اراء و مقالات

الأردن: غياب قدرة الحكومة ومجلس الأعيان على التأثير يسهّل عرقلة النواب للتعديلات التشريعية

الدغمي- الفايز- الرفاعي وإشكالات «التشريعي»

عمان – «القدس العربي» : الانطباع يتشكل بصورة أسرع بانفلات المشهد البرلماني الأردني رغم دقة وحساسية الظروف وخارطة الأولويات التي طرحها القصر الملكي بوضوح أمام جميع السلطات في البلاد اعتباراً من لحظة إطلاق ما سمي بتحديث المنظومة السياسية في البلاد، التي يعقبها اليوم ورشة عمل بعنوان تحديث المنظومة الاقتصادية أيضاً.
الحصة التشريعية محور في غاية الأهمية هنا، ورئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي قال مبكراً أمام «القدس العربي» بأن واجب الاشتباك مع التشريعات المطلوبة للمنظومة بشكلها الجديد هو واجب مؤسستين سياديتين ينبغي لهما أن تدافعا عن خيارات المرحلة بحماسة، وهما السلطة التنفيذية؛ أي الحكومة، وهي تحاول وتناضل في هذا السياق، ثم مجلس الملك؛ أي مجلس الأعيان.

تجاذبات

عندما يتعلق الأمر بهوامش تأثير الحكومة على مجلس النواب، فالمطلوب عمل كثير ومجهد، لكن وسط ألغام وكمائن عنوانها غياب المغريات المحفزة، وهنا حصرياً يقر أحد الوزراء البارزين أمام «القدس العربي» بأن الحكومة لا يوجد لديها على أرض الواقع ما تقدمه للنواب ودوائرهم الانتخابية من وظائف أو خدمات أو حتى من مساعدات مالية، الأمر الذي يعتبر منقوصاً في إدارة تشبيك العلاقة بين السلطتين. وهي إدارة يقول نائب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، لـ»القدس العربي» بأنها مطلوبة وبإلحاح مرحلياً، وعلى أساس الشراكة الحقيقية ليس في تحديد الأولويات، لكن في الالتزام بها، مع التأشير على حصول فوضى أو تجاذب بين الحين والآخر.

الدغمي- الفايز- الرفاعي وإشكالات «التشريعي»

في الجزء المتعلق بواجب مجلس الأعيان، ثمة رصد لا يمكن نكرانه لتجاذبات بين مراكز القوى داخل مجلس الأعيان بصورة قد تعيق أو تبطئ من استرسال الواجب المتعلق بالتشريعات. وليس سراً هنا أن رئاسة مجلس الأعيان ممثلة بالمخضرم فيصل الفايز، لديها تصور مختلف أو متباين إلى حد مرصود مع تصور أو صيغة عمل يقترحها أركان آخرون في المجلس، من بينهم الرفاعي، إضافة إلى وجود تيارات وأجنحة لا تعلن الاختلاف لكن يظهر في التلامسات والنقاشات.
ملف تحديث المنظومة السياسية تحديداً في مجلس الأعيان قد يكون المطلوب تنشيطه وتفعيله عبر ماكينة نشطة في السياق بعيداً عن لهجة «التفخيخ» يمثلها آخر عضو في المجلس تم تعيينه، وهو خالد البكار، النائب السابق الذي لعب دور «الدينامو» في نقاشات لجنة التحديث، وسط الانطباع بأن الرفاعي دعم خلف الكواليس فكرة استعانة مجلس الأعيان بطاقة لاعب مثل البكار كان قد تعرض للظلم عندما نام ليلة آخر تعديل وزاري وزيراً في الحكومة، واستيقظ على خلاف ذلك.
في كل حال، صعب الاستهانة بالحركة النشطة التي يفترض للبكار أن يقوم بها قريباً في أوصال مجلس الأعيان مدعوماً طبعاً بحلفاء أقوياء في المجلس، مع أن «القدس العربي» استمعت للرئيس فيصل الفايز وهو يستغرب على هامش ندوة عامة مباشرة إلحاح الاستعجال، محتفظاً بتوقعات متباينة نسبياً بخصوص الفترة التي يستحقها برنامج التثقيف الحزبي ثم الإصلاح السياسي.
وعلى جبهة مجلس النواب الموازين مختلفة؛ فرئيس المجلس عبد الكريم الدغمي يعاني مع الوطن من ظاهرة تراجع النواب عن حضور الاجتماعات، مما يعرقل ضمنياً اتجاهات التشريع أو يؤخرها ويرسل رسائل سلبية إلى مراكز القرار في الدولة عن ضعف التزام النواب بواجباتهم، لا بل أيضاً -وهذا ما يحاول الدغمي تجاوزه- عن ضعف إدارة المكتب الدائم ورئاسة المجلس في التعاطي مع اشتباكات الغياب والحضور بعد بروز موضة تهريب النصاب كسوط سياسي لاذع يلهب تكهنات المضي قدماً بتشريعات تحديث المنظومة بشقيها الاقتصادي والسياسي.
ليس سراً أن الجهات التي تتربص بأداء الدغمي وتلاحظ عليه من باب الخصومة والحسد السياسي متراصة اليوم وتمارس كل أنماط النميمة السياسية، وليس سراً أن الدغمي الذي يعتبر أبرز المشرعين في برلمان الأردن من ربع قرن، يعمل مرهقاً في إطار تقاطعات حادة وزوايا منفلتة، وهو يحاول «إرضاء الجميع» حيث الطاقة والوقت يضيعان دوماً في هذا الاتجاه.

