخبة الأردنية الرسمية وآلية استثمارها لتلك الخصومات، حيث المفارقة قابلة للتجديد أيضا بعنوان نصف أو ربع إصلاح ما دام الرقيب الأمريكي قد أغمض عينيه قليلا وما دامت الهواجس الأمنية تزيد مع تعقيدات الوضع المعيشي والاقتصادي والاضطراب محتمل في المنطقة أكثر.
ما يتسرب عن تنظيرات في هوامش غرفة القرار تقترح خطوات إصلاحية مقننة ومحسوبة وغير جدية مقلق ويعزف على الوتر الذي حذر منه كثيرون سابقا مثل وزير البلاط الأسبق مروان المعشر والقيادي الإسلامي العميق زكي بني ارشيد تحت عنوان ضرورة ملحة لصياغة وصفة إصلاح وطنية لمعالجة التحديات الأردنية بعيدا عن التلاعب السياسي مع الدول المانحة والراعية أو مع المجتمع الدولي.
بعض حراس الوصفات الكلاسيكية يلتقطون مبكرا لعبة الدبلوماسية الأمريكية ويحاولون دفع الحوارات التي تجري حاليا باتجاه وصفات إصلاحية أقل عمقا وغير جدية من الطراز الذي لا يعالج مشكلة إجرائية صغيرة من وزن تلك التي سمعها الأعيان مثل منع وظائف أبناء المعارضين وملاحقة أرزاقهم في الداخل والخارج ضمن علبة التنميط في الاعتبارات الأمنية فقط.
ليس سرا في السياق ان بعض الجهات والتيارات المحافظة ترغب بالوقوف إصلاحيا عند تغيير قانون الانتخاب فقط ولا تحفل بما تقوله جبهة العمل الإسلامي ولا غيرها من التيارات الحزبية عن ضمانات وإجراءات فيما تظهر مجددا تلك الأصوات النشاز المعيقة للإصلاح وهي تحاول الضرب مرة أخرى على طبل الصراع العربي الإسرائيلي ودوره في منع حسم مسألة الهوية في المجتمع الأردني وبالتالي إرجاء وتأجيل الإصلاح.
الطريقة نفسها في الحوار سبق ان أعاقت وثائق ومسارات إصلاحية بالجملة.
والطريقة نفسها وجدت حلفاء دوما بين نخبة الرسميين والموظفين.
لكن المطلوب اليوم مقاربة أكثر وعيا وعمقا من قبل الدولة كما ينصح الشيخ العضايلة.
بالتالي الهمسة الأمريكية تحتاج للتدقيق والغربلة والتأكد مما إذا كانت تنطوي على كمين للتزحلق مجددا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى