اراء و مقالات

تحديث المنظومة الأردنية: الألم يرافق الأمل

الأمل كبير في أن يتمكن المجتمع الأردني من تجاوز عقبة تشكيل الأحزاب بصيغة تسمح بالوصول الى نقطة يتوافق عليها الجميع وتنطوي على تقديم كل الضمانات الممكنة حتى للدولة في المسائل الاستراتيجية والبيروقراطية والأمنية العقائدية

التجول بين رموز أو بعض رموز مشروع تحديث المنظومة السياسية في الأردن بمثابة الحصول على وجبة مجانية من الطاقة والأمل. لكن مؤسسات الدولة لا يمكن القول بعد إنها تركب الموجة نفسها أو تعزف النغمة نفسها في إطار الرؤية المرجعية والملكية والتي وصفت يوما بأنها أقرب إلى صيغة لا رجعة عنها، وعلى أساس القناعة بأن ما حصل هو عبارة عن حافلة ستنطلق فيها تذكرة ذهاب وبدون إياب بمعنى عدم التراجع عن المشروع والتصور والرؤية.
تمكنت مؤخرا لعدة أسباب مهنية وأخرى شخصية من الوقوف وجها لوجه أمام التخوفات والاعتبارات والملاحظات عند مجموعة ناشطة جدا من مؤيدي ومتحمسي برنامج تحديث المنظومة السياسية، ونتحدث هنا عن طبقة من المخلصين جدا للفكرة والمشروع والنطاق تريد أن تثبت للرأي العام بأن ثمة أملا واتجاها وللدولة أنها جادة.
الشباب هنا لديهم ملاحظات وحشرجات على شكل جرعات من الألم السياسي ترافق الأمل، لكن الطاقة مفعمة بالنشاط والتفاؤل مفتوح على مصراعيه، والأمل كبير في أن يتمكن المجتمع الأردني من تجاوز عقبة تشكيل الأحزاب بصيغة تسمح بالوصول إلى نقطة يتوافق عليها الجميع وتنطوي على تقديم كل الضمانات الممكنة حتى للدولة في المسائل الاستراتيجية والبيروقراطية والأمنية العقائدية وإن كانت بعض الملاحظات تستحق التوقف والتأمل عندها، خصوصا عندما يتلازم الأمل والحماس مع مفردة «ولكن». على كل حال أطلق مشروع التحديث السياسي بعض المساحات والإمكانات.
والحديث هنا عن تطور متدرج تم التوافق عليه لأول مرة لانطلاق العمل الحزبي لمدة عشر سنوات وهو حديث إيجابي، لا يمكن إلا اعتبار أي محاولة للتشكيك به على مستوى عام سلبية أو عبثية أو بدون معنى. لكن من يسعى باسم دوائر القرار والموقف الرسمي إلى تجديد التجربة الحزبية، عليه أن يدرك مسبقا بأن المواطن الأردني وبعد الاستماع إلى مواسم متكررة من الإصلاح أو نوايا الإصلاح يجلس في مستوى عدم اليقين منذ سنوات.
وعليه أن يفهم بأن المواطن الأردني يراقب وبحرص شديد وبدقة متناهية التجربة الجديدة باحثا عن الأخطاء فيها وليس عن إيجابيات لأن البحث عن النقاط الإيجابية والتي فيها أمل ورغبة في التقدم إلى الأمام وطي الصفحة، هو وظيفة السياسيين وأعوان الدولة والنظام والموقف الرسمي.

الأمل كبير في أن يتمكن المجتمع الأردني من تجاوز عقبة تشكيل الأحزاب بصيغة تسمح بالوصول الى نقطة يتوافق عليها الجميع وتنطوي على تقديم كل الضمانات الممكنة حتى للدولة في المسائل الاستراتيجية والبيروقراطية والأمنية العقائدية

ووظيفة النخب التي اختيرت لصياغة وثيقة البرنامج الجديد باسم تحديث المنظومة السياسية في البلاد، وليس واجب المواطن نفسه، فهو يراقب ويتحفظ ويتحرز ويتكهن، ويبحث بطبيعة الحال باعتباره الجزء الحيوي الفاعل في الجماهير عن نقاط الضعف والسلبيات والهنات والتي تتقدم في الوجدان الجمعي للمجتمع على غيرها من الملاحظات الضامنة بعد مواسم من الحديث عن «هندسة الإصلاحات» بدلا من مسارات الإصلاح الحقيقي الجذري المستنير.
على كل حال يقوم المواطنون عموما والبسطاء منهم بواجبهم تمام القيام وينشط رموز تحديث المنظومة بواجباتهم أيضا، والطرفان يراقبان أداء الحكومة والدولة والسلطات، وهو أداء تعتريه بعض المشكلات بالتأكيد الآن ولابد لإنقاذ ما تبقى من مشروع تحديث المنظومة السياسية من التعامل معها وبكل الجدية والإيجابية والطاقة الفعالة.
يريد البسطاء اليوم أن يفهم الجميع بأن طريق العمل الحزبي لا رجعة عنه وبأن أيا من المواطنين لم يعاقب أو يعتقل أو يتم توقيفه أو يحرم من حق بعد الآن بسبب الانضمام لعمل حزبي.
ويريد المجتمع أن يفهم بأن الدولة نفسها تتجه للعمل الحزبي وتحديث المنظومة أيضا، وبأن المسألة جدية وتتعدى الأداء أمام الميكروفون، فيها الكثير من النعمة والامتيازات والاستقرار في تجارب التحزب بعد الآن، وعلى أساس أن وضع خطط شخصية منسجمة مع التحول الحزبي لن يشكل بعد الآن مغامرة خطرة مستقبلا.
المطلوب من مدارس القطاع العام والمخافر الأمنية بعد الآن إيقاف أي نشاط في الاتجاه المعاكس للعمل التحديثي الحزبي، والمطلوب من الحكومة تقديم الأدلة على الالتزام قبل الناس وقبل النشطاء الحزبيين الذين يشبه معظمهم الآن توم كروز في أفلامه الشهيرة، وهم يحاولون صناعة المستحيل عبر تطويع أكياس منتفخة بالهواء ثم يغرقون في التفاصيل على أمل انطلاق المسيرة. لا يمكنك إطلاق الأحزاب السياسية كصيغة إدارة وعمل بعد التوافق المرجعي وأنت تميز بين الأحزاب.
لا يمكنك الآن الاستمرار في النفخ لتسمين حزب محدد ثم ملاحقة ومطاردة حزب آخر والمنظومة البيروقراطية عليها أن تكون أحرص من غيرها على الالتزام الحرفي بمضمون ومنطوق تحديث المنظومة السياسية والرؤية.
دون ذلك سيبقى سجل الأحزاب في العضوية دون 20 ألف مواطن مسجل، ودون ذلك ستبقى مقاعد البرلمان المجانية التي ستقدم للأحزاب السياسية فيها نقص وغياب للشرعية القانونية والدستورية ولشرعية التمثيل. ودون ذلك سيبقى التزاحم والصراع على المناطق والوظائف وليس على البرامج والخدمة العامة والمشاركة الوطنية. وذلك النسبة لنخبة من رموز الأحزاب الجديدة تتصارع على مقاعد الصف الأول قبل حتى إعداد برنامج أو وثيقة أو وضع نصوص وأدبيات تخص العمل الحزبي.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى