اراء و مقالاتمقالات وآراء

تجاذب على الملف الأردني بين عمان ولندن: أوساط في القرار والسفارات الغربية تبحث عن “نسخة أردنية” من مهاتير محمد

 

 تبحث خلية عميقة في دوائر القرار الأردني عن نموذج محتمل قريب بأي صيغة من شخصية رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد.

عند العصف الذهني الهامس خلف الستارة والكواليس بحثا عن هوية خليفة رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز في حال تصاعد أزمة القطاع العام وعاصفة أسئلة الفساد حتى بعد إغلاق ملف حراك المعلمين تحدث بعض المسؤولين المرجعيين عن الحاجة الملحة مرحليا لشخصية تحظى بتوافق وطني معقول تكمل ما بدأته حكومة الرزاز عبر سلسلة من الوثائق والاستراتيجيات المكتوبة والمقررة تحت عنوان “الإصلاح الهيكلي” والأكيد.

 سفارتان مهمتان في عمان على الأقل مهتمتان وجدا هذه الأيام بمشاركة صناع القرار الأردنيين بعبور مرحلة الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة هما سفارة واشنطن وسفارة بريطانيا.

بالنسبة للأمريكيين وفي الشكل الرسمي لتواصل طاقم السفارة في عمان تطرح مفارقة بصيغة مكتومة على شكل سؤال: نحن نقدم لكم المال ونحو مليار ونصف دولار سنويا فلماذا تستشيرون بريطانيا دوما وهي الأبخل في أوروبا؟

لا أحد طبعا يعرف لماذا تكثر عمان من استشارة لندن.

 لكن الجميع في المستوى النخبوي على الأقل يرصد وجود حالة من المزاحمة بين سفارتي البلدين تحت عنوان عبور الأردن لأصعب مرحلة اقتصادية بأقل كلفة وهي صيغة تعني دبلوماسيا حصول تقاطع أو تعاكس في الوصفات والنصائح والإرشادات لم يعد سرا ان لها بصمات في بعض تشكيلات مواقع أساسية في قيادة الهياكل الأردنية.

بالنسبة للسفارة البريطانية تحديدا تبدو المقاربة مربكة لأن لندن توفر الدعم السياسي ولا تدفع المال، الأمر الذي برر لاحقا التحدث مع أطراف أخرى في أوروبا من بينها ألمانيا وفرنسا، أو الاجتهاد على طريقة الرئيس الرزاز وهو يعلن أمام “القدس العربي” بأن “مرحلة الفطام عن المساعدات بدأت”.

قد يستفيد الأردن من التنافس الأمريكي البريطاني لرعاية مظلة أزمته الاقتصادية. لكن حجم ومستوى ومنسوب الاستفادة رهن طبعا بعناصر الجذب السياسي وبوجود حكومة أردنية بصلاحيات حقيقية تحصل على الولاية العامة الدستورية وتضم طاقما قادرا على التفاوض وتحسين المكاسب أصلا ويهتم بالمسار الوطني أكثر من مساره الوظيفي، حيث يعتقد خبراء بان الاقتصاد الأردني دفع مرارا وتكرارا كلفة ثمن وطموح موظفين كبار طامحون بوظائف مع مؤسسات دولية أو انتقلوا ببساطة لوظائف مع دول أخرى.

المقاربات والأجندات مزدحمة وبرز مؤخرا على هامش أزمة الخبز والإقليم والمعلمين ما يوحي أن طرفا ما في القرار الأردني بدأ يدرك الحاجة الملحة لصيغة حكومة ناضجة الصلاحيات وقادرة على احتواء تفاعلات الشارع والإقليم.

من الهمس المتعلق بهذا السياق يخرج سيناريو المقاربة التي تبحث من باب الأنموذج وليس الشخص عن نسخة محلية من مهاتير محمد طالما تغنى بها الشارع وطالب بها عبر منصات التواصل لكن في الخريطة النخبوية تم إقصاء المفكرين والمثقفين وطبقة رجال الدولة الحقيقيين لأسباب متنوعة لا مجال لذكرها الآن، بالتالي توفير ملاذ عبر شخصية قريبة من النموذج الماليزي قد يكون مهمة صعبة.

 لكن الاحتمالية واردة للبحث عن شخصية بأفق دولي يقبلها التوافق الداخلي وهي أيضا ليست مهمة سهلة لأن شخصيات قليلة العدد جدا تنطبق عليها هذه المواصفات وجميعها خارج حزام السلطة.

ولان التوافق له ثمن سياسي وتشريعي واجرائي كبير خصوصا وان لقاءات مرجعية حتى في الديوان الملكي تحدثت عن مشكلات أفقية في الفساد الإداري تطال ثلاث مؤسسات مهمة جدا في قطاع الخدمات وتؤثر سلبا على جذب الاستثمار أو توطينه، وليس سرا الحديث هنا حتى في الخطاب الملكي ألمح لتلك المؤسسات المعنية بتحصيل الضرائب والجمارك والخدمات البلدية.

العودة لطبقة رجال الدولة الكبار خطوة على الأرجح باتت ضرورية لكن حساب فاتورتها ضروري أيضا خصوصا وان المقايضة في أبعادها الأعمق عندما يتعلق الأمر بأزمة الاقتصاد والمالية الأردنية هي نفسها تلك المقايضة التي يربطها جميع صناع القرار بحلقات ضغط صفقة القرن وشقيقاتها.

هنا تبرز معلومة ضرورية في السياق لأن عمان تراهن على جهتين فقط في مماطلة طاقم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهما الأصدقاء والحلفاء القدامى في الحزب الديمقراطي الأمريكي والرعاة الأوائل في البؤرة البريطانية العميقة.

 الأردن وضع بيضه في سلة البريطانيين والديمقراطيين وهو يحاول المماطلة وشراء الوقت في مواجهة استحقاقات صقور البيت الأبيض من الجمهوريين، تلك كانت الخطوة التكتيكية اليتيمة المتاحة لكن ينتج اليوم عنها ليس التجاذب فقط بين واشنطن ولندن على الملف الأردني ولكن الابتزاز المباشر والقاسي لعمان من جهة طاقم الرئيس ترامب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى