برلمان الأردن بين “المنفلت والممسوك”: تغريد متواصل خارج السرب وإخفاقات بالجملة
أخفقت قنوات بيروقراطية وأخرى سياسية أكثر من مرة في السيطرة على مايكروفون مجلس النواب الأردني في دورته الحالية الأخيرة وبصورة أنتجت تشويشا يمكنه أن يعيد إنتاج عدة سيناريوهات.
بدأ الإخفاق فعليا مع الفشل في السيطرة على انتخابات نائب رئيس المجلس حيث استطاع تحالف بين رئيس المجلس عاطف طراونة ونائبه الحالي نصار القيسي تجاوز تحالف مماثل لصالح المرشح المقرب من السلطات والذي يحاول اليوم تأسيس تيار شعبي وطني كبير أحمد الصفدي.
لاحقا لهذه الانتخابات الداخلية تم تصوير الطراونة باعتباره في حال تغريد خارج سرب خيارات الدولة لكنها في كل حال خيارات لم تناقش معه من موقعه كمسؤول منذ عدة سنوات عن رئاسة مجلس النواب.
وبرز التحدي الإخفاقي الأهم حيث تعهد مسؤولون خلف الستارة بإقصاء عضوين في مجلس النواب وهما غازي الهواملة وصداح الحباشنة عن المشهد عبر تقديم مذكرة قانونية لرفع الحصانة عنهما.
أخفق الجهد الرسمي والحكومي هنا مجددا وانتهت المسألة بهزيمة واضحة وقاسية للصف الرسمي نفخت وساهمت في تضخيم النائبين المشار إليهما رغم أن الهواملة نفسه كان يطلب برفع الحصانة عنه لكي يتصدى للتحقيق الذي يطالبه به.
قيل في الكواليس عن هذا المشهد الفارق أن رئيس المجلس الطراونة ناكف أيضا عند إحصاء وعد الأصوات.
حسابات الدولة
لكن يبدو أن عدة تيارات تجتهد وتنشط في اتجاه تصوير طراونة تحديدا وكأنه خصم أو عدو لحسابات الدولة. وهي مسألة انتقدها الرجل واعتبرها وهمية ومبنية على حسابات وخصومات قد تكون انتخابية وعلى حسابات لها علاقة كما شرح شخصيا لـ”القدس العربي” بفهم خاطئ للصورة أو برغبة قوى الشد العكسي في إعاقة مشروع مأسسة العمل البرلماني الطموح.
بصرف النظر عن تبريرات المشهد ثمة صراع وانقسام في بنية البرلمان من الصعب وضعه في إطار المنطقي والمعقول والمسبوق.
لا أحد يريد الإجابة عن السؤال الصغير التالي: ما هي العناصر التي أنتجت الانقسام وأدت إليه في صفوف مجلس نواب يفترض انه منضبط وممسوك؟
الإجابة صعبة الآن لكن مجرد طرح مثل هذا السؤال يؤشر على أن الحكومة ومعها السلطة أحيانا تفقد زمام المبادرة في الاشتباك مع مجلس نواب يتهمه أصلا الشارع والحراك بأنه في جيب السلطة ولا يخدم مصالح من يفترض أنه يمثلهم.
تلك واحدة من أغرب المفارقات في رأي النائب عطية حيث يختلط الصالح بالطالع وتظلم مؤسسة النواب التي أنجزت الكثير وحيث بوصلة التقييم الشعبوية يمكن أن تعوزها الدقة أو تتميز بذاكرة قصيرة جدا تخلو من العمق.
في خلاصة المشهد ظهر أن مجلس النواب الأردني في دورته الأخيرة خارج عن السيطرة لا بل يغرد خارج السرب. وتتحكم بمعطياته مراكز قوى شخصية في الوقت الذي تخفق فيه حملة العلاقات العامة والمجاملات الحكومية في ضبط مستوى الانفلات وتقدير تأثيره على هيبة الدولة والمؤسسات.
في هذه الأثناء حصريا يشاغب ويناكف مايكروفون النواب في ملف مزعج ومحرج لا علاقة له ليس فقط باتفاقية الغاز الإسرائيلي لكن بكل منتجات ومخرجات ملف الطاقة حيث أسئلة شعبوية وخطابات استعراضية تغذي الحراك الشعبي وتثير شبهات فساد في مواقع لم يثبت أي فساد فيها.
وهنا يتغير المزاج في مؤسسات مركز القرار وتكثر الأسئلة وتبدأ بعض حلقات القرار الاستشارية القريبة في طرح ملاحظات حول تحول تيارات باسم نواب الموالاة إلى المناكفة وإلى ظاهرة تشكل عبئا على الدولة وإلى شرائح في المجتمع التشريعي لديها امكانات وتم تمكينها فعلا للاستقواء على الدولة وبوصلة القرار.
هذا وضع مربك ومزعج ومعقد للغاية ويحتاج في رأي مسؤول أمني كبير تحدث بصراحة مع “القدس العربي” إلى مراجعة للحيثيات. وقد يؤدي لاستنتاج أعمق بالحاجة إلى تجديد الروح والأدوات وهو ما المح له رئيس الوزراء الأسبق علنا طاهر المصري في محاضرة تحدث فيها عن كلفة العبث في الانتخابات والتدخل بل أحيانا التزوير في معطياتها.
ما يحصل في عمان سياسيا اليوم هو أن النظرية التي تقول بأن مجلس النواب الحالي مطواع وممسوك وأقل كلفة من مجلس ينتج عن انتخابات في ظرف حساس حاليا تناطح نظرية أخرى بدأت تقول بأن الاخفاق في ضبط إيقاع المجلس الحالي قد يكون مكلفا أكثر.
باختصار إذا انتصرت النظرية الأولى قد يتم تمديد ولاية البرلمان وتأجيل الانتخابات. وإذا تصدرت الثانية فالحديث عن انتخابات مبكرة أكثر ما يتوقعه الجميع.