«انغماس» أردني في معادلتين: دعم طاقم فلسطيني خارج الفصائل والسلطة و«لوجستيات» كسر الحصار
عمان ـ «القدس العربي»: قبل وقت قصير نسبياً، اختصر الخبير الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي المسافة نحو ما وصفه بإغاثة أردنية مسيسة لأهل قطاع غزة تحدث فارقاً، بالإشارة إلى أن كسر إرادة الحصار الإسرائيلي سياسياً قد يكون معقداً وصعباً إذا لم تصل المساعدات إلى أهل شمال قطاع غزة.
البرغوثي في نقاش مباشر مع «القدس العربي» على هامش جلسة عصف ذهني في عمان، وقبل وقوفه على محطات محددة خلال الأيام والساعات القليلة الماضية في مساحة التفكير الأردنية، لفت النظر بعبارة مباشرة إلى ملف الاشتباك مع الحصار على أهل شمال غزة عندما قال: «حبذا لو تمكن الأشقاء في الأردن، مشكورين، من توفير صيغة لفتح معبر إيرز تحديداً».
لاحقاً، ظهر الدكتور مصطفى البرغوثي أحد أبرز المشتبكين مع العدوان الإسرائيلي فلسطينياً من خارج الفصائل والسلطة عملياً، في أكثر من موقع وحوار أردني.
وثمة من ردد في عمان خلال الساعات الماضية بأن البرغوثي كان على إحدى المحطات التي بدأت تستمع إليها وتناقشها المؤسسة الأردنية في سياق دورها الذي يزحف ويتقدم بوضوح في دعم والمشاركة في هندسة المشهد الفلسطيني.
بات واضحاً في المقابل، أن قواعد الاشتباك الأردني تنجرف أكثر أو تنغمس ليس بصيغة الانخراط في تصور أو مشروع أمريكي، كما يحذر بعض الساسة ومنهم المخضرم طاهر المصري، بل بصيغة الانغماس في تفاصيل ضمن رؤية تفترض بأن طبيعة معركة طوفان الأقصى وتداعياتها لم تعد تحتمل إلا الانغماس والاشتباك فلسطينياً عند أي زاوية أو منعطف مرتبط بالمصالح الأساسية والحيوية للدولة الأردنية. لذلك، ما يحصل في فلسطين المحتلة اليوم وفي غزة لم يعد في مقايسات المؤسسات الرسمية الأردنية حدثاً يتطلب التضامن فقط بقدر ما هو استراتيجية عمل لمنع التهجير.
تداعيات ودلالات المشهد
ألمح إلى ذلك الجنرال العسكري المتقاعد والمخضرم قاصد حمود، عندما لفت النظر عبر «القدس العربي» إلى أن أي رؤية تعتبر ما يجري في فلسطين ليس شأناً في صلب وجوهر مصالح الأردن ستكون رؤية منفصمة وليس منفصلة فقط عن الواقع.
بهذا المعنى، على الأرجح يمكن فهم وقراءة تداعيات ودلالات المشهد الذي ظهر به سرب من الطيران العسكري الأردني مساء أمس الأول الإثنين، وهو ينتقل في جهد الإغاثة من جزئية رمي صناديق تضم معدات طبية فقط بالقرب من المستشفيات الميدانية العسكرية في القطاع، إلى إلقاء عدد ضخم من وجبات الغذاء الجاهز بمشاركة طائرة فرنسية على حواف شواطئ قطاع غزة، ومن شمالها إلى وسطها ثم جنوبها.
وبالمعنى نفسه، يمكن فهم نوافذ الحوار الخاصة المنغمسة باسم عمق الدولة الأردنية اليوم مع قيادات وكفاءات فلسطينية قد يكون من بينها الدكتور مصطفى البرغوثي، بالتوازي مع الحرص والاستماع إلى جميع الأقطاب، بما في ذلك الدكتور ناصر القدوة، وغيره، خلافاً لأن معادلة الاشتباك الأردنية مع اليمين الإسرائيلي بدأت تتطلب في الفهم المرتبط بالأمن السياسي، الانغماس في معادلة النخب والأقطاب الفلسطينية وملامسة ما يوصف في العادة بأنه انخراط في المشروع الأمريكي في المنطقة.
يبرر ذلك طبعاً اتصالات جرت حتى برفقة تبادل رسائل مع قيادات في حماس. ويبرر ذلك الاستفسار لدى المؤسسات السيادية والمرجعية عن قائمة محتملة لأسماء كفاءات فلسطينية تكنوقراطية. ويبرره أيضاً ما فهمته «القدس العربي» في باطن النقاش مع وزير الخارجية أيمن الصفدي، بعنوان يقول تلميحاً لا تصريحاً، إن الأردن سيدعم خيار الشرعية الفلسطينية، ولا يوجد لديه ما يمنع دعم حكومة تكنوقراط حكومية فلسطينية مهنية لمرحلة انتقالية ما.
ليس سراً أن التفاعل الأردني في عمق المعادلة الفلسطينية تضمن استطلاعات حوارية مع طيف واسع من قادة العمل السياسي والوطني الفلسطيني. وليس سراً أن عمان بدأت تتفاعل مع شخصيات مثل البرغوثي، ومع قضية مثل الإفراج عن القيادي البارز الأسير مروان البرغوثي، وأنها أيضاً نصحت القدوة بتخفيف حدة انتقاداته للرئاسة الفلسطينية.
لوجستيات الإغاثة
في المقابل أيضاً، أرسلت عمان لمواجهة مخطط التهجير اليميني الإسرائيلي، قمحاً ونفطاً إلى الضفة الغربية، وتستعد في غضون يومين أو ثلاثة الآن لبلورة ما اتفق عليه مع شركاء دوليين بعنوان فتح معبر إيرز تحديداً، استجابة لنصيحة البرغوثي، فيما لا تنفي المستويات السياسية الرسمية خلف الستائر والكواليس قناعتها بأن الاستجابة لخطة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بخصوص رسم سيناريو هندسي لإصلاح السلطة الفلسطينية أصبحت أقرب إلى نمط تفاعلي بالمعنى الإيجابي، يشارك في مقاولة سياسية منتجة هذه المرة عنوانها إصلاح المؤسسات الفلسطينية.
وما تفعله عمان الآن بخصوص لوجستيات الإغاثة هو السهر على اختراقات، فقد صرح عاهلها الملك عبد الله الثاني مساء الإثنين، بأن بلاده ستمضي قدماً في كسر الحصار الإسرائيلي. وفيما كانت 4 طائرات تلقي وجبات جاهزة على الأهالي في شواطئ غزة، صرح الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بأن عملية الإنزال المظلي للمساعدات الغذائية حصراً تمت في 11 نقطة، شمال غزة ووسطها وجنوبها. في الأثناء، تم إيصال ملايين الوجبات الغذائية الجاهزة لكن دون إعلان، وتجهز طائرتين بـ 40 طناً من المواد لغذائية ظهر الثلاثاء. وفي الأثناء أيضاً، تسريبات هنا وهناك في أروقة الحكومة الأردنية تتفاءل بتدشين معبر كرم أبو سالم وفتح معبر إيرز لشاحنات مساعدات تتحرك براً من منطقة الأغوار الأردنية.
وفي الخلاصة، مستجدات حالة الانغماس الأردني تؤشر إلى الانخراط بهندسة فلسطينية داخلية مستندة إلى فكرتين: الأولى، دعم تجديد السلطة الفلسطينية وصولاً إلى تجديد شرعيتها، وبما يتطلبه ذلك من التقدم بطاقم جديد تكنوقراطي يمكن التفاهم معه، بعيداً عن كل الفصائل قدر الإمكان. والأخرى، الانتقال إلى تفكيك الحصار الإسرائيلي، ولو جزئياً، ومنع المجاعة والجوع عشية شهر رمضان المبارك على الأقل.