حرب غربية على «ورك رضيع» … نداء خاص للتوانسة: «سافروا عاونوهم»
فعلت صورة «الأطفال الخدج» – التي تدأب محطة «الجزيرة» على زرعها كخلفية لكل متابعات غزة – فينا جميعا ما لم تفعله أي صورة أخرى.
سياسي مخضرم وثمانيني، صدمني وهو يتحدث حصرا عن تلك الصورة.
سألني أولا: هل دققت بالطفل الثالث من بين 7 رضع خدج؟
لاحقا تدفق الرجل مع دمعتين في مقلتيه: الخدج رقم 3 كان يرفع رجله اليسرى مع ذراعه بحركة غريبة توحي أنه «يتألم» خارج الحاضنة.
للتأكيد وبكل عفوية صاحبنا وهو رجل متقدم بالسن استند إلى عكازته بيده اليسرى، ثم رفع رجله في الهواء، فيما اختنق صوته، وهو يحاول تقمص وتمثيل مشهد رضيع يفوقه صاحبنا عمرا بـ80 عاما على الأقل.
تلك بعض فعايل الشاشات فينا.
مجددا، وعلى طريقة زميلنا المبدع ماجد عبد الهادي، يمكن التوقف عند عبارة تقول: آلة البنتاغون وإسرائيل والغرب العسكرية تحشدت على ضفاف «حفاظة طفل رضيع»، وحصرا في «محور الورك» للصغير، الذي استشهد قبل شربة قطرة الماء الأولى على شراشف مستشفى الشفاء.
ورك رضيع
هي حرب على ورك الرضيع إذا، فيما مدير المستشفى، وفي اتصال هاتفي نادر معه عبر «سكاي نيوز» يعلن: لا نريد من جيش الاحتلال حاضنات أطفال مزيفة… فقط كمية وقود لتشغيل حاضناتنا.
نعم، هي حرب كونية على «ورك رضيع» عمره ساعات فقط، قررت الحضارة الغربية تجاهل «صرخته» وسلاحه الوحيد «حفاظة طفل» مبتلة بحجم الضمير الإنساني الغائب!
الأهم أن تلك الصورة لا يمكن إسقاطها من أي حساب بعد الآن، وكذلك صوت مدير المستشفيات في قطاع غزة، وهو يعيد ويكرر، ردا على استفسار مذيعة تلفزيون «الحدث»: «حسبي الله ونعم الوكيل.. ماذا أقول؟ كيف أقوله؟»!
قال الطبيب للمذيعة: يا أختي ما يحصل ضد شعبنا لم أقرأه بالتاريخ».
مذيعة قناة «العربية»، بدورها وجهت سؤالا للسفير الفلسطيني حسام زملط في بريطانيا استخدمت فيه صيغة «الصراع بين الجانبين» فأوقفها السفير، معترضا على «صيغة المثنى والسؤال»، محاولا إعادة كاميرا «العربية» إلى صوابها لأن الوصف الأدق هو «العدوان العسكري الإسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني»!
قلقون على السفير
لن أصاب بأي صدمة إذا تقررت فجأة تغييرات في السلك الدبلوماسي، بينها «نقل زملط» تحديدا أو إحالته على التقاعد بعدما «لوع قلب» أنصار العدوان في «سي أن أن» و»بي بي سي».
قد نرى قريبا شابا لا يفقه شيئا في العمل الدبلوماسي وأرشيفه يعيده إلى سنوات خدمة في جهاز الأمن الوقائي من خريجي «حضانة دايتون»، وقد كلف بمهمة تمثيل فلسطين في لندن، بدلا من «زملطنا»، كما حصل في عاصمتين أوروبيتين.
قلقون على زملط طبعا، والدليل هو مضمون الاتصال الهاتفي بيني وبين معد أحد البرامج في تلفزيون «فلسطين» عندما هاتفني للمشاركة على الهواء، فأبلغته قبل توريطه بأني «رح أنتقد أداء السلطة ومركزية حركة فتح».. طلب الزميل الإذن والعودة لي، لكنه لم يفعل.
نصب مرمرة وأردوغان
رواية شبكة «كان» العبرية المتلفزة قالت لنا بوضوح إن فريقا خاصا من القوات العسكرية توجه قصدا لنصب «سفينة مرمرة»، بالقرب من شواطىء غزة وهدمها على طريقة هدم تمثال صدام حسين في بغداد.
هل تذكرون سفينة مرمرة التركية، التي تحولت إلى رمز لفك الحصار عن القطاع؟!
ما علينا، قرر العدو توجيه رسالة للرئيس أردوغان، الذي خطب في الأمة، وقال الكثير، ونشكره، لكنه لم يفعل مثل بيتنا، أي شيء محدد من تلك الأشياء التي يستطيع فعلها.
أحب تركيا أردوغان، لكن أجزم أنهما يحتفظان لأسباب غامضة، وقد تكون مريبة لنا نحن ضحايا الاعتداء، بأشياء محددة يمكن أن تفعل لتخفيف معاناة أهلنا في غزة.
يستطيع أردوغان مثلا إرسال قارب أكبر قليلا من مرمرة عبر البحر، ويمكنه حفاظا على الدم التركي جمع شهداء متطوعين مفترضين ومن أبناء قطاع غزة وإيصالهم لإنتاج حالة أو جذب الإعلام وخدش العملاق المحتل، مع كاميرات شبكة «تي آر تي».
في غزة قصف العدو المستشفى الميداني الأردني ومكتب اللجنة القطرية، وقبل ذلك الجيش المصري. تلك طبعا «رسائل بالنار» لكل من يفكر، ولو للحظة بسلوك خارج «الاستعباد».
بعد كل تلك الدماء يطل علينا بنيامين نتنياهو في تغطية خاصة لمحطة «سي أن أن» بطلبه الغريب «سلطة مدنية تربي أطفال غزة على سلوك قيمي وثقافي يتعاون معنا»!
اختصر الدكتور مصطفى البرغوثي علينا جميعا التعليق، عندما سألته مذيعة «الجزيرة» قائلا: «هذا كلام واحد مجنون، لا يمكنه أن يكون طبيعيا».
عمليا، حتى يحصل نتنياهو على «التعاون المطلوب» عليه، ومن والاه من العرب والعجم، أن يطلبوا الغفران من ورك الرضيع إياه، أو عليهم جميعا العودة لأرشيف الفضائية التونسية للإصغاء لذلك الطفل الذي جرح قلوبنا وهو يبكي في شارع الحبيب بورقيبة بحسرة ويصيح: «والله حرام.. وينكم يا التوانسة… سافروا لغزة عاونوهم».