«الأمور لا تسير كما ينبغي»

وليس سراً أيضاً أن الدغمي اليوم ليس نفسه دغمي الأمس بلغة السياسيين والبرلمان، وأن قيامه بواجبه في مرحلة لا مجال فيها لأي شعبويات «مهمة صعبة» إن لم تكن مستحيلة أحياناً، مع أن خصومه -فردياً وسياسياً- يتربصون بالأخطاء والعثرات ويحاولون تعظيمها لإسقاط تلك النظرية التي راهن فيها نخبة من علية القوم بعودته إلى منصة الرئاسة بعد عشر سنوات على الأقل من الغياب.
عموماً، ما يقال في مواقع سيادية هو العبارة التي تشير إلى أن «الأمور لا تسير كما ينبغي في مجلس النواب»، وهي عبارة تنتقل إلى مستوى التشدق النخبوي أحياناً كلما برزت مشكلة ناتجة عن سعي رئاسة النواب لإرضاء الجميع بالوقت نفسه، أو عن فائض الخدمات التي لا تقدمها الحكومة أو حتى عن غياب التنسيق وسعي بعض رموز لبرلمان لعدم الظهور بأي شــكل في موقف يلامون عليه من القــوى العميــقة في الدولة.
الدغمي بهذا المعنى ومعه الصفدي وينضم إليهما رئيس اللجنة القانونية عبد المنعم العودات، طاقم ثلاثي لا يعمل وهو مرتاح، وظروف الأداء معقدة أكثر من ملابساته بين الأعيان.. رغم ذلك، المطلوب كثير كبير ومهم في رأي الصفدي على الأقل، والانسجام مع رؤية تنسيق وتوافق هو التحدي الأساسي.
لكن النواب عموماً يسترسلون في تهريب النصاب لسبب، حيث لا جدوى ولا يقين سياسي ولا توثق من أي شيء.
وحيث – وقد يكون ذلك الأهم – إحساس عام بين النواب بأنهم «راحلون لا مجال» قبل وقتهم إذا ما أنجزوا المطلوب منهم من تعديلات تشريعية، خصوصاً على قانوني الأحزاب والانتخابات، وبمعنى أن النائب المشرع يعمل على إنجاز تشريعات يعلم مسبقاً أنها ستؤدي إلى دفن تجربته قبل وقتها بسيناريو الانتخابات المبكرة لأغراض التحديث، فيما يقف الذراع الأمني في الدولة العميقة أيضاً في وضع لا يحسد عليه، فهو متهم بالتدخل إذا ما تحركت الماكينة لتعويض نقص التحضيرات الحكومية وهو متهم بعدم التدخل إذا ما انفلتت البوصلة بين النواب.
الموقف في المجمل حائر، والسبب أن الجميع أصلاً في حالة حيرة ويقين خلافاً لأن موسم تحديث المنظومة فرض على الجميع في إطار هندسة المشاهد، وعلى شكل إنزال مظلي دون تنسيق أو تشاور أو تريث، وأحياناً دون فهم للمعطيات؛ لأن حجم التحول لا يستهان به وكبير جداً وقد يوحي، على رأي رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، بنظام سياسي جديد للدولة لا يبدو أن الترحيب به أفقي وسط المجتمع حتى الآن على الأقل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى