تغيير في «إعلام القصر»… مفاعيل الأردن والعدوان: التكيف مع الثوابت فقط والسياق الليبرالي «أضعف»
عمان ـ «القدس العربي»: الأهم في جزئية مغادرة مدير الإعلام في الديوان الملكي الأردني لموقعه ليس هو المسألة في حد ذاتها، بل اقترانها أو اقترابها من عنصرين في المشهد الداخلي عموماً برسم الرقابة والانتظار، هما: أولاً، الإيحاء بأن تبديلات وتغييرات في الطواقم الإدارية العليا لا يوجد ما يمنع أن تحصل.
وثانياً، التأشير المباشر على أن إيقاعات ما يحصل في غزة وفلسطين المحتلة وبصرف النظر عن تحول هنا أو تطور هناك، يمكن أن تؤثر ويكون لها بصمات في كل مفاعيل وتفاصيل مشهد الأدوات والنخب والطبقة في الحالة الأردنية.
انشغلت الصالونات السياسية فقط وليس الشارع بإعلان الكاتب الصحافي المخضرم فهد الخيطان استقالته من وظيفته لأسباب شخصية كما صرح، لكن هذا الانشغال لا يفيد أحداً؛ فالخيطان عملياً بقي لأكثر من عامين اللاعب الإعلامي المتقدم في الطاقم الاستشاري العامل بمؤسسة القصر، وبصفته مسؤولاً عن مديرية الإعلام والمعلومات.
قد لا يكون النبأ مهماً جداً، لا لاعتبارات تتعلق بمهنية المستقيل والمعروفة والتي ستبقى طبعاً، ولا لاعتبارات سياسية إلا من زاوية الحاجة الملحة جداً لتحقيق قدر أكبر من الانسجام في الفريق العامل أو من زاوية تمكين وزير الخارجية أيمن الصفدي شخصياً من القيام وبتميز ملموس بواجبه المكلف به بالحد الأدنى من المشاغلة والمشاغبة والمناكفة.
لكن ثمة مبادرات مرجعية بالجملة في نطاق الاشتباك الأردني ملكياً ورسمياً وشعبياً مع العدوان الإسرائيلي الموصوف بالهمجية. والانطباع متقدم بأن مغادرة موظف من الصف الأول هنا أو هناك ولأي سبب ليس أمراً صعباً في ظل إيقاعات الحرب التي رفعت من منسوب إحساس صانع القرار الأردني بالمخاطر، فيما توقفت عملية إنكارها تماماً. وبدأت عملية مواجهة المخاطر تحت القاعدة المرجعية التي قالت للجميع بوضوح إن «الأردن بخير، وإنه صلب وقادر، لا بل معتاد على خوض التحديات».
مقاربة الأردن المرجعية سياسياً حادة وواضحة الملامح، ومن لا ينسجم معها في السياق يمكنه المغادرة. وثمة خطوط اشتباك مع الرواية الإسرائيلية حصراً كلف بها وزير الخارجية الذي يبلي بلاء حسناً، فيما كلفت شخصيات قانونية مؤثرة بالتوازي بجمع الأدلة والبراهين على ارتكاب جرائم الحرب. وانشغل مخضرمون على رأسهم الأمير الخبير حسن بن طلال، بمبادرات موازية لمساعدة أهل غزة والتصدي للعدوان ولو من منظور ثقافي. لذلك، الأهم في التغيير الذي شهدته أو ستشهده قريباً مديرية الإعلام المشار إليها هو أن الحرب والنقاشات حولها والتجاذبات التي تحاول إعاقة المسيرة أو تغرق بالاجتهاد، يمكن التعامل معها وبقرارات حاسمة إن تطلب الأمر، فيما التكيف المطلوب من قبل جميع الأشخاص والمؤسسات في الطبقات العليا في الإدارة والوظيفة لم يعد مطلوباً إلا في سياق الثوابت الأردنية المعلنة في اتجاه القضية الفلسطينية وليس في اتجاه التكيف مع اليمين الإسرائيلي كما كان عليه المشهد قبل يوم الـ 7 من أكتوبر الماضي.
الخيطان بكل حال صحافي متمرس، ويمكنه أن يخدم البلاد والعباد في أي موقع مهني آخر، لكن الانطباع يتكرس بأن أزمة الطاقم والأدوات لا بد لها أن تعالج عاجلاً أم آجلاً في إطار المقاربة التي تطالب بها عدة شخصيات وطنية اليوم تحت عنوان قال الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور أنور الخفش أثناء نقاش مع «القدس العربي» مؤخراً إنه يمثل القاعدة التي تقول «آن أوان التغيير».
ما يلمح إليه الخفش وساسة آخرون همساً وعلناً الآن هو أن الطاقم النخبوي الذي يدير الأمور في اللحظة الراهنة قد لا يعمر طويلاً، أو ينبغي ألا يعمر طويلاً، على اعتبار أن طبيعة المرحلة والتحديات والأولويات بدأت تلح في المفصل الذي يقترح شخصيات وطنية سياسية أكثر عمقاً وخبرة لمواجهة حالة الاشتباك الجديدة التي فرضها على الإقليم وعلى المصالح الأردنية مشروع اليمين الإسرائيلي بعدما انتقل حتى برأي سمعته «القدس العربي» من سياسي رفيع مثل طاهر المصري، من مستوى الطموح إلى مستوى الأطماع.
وليس سراً أن تلك الأطماع تخص المملكة الأردنية الهاشمية. ولم يعد سراً أن كل أسس وملامح شراكة السلام والجوار مع إسرائيل تبدلت أو تغيرت معطياتها، فيما تبرز اجتهادات بيروقراطية أو شخصية هنا أو هناك بين الحين والآخر خارج النص المرجعي.
وهو نص يقر المعارضون قبل الموالين بأنه يمثل تاريخياً الآن حالة توحد وتوافق بين الموقفين الرسمي والشعبي، على أساس القناعة بأن فلسطين وحدها هي القضية التي يمكن أن تصنع حالة التوحد.
في السياق ترقب وانتظار لخطوات تبديل أخرى لمواقع الصف الأول، وبعيداً عن هوية الأشخاص؛ لأنها أصلاً غير مهمة، من المرجح أن متطلبات واحتياجات وتحديات معركة طوفان الأقصى أصبحت عنصراً في مفاعيل الجهود الأردنية الوطنية، ليس فقط بدلالة أي تغيير يمكن أن يحصل أو حصل في مناصب الصف الأول، لكن بدلالة وضع مشروع مثل الناقل الوطني للمياه في صدارة رؤية التحديث الاقتصادية بعدما تجاهله القوم طوال سنوات من تلك الشرائح البيروقراطية التي لا تؤمن إلا بالتطبيع، ثم فوجئت قبل غيرها بانقلاب اليمين الإسرائيلي على الشعبين.
في كل حال، موسم قطف بعض الرؤوس قد يقترب، وحجة النخب التي تؤمن فقط بالارتباط بالولايات المتحدة من طبقة الليبراليين أو غيرهم تصبح أضعف كلما قصفت إسرائيل أكثر بين سكان قطاع غزة.
ومن راقب تصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي صباح الأحد عن مجهود ممنهج لإفراغ السكان، يعلم بأن الأردن يحاول الإفلات من شبكة التضليل الأمريكية، الأمر الذي قد يعني خارطة جديدة نخبوياً بعيداً عن الأتباع الأوفياء لتلك الشبكة.
مجدداً، لا مجال للاعتقاد بأن الحالة الأردنية المحلية بعيدة تماماً عن تأثيرات الطوفان؛ فالمعركة إذا ما انتقلت للضفة الغربية حصراً ستغير جميع الإعدادات والمعطيات.