اراء و مقالاتمقالات وآراء

تواطؤ «الأردني» أبشع من جرائمه

التواطؤ الاجتماعي مع العنف اليوم أصبح خطرا ماحقا يغتال مستقبل الأردنيين ولم يعد الأمر يتعلق بمجرد أحداث بسيطة أو صغيرة أو محدودة تقع هنا وهناك بقدر ما يتعلق بظاهرة اجتماعية حقيقية تتسع وتتغذى على الاحباط والاحتقان

منذ إقدام عضو البرلمان السابق الدكتور أحمد عويدي العبادي على القضم بأسنانه، في حادث شهير أمام الكاميرات، أذن زميله آنذاك منصور مراد، يتغذى العنف الجسدي على عدة أنماط من التواطؤ الاجتماعي والرسمي والشعبي والأمني.
تحت قبة البرلمان، برزت وتجلت الكثير من مظاهر العنف، وصمت عليها الجميع بل بررها الجميع أيضا، ويدفع المواطنون اليوم كلفة هذا التواطؤ البيروقراطي والنخبوي الذي يشرعن عمليا مظاهر عنف المواطن ضد شقيقه، في مجتمع محافظ بطبيعته، كان يُضرب فيه المثل في منظومته الاجتماعية والعشائرية المنصفة والمحافظة.
ـ أطلق عضو في البرلمان النار من سلاح آلي باتجاه زميل له. دفع الشاب النائب ثمنا لفعلته لكن لا أحد توقف ليسأل كيف سمح أصلا بدخول سلاح ناري إلى تحت قبة التشريع.
ـ هدد نائب محاورا تلفزيونيا على الهواء مباشرة بمسدس، وظهر المسدس وعلى خصر النواب ثلاث مرات على الأقل تحت قبة البرلمان.
لا يتعلق الأمر هنا بمكانة السلاح الفردي في العرف الاجتماعي، فتلك قيمة تعايش معها الأردنيون منذ عقود وضبطت في الأخلاق العشائرية والقبلية والسلاح لكن في الماضي لم يستخدم خارج نطاق الكرامة والشرف والدفاع عن الوطن والأخلاق، وعندما كان يستخدم في اتجاهات مخالفة لتقاليد العشائر والمجتمع، يدفع من يفعل الكلفة عالية.
صمتت السلطة على هذه المظاهر العنيفة والتي لم تقتصر على الفعل بل سبقتها دوما الأقوال فقد صفق الجميع في الدولة لنائب هدد علنا بنتف لحية شيخ كريم وفاضل وطني ومعتدل من وزن الشيخ حمزة منصور.
صفع نائب ايضا رجل أمن في الشارع وتشاجر النواب عدة مرات وتم تصفية بعض الحسابات ضد إعلاميين وكتاب وصحافيين بواسطة الزعران والبلطجية.
طوال الوقت وفي مواجهة مظاهر العنف الاجتماعي خصوصا تلك التي يرتكبها أشخاص محسوبون على هوامش الدولة والمؤسسات، أو يكثرون من التشدق بالوطنية والولاء والانتماء رصدنا جميعا ظاهرتين.
الأولى تردد وبطء وزحف في إنفاذ قوة القانون وتبرير وتمرير وتلاعب حتى يفلت المسيئ من العقاب.

وفي الظاهرة الثانية تواطؤ عجيب من المجتمع والأصدقاء والنخبة والمحاسيب والأقرباء وتصفيق حار وعباءة اجتماعية وأحيانا عشائرية تكافئ الانحراف ولا تستنكره، لا بل تميل في بعض الأحيان إلى اعتبار العنف عنوانا للرجولة أو لكرامة المنطقة أو الجماعة.
يمكن ببساطة اتهام السلطات والحكومات المتعاقبة بالتقصير والتراخي في الحفاظ على هيبة القانون. ويمكن ببساطة أن نخطب ليلا نهارا ضد السلطة والمسؤولين بسبب هذا القصور. لكن عندما يتعلق الأمر بالمجتمع وانحيازاته الغريبة والتي لا مبرر لها أحيانا، لا يمكن لطم الحكومة أو لوم السلطة أو توجيه النقد للدولة فحماية منظومة الأخلاق والقيم مهمة جميع أركان ومكونات المجتمع. والأخلاق الاجتماعية لا يمكن تنشيطها أو تثبيتها بقرار سياسي أو بتشريع قانوني وعلى المجتمع الأردني الذي تؤلمه خاصرته اليوم جراء العنف الاجتماعي الأسري المريض أن يتحرك وعيه المسؤول، لأن التواطؤ الاجتماعي مع العنف اليوم أصبح خطرا ماحقا يغتال مستقبل الأردنيين، ولم يعد الأمر يتعلق بمجرد أحداث بسيطة أو صغيرة أو محدودة تقع هنا وهناك، بقدر ما يتعلق بظاهرة اجتماعية حقيقية تتسع وتتغذى على الإحباط والاحتقان من الطراز الذي لا يمكن هزيمته بقرار سلطة أو بغطاء سياسي أو بقانون وتشريع.
من يرتكب جريمة إطلاق النار ابتهاجا أردني في النهاية، ومن يصفق له ويزوده بالذخيرة ويحاول دفعه للإفلات من العقاب أردنيون أيضا.
ومن يرتكب أي جريمة جنائية ويحمل سلاحا متجاوزا القانون أو يستعمله خارجه، عدو وخصم للأردنيين ولمستقبل أولادهم وليس للسلطة أو الحكومة، فأجمل ما يمكن أن تتمتع به أي سلطة مجتمع يمجد الانحراف وينقسم على نفسه ولا يعزل المخطئ ويدافع عن ارتكاب الخطأ أو يبرره، فتلك أفضل الهوامش التي تحتاجها أي حكومة للتفوق على مجتمع جاهل يمكن ببساطة تصنيفه في دائرة ومستوى العداوة مع نفسه وليس مع أي جهة أخرى.
نقول هذا الكلام ونحن نحاول توفير تفسير لجرائم بمنتهى الغرابة وجدت للأسف في المجتمع من لا يستنكرها لا بل يتواطأ معها أحيانا، وتعاظمت مع سلطة وحكومة لا تريد البحث العميق في التفاصيل وتبدو مرتاحة لماكينة العنف الأسري والاجتماعي التي تقطع أوصال المجتمع وتعيده إلى عصور الجاهلية الأولى.
لا يمكن وتحت أي ظرف تبرير جريمة الرجل الذي فقأ عيني زوجته وهي ابنة عمه وأم لأطفاله الثلاثة فتلك جريمة تنتمي لما قبل الإنسانية والبشرية وغادرها الشعب الأردني قبل حتى نشوء دولته.
ولا يمكن أيضا فهم الأسباب التي أدت بزوجة لقضم وخلع أذن زوجها بأسنانها وطبعا من الصعب فهم الأسباب التي تدفع شابا مدمنا لقتل والدته طعنا وهي تصلي ثم تقطيع جثتها.
التواطؤ مع العنف الاجتماعي والأسري المتنامي في الحالة الأردنية أبشع بكثير من تلك الجرائم الوقحة والبشعة التي بدأنا نسمع عنها بين الحين والآخر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى