اراء و مقالات

تكررت فيه الثوابت الملكية ونوقشت احتياجات الشرائح الاجتماعية: لماذا أثار “لقاء ملكي” مع نواب المخيمات جدلا عاصفا في الأردن؟

 

صعب جدا التسليم بأن النخبة البرلمانية التي التقاها الشهر الماضي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تشكل فعلا ما اصطلح على تسميته بـ “نواب المخيمات”.

في العادة ثمة ثلاثة نواب على الأكثر يلتقيهم المسؤولون باعتبارهم ممثلين لقوة تصويتية بمستوى مخيمات كبيرة للاجئين الفلسطينيين. ولا توجد في الأردن حصة أو كوتا لها علاقة بنواب المخيمات.

رغم ذلك ينحت هذا المفهوم بين الحين والآخر وقد يصبح واقعيا عندما يتعلق الأمر بمخيم كبير مثل البقعة ينجح مستقلا في إيصال ولو نائب واحد للبرلمان ضمن منطقة البلقاء. غير ذلك توجد دوائر انتخابية فيها مخيمات تشكل ثقلا تصويتيا مثل الدائرة الثالثة وشقيقتها الثانية ومثل الزرقاء وجرش بعيدا عن العاصمة.

في اللقاء الذي أثار الانتباه الشهر الماضي ثمة 9 نواب لم يفهم المراقبون على أي أساس تم انتقاؤهم، فبينهم مثلا رئيس لجنة فلسطين يحيي سعود، وبينهم القطب البرلماني البارز خليل عطية وسبعة من الحاضرين ممثلين لمناطق فيها مخيمات كبيرة وواحد من السبعة هو الدكتور مصطفى ياغي يمكن اعتباره ممثلا لقوة تصويتية كبيرة تخرج من مخيم كبير وهو البقعة.

غاب عن اللقاء مثلا نواب عن الدائرة الثالثة رغم أن فيها أحد أعرق وأقدم مخيمات اللاجئين وغاب زملاء السعود من الدائرة الثانية.

لم يحضر اللقاء النائب طارق خوري الذي يمثل مدينة الزرقاء ودائرة انتخابية فيها مخيم كبير، بينما حضره قصي الدميسي ومحمد الظهراوي وهما ممثلان لدائرة فيها مخيم حطين الشهير. وفي كل حال غاب لأسباب السفر النائب محمد هديب عن اللقاء وحضر أحد أبرز نواب التيار الإسلامي.

 وأخفق الجميع في فهم أسرار التركيبة والانتقاء وهي في العادة مهمة يختص بها المستشارون والموظفون ولا علاقة لها بأي توجيهات مرجعية، الأمر الذي يفسر على الأرجح سبب الإصرار على إبلاغ النواب الحضور بضرورة عدم التحدث عن اللقاء.

بالنسبة لهديب بدا غريبا أن تطلب رئاسة الديوان الملكي عدم التحدث عن اللقاء فهو لقاء بين رمز السلطات وقائدها وممثلين عن سلطة التشريع سبقته لقاءات كانت شفافة وستعقبه لقاءات ليست في طي التكتم.

الحرص على عدم تسمية تركيبة الوفد النيابي هنا قابله حرص على عدم تسريب المضمون مع أن القضايا التي نوقشت هي نفسها التي سبق ان نوقشت في جميع لقاءات الملك مع شرائح ومكونات المجتمع حتى ان خبرا يتيما صدر عن اللقاء في أحد المواقع قبل إلغاء نشره. وحتى أن اللقاء لم يعقبه كما كان يحصل في العادة افصاح أو خبر رسمي، مع أن الملك في اللقاء ذاته تحدث عن التحدي الاقتصادي وأمر بالتعاون مع الحكومة والعمل الجماعي واستمع لآراء في القضايا العامة المطروحة.

لا يمكن القول في السياق إن اللقاء يمثل تعبيرات البرلمان عن المكون الفلسطيني في المجتمع. ولا يمكن القول إنه يمثل حصة المخيمات أو غيرها، وفي النتيجة لا يمثل كتلا برلمانية ولعل السبب المرجح للكتمان وعدم التحدث عن اللقاء وتسريب مضمونه هو تركيبته الغريبة ليس أكثر ولا أقل.

استنادا إلى مصدر برلماني لم تعرض أسرار أو خفايا في ذلك اللقاء. بالتالي الحرص على عدم تغطيته وعدم تسريب مضمونه أثار في حد ذاته الجدل والنقاش أكثر من أي موضوع آخر تم تجاهله أو بحثه.

 تلك مسألة أصبحت في حاجة إلى تفسير مع أن اللقاء تضمن تدقيقا ملكيا مرجعيا محمودا يتلمس حاجات الشرائح الاجتماعية ويسأل النواب عن قواعدهم الانتخابية ومناطقهم، ويتحدث عن سياسات التوظيف والتعيين والتشغيل مع التأشير على الصبر والمرونة اللازمين لتجاوز مصاعب المرحلة.

 في اللقاء ذاته تصلب ملكي في التمسك في الثوابت المعلنة تجاه ملف القضية الفلسطينية والحرص على الالتزام بالوصاية الهاشمية ورعاية القدس والمقدسات وتكرار لدعم خيار الدولتين إلى جانب التمسك بقيام دولة فلسطينية مستقلة مع انشغال بأن يترك للدولة والحكومة مساحات التكتيك في مواجهة ملفات النزاع التي تنتج عن العلاقة مع إسرائيل.

بمعنى آخر لا توجد أسرار خارج المألوف ولا نقاشات في ملفات بخطوط حمراء.

لكن الهمس والتلاسن والتسريب نتج عن حرص البعض على ابلاغ النواب الحاضرين بأهمية عدم التحدث عن اللقاء في مشهد يعيد إنتاج السؤال القديم عن مقدار التزام موظفين وأشخاص بالشفافية على الأقل تلك التي يمارسها القصر ورأس الدولة وهو يتحدث للناس.

التحاور مع برلمانيين على صلة بالتمثيل الفلسطيني خطوة ملكية عميقة وهادفة، وهي جزء من حوارات مجلس بسمان التي يوجه فيها الملك الرسائل لكل شرائح الأردنيين مما يجعل السؤال مكررا عن خلفية التكتم عندما تعلق الأمر بالنواب التسعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى