اراء و مقالات

تنظيف حواف نهر الأردن… ونتنياهو أقرب قليلاً برعاية مصرية ـ إماراتية

عمان – «القدس العربي»: ما الذي تعنيه عبارة “إعلان نوايا” بدلالتها الحصرية سياسياً على الأقل بين الأردن وإسرائيل مادامت الاتصالات شبه جامدة والعلاقات متخاصمة؟
لا يوجد في الأفق إلا تفسير بيروقراطي لكلمتي إعلان نوايا، وقانونياً العبارة لا تنطوي على أي صفة إلزامية لطرفين يعلنان نيتهما الاتفاق لاحقاً على برنامج عمل مشترك محدد. وعليه، فهدف إعلان النوايا الجديد بين تل أبيب وعمان المعلن صباح الخميس يبدو أنه سياسي بامتياز وبالدرجة الأولى، بدلالة ارتباطه في التوقيت مجدداً بقمة المناخ في شرم الشيخ، والإيحاء الضمني بإكمال نصاب مبادرة مصرية إماراتية ثنائية لتسكين التوتر والنوايا السيئة بين عمان وتل أبيب في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة.
لذلك، اجتهد وزير المياه الأردني محمد النجار، وهو يبرز في المشهد للمرة الثالثة، بتوقيع إعلان نوايا مع نظيرته الإسرائيلية، صباح الخميس، عنوانه هذه المرة الاتفاق على خطوات غير مفهومة بعد وغير محددة أيضاً لتحسين بيئة نهر الأردن. والمقصود تنظيف النهر الذي يجف، ومواجهة مخلفات المزارع على ضفتي النهر، مع أن الأردن بالثابت والموقف السياسي يعتبر نهر الأردن في معظمه بمثابة فاصل جغرافي بين ضفتين، أي بين المملكة الأردنية الهاشمية والدولة الفلسطينية، وإن كان الواقع يقول بخلاف ذلك. يعلم الخبراء أن الأراضي المحيطة بنهر الأردن تعاني من الإهمال والتلوث ومخلفات قنابل الإضاءة الإسرائيلية أحياناً. كما يعلم الخبراء أنفسهم أن المسألة قد لا تتجاوز مشروع برنامج ممول من إحدى الدول الأوروبية أو من اليابان، وله علاقة بنظافة البيئة والحد من التلوث.
رغم ذلك، ينشر الخبر الرسمي بأجواء كرنفالية. وكأن رعاة تسكين العلاقة بين عمان ونتنياهو في أبو ظبي والقاهرة مهتمون بالجانب الإعلامي من الاستعراض لأغراض سياسية بكل حال، فقد انشغلت مؤخراً عدة أطراف من بينها الحكومة البريطانية والفاتيكان بالعمل على ألا تنهار العلاقات أكثر بين الأردن وحكومة جاره الإسرائيلي نتنياهو بسبب نقطة خلاف كبيرة تحت عنوان نوايا نتنياهو السلبية في توزير اتيمار بن غفير عضو الكنيست اليميني المتشدد الذي يقف خلف كل التحرشات بالوصاية الأردنية في القدس والمسجد الأقصى.
النوايا الإسرائيلية السيئة تجاه الأردن تمارس على الأرض، وإعلانات النوايا الإيجابية في التعاون بخصوص الماء والكهرباء ونهر الأردن ليست أكثر من نوايا معلنة فقط على نمط مسلسل، توحي بإمكانية التوصل إلى تفاهمات واستئناف اتصالات وعلاقات، كما توحي بأن الأردن ينبغي ألا يطمئن، كما يرى سياسي وبرلماني مثل محمد الحجوج، إلى النوايا الحقيقية عند اليمين الإسرائيلي المتطرف.

«تربص العدو»

لعبة تبادل النوايا لا يمكنها أن تكون بديلاً، برأي الحجوج وغيره من السياسيين النشطاء، عن خطة وطنية وقائية أردنية تستعد لما هو أسوأ من إعلانات نوايا بيروقراطية توقع بين الحين والآخر، فالعدو في اليمين الإسرائيلي كان ولا يزال وسيبقى متربصاً بالأردن والأردنيين.
ولا يمكن الرهان، كما يوضح السياسي البارز طاهر المصري، على مجرد إعلانات نوايا قد لا يكون لها قيمة حقيقية على الأرض بقدر ما تثير سؤالاً ضخماً عن غياب استراتيجية الاشتباك الوقائية الأردنية في مواجهة مشروع نتنياهو العلني لتصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الأردن والأردنيين.
لا تريد النخبة السياسية التي تحكم الأمور الآن في عمان شراء مثل هذه التحذيرات، وإن ما تقوله ضمنا موضة وموجة إعلان النوايا في قطاعات الخدمات هو أن الحكومة الأردنية تبحث عن طريقة لتخفيف حدة الأزمة مع طاقم نتنياهو من باب اكتفاء الشر وتجريب النوايا الطيبة.
وتلك، في رأي كثيرين، لا يمكنها أن تكون استراتيجية تقرأ الواقع بعيداً عن الأوهام، ولا يمكنها أن تكون برنامج عمل يرقى إلى مستوى التحدي أو فيه قدر من الندية المطلوبة لمواجهة الهواجس والمخاطر، خصوصاً أن أدبيات نتنياهو بخصوص القدس والضفة الغربية والأغوار واضحة وثابتة ومتكررة، وأن جميعها، بشهادة المصري وغيره، تمس بالأمن القومي الأردني العميق وبمصالح الدولة الأردنية.
وهو أمر لا تريد النخب الموجودة اليوم والتي تدير الملف الإقرار به، مع أن الوزن الاستراتيجي لدور الأردن في السياق الإسرائيلي انخفض بشكل ملحوظ وكبير مؤخراً، حتى واصل الهبوط وباتت عمان فجأة في تحول استراتيجي مثير بحاجة لرعاية إماراتية ومصرية عن بعد مع ضمانات يمكن أن تقدمها أطراف السلام الإبراهيمي الذي أضعف الدور الإقليمي الأردني.
طوال الفترات التي سبقت وأعقبت توقيع اتفاقية وادي عربة، كانت قاعد اللعبة مع الإسرائيليين أردنية.
أما اليوم فتقول الحقائق والوقائع السياسية إن نتنياهو ولكي يتحدث مع الأردنيين، يحتاج إلى وخز وتشجيع وتحفيز من وسيط إماراتي أو مصري في نقطة استدراك وتحول يقترح سياسيون كبار الانتباه جيداً لدلالاتها، لأنها تظهر تقلص هامش المناورة الأردني في مواجهة الإسرائيليين بعدما سلم بتسليم العدو ملفات استراتيجية في أمن الطاقة والمياه.

ذر للرماد السياسي

لذلك، يرى خبراء بأن تكاثر إعلانات النوايا على نحو مفاجئ في قضايا فنية وبيروقراطية صغيرة مثل تنظيف حواف نهر الأردن بالاتجاهين، ليست أكثر من ذر للرماد السياسي أو بقاياه في العيون، حيث إن اللجان الأمنية العميقة لا تجتمع منذ أشهر طويلة، وتوقعات الأردن من حكومة نتنياهو هي الأسوأ، وحيث لا ميكانيزمات واضحة في إجبار الإسرائيليين على الالتزام بمقتضيات واحتياجات الوصاية الأردنية في القدس والمسجد الأقصى.
وعليه، يصبح توقيع مذكرة إعلان نوايا تلو الأخرى تعبيراً عن حالة استرسال بالغرق مجدداً في الوهم والكمين الإسرائيلي، في سياق المنطق الذي طرحه بمعية “القدس العربي” خبير مهم ومطلع وتفصيلي مثل الدكتور دريد المحاسنة، وهو يلفت النظر إلى جردة حساب تفصيلية وتخص كل المشاريع المتفق عليها سابقاً، وخلاصتها تقول بأن الإسرائيلي تلاعب وضلل الجميع ولم ينفذ أي التزام متفق عليه في كل مسارات المشاريع والملفات ومنذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994.
مبكراً، اقترح المحاسنة التعاطي والاشتباك على أساس هذه الحقائق والوقائع، ومبكراً يطرح السؤال القديم نفسه: إذا كان الإسرائيلي أيام السلام والحكومات العلمانية المعتدلة لم يلتزم ولا بمشروع واحد اتفق عليه مع الأردن؛ لا في المياه ولا في الحدود ولا في الأغوار ولا في الزراعة ولا في الطاقة ولا في القدس ولا في اللاجئين أيضاً… إذا كان هذا هو واقع الحال، فما الذي تعنيه لعبة إعلان النوايا في ظل حكومة يمينية تلمودية متطرفة؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى