اراء و مقالاتمقالات وآراء

حفلة «غاضبون» تزيد تعقيدات المشهد الأردني وينضم إليها «حائرون» ومحتقنون من رجال الأعمال والسياسة والشارع

 

 من هم وقود التحذير الذي يحمل اسم «كاظمون للغيظ» في الحالة الأردنية؟
في هوامش مشهد التأزيم المحلي، وخصوصاً بعدما قفز إلى سطح الحدث ملفا المعلمين والإخوان المسلمين، حذر أحد السياسيين الكبار وهو يحاول إقناع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بالتحرك من زيادة رقعة الغاضبين والمحتقنين من المواطنين.
الغاضبون كثر في الحالة الأردنية… بعض هؤلاء حراكيون سابقون أصبح الاعتراض بالنسبة لهم حرفة ومهنة، وابتزازاً في بعض الأحيان. والبعض من الغاضبين المحتقنين يمثلون شريحة ضحايا التداعيات الاقتصادية لأزمة الفيروس كورونا، وهي شريحة يحذر المستشار الاقتصادي الخبير محمد الرواشدة، من أنها قد تطال سكان الاقتصاد المتوسط أو الطبقة الوسطى، وقد تضم غيرهم في النادي نفسه.
الأزمة بالنسبة للرواشدة -وقد تحدث مجدداً لـ «القدس العربي»- غير طبيعية اقتصادياً، وتحتاج إلى مقاربات غير تقليدية في المعالجة والاحتواء، وعدد المتضررين حتى الآن لا يستهان به، وعدد الخاسرين لاحقاً إذا لم يحصل استدراك وطني في التخطيط الاقتصادي قد ينضمون. وفي حفلة الغضب، أو الغاضبون في الحالة الداخلية الأردنية، يزيد عدد المعنيين بها على نحو أو آخر.

ثلاثة أسئلة محورية تتجول وأهمها المتعلق بالتأثير المحتمل على «الانتخابات»

في زوايا الشرائح، والمحتقنون دعاة التأزيم، والمعلمون وعدد كبير من الإسلاميين، وعدد أكبر من الحزبيين والنقابيين، ودعاة الإصلاح والتغيير، وعناصر التيار المدني… هؤلاء جميعاً قلقون على الحريات العامة ويتحدثون عن ضرب منهجي غير مفهوم لمؤسسات العمل الحزبي والمدني والنقابي وبصورة متكررة.
نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، سأل علناً وقبل أشهر أمام «القدس العربي» السؤال نفسه: ما البديل عن تفكيك المؤسسات الحزبية والنقابية العريقة؟ ومؤخراً، انضم إلى حفلة الاحتقان في الأردن معلمون في مواقع متقدمة، لديهم مطالب معيشية، وعددهم كبير جداً في عمق أزمة القطاع العام.
.. ما الذي سيحصل؟
من يقابل اليوم باحثاً عن جواب عن السؤال المذكور رئيس الوزراء الحالي شخصياً، سيسمع منه عبارات أسف على الواقع الموضوعي، وعبارات تؤكد بأن حكومته ولدت أصلاً على أساس أنها حكومة تؤمن بالتحول المدني وتحمي الحريات النقابية، لكن الأمور تفلت وتصبح أكثر تعقيداً. تلك إجابة مختصرة لما رصدته «القدس العربي» من خمس شخصيات على الأقل قابلت الرزاز مؤخراً.
لكنها إجابة ليست بحجم السؤال، ومقتضبة جداً، ولا تعني شيئاً بالنتائج، وقد تبدو سياسياً جواباً اعتذارياً يظهر العجز عن حماية نصاب العمل النقابي والحزبي والمدني الحر والإفلاس نسبياً على نحو أو آخر. وتبدو الرسائل مشوشة أيضاً، فخلال اجتماع لنحو 50 مثقفاً وناشطاً ورجل دولة، سأل وزير البلاط الأسبق الدكتور، مروان المعشر، عن الوسيلة المتاحة لإبلاغ صناع القرار بوجود رأي آخر في الساحة يوازن المشهد، بعدما تسلم الميكرفون والأدوات عديدون يخيفون صناع القرار من كلفة الإصلاح والتغيير فقط.
لا يوجد سبيل في هذا السياق يمكن التوافق عليه.
والإشارة التي فهمتها «القدس العربي» من شخصية بوزن المعشر أن بعض الأطر تحجب رأي الناس والشعب والشارع، وأن المقاربة البوليسية دوماً لا يمكنها أن تشكل حلاً من أي نوع يقترب من الحفاظ على التوازن الذي اشتهرت به البلاد طوال عقود وميز المسيرة الأردنية. وليس سراً هنا أن حفلة الحيرة التي توازي فعالية الغضب لها حصة ونصيب أيضاً في المشهد السياسي النخبوي اليوم. فثمة شريحة من رجال الدولة والحكم، لديها ملاحظات حائرة ولا تستطيع التواصل مع صناعة القرار في الحكومة أو خارجها، وتشعر بالاحتقان الذي يشعر به بسطاء أردنيون.
يمكن تلمس التعبير الأدق عن ذلك من خلال التجاهل الإعلامي والرسمي الكبير لبيان صدر ولم يحفل به أحد باسم مجلس الشؤون الدولية والعربية، وهو مجلس خبراء وحكماء محسوبون على الدولة دوماً. وليس سراً، في السياق نفسه، أن طبقة «الكاظمون» ولو لبعض الغيظ، أو حتى «الحائرون» تضم بين أجتحتها أيضاً عدداً كبيراً من رجال المال والأعمال، الذين تتراوح اتجاهاتهم ومواقفهم ما بين القلق والتحفظ، وبين الخوف من المستقبل وسيناريو التحول إلى ضحايا، حيث كلف لا يريد رئيس الطاقم الاقتصادي في الحكومة الدكتور محمد العسعس الإقرار بها أو دفعها لإحباط خطته تحت عناوين تلك المخاوف التي برزت عند تنفيذ مسلسل المداهمات الضريبية وتحقيقات العطاءات والفساد.
وبالتلازم أيضاً، برامج استعادة مال الدولة التي ركز عليها رئيس الوزراء عمر الرزاز كثيراً وهو يريد ويعلن خططه لكسر ظهر الفساد. ويخشى المستشار الرواشدة أن يساهم التعميم الأفقي والإصرار أحياناً على الانتقالية بكسر ظهر رجال الاقتصاد وليس الفساد، مصراً على مقاربة منصفة وعادلة وقانونية تقلص من شأن العشوائية والارتجال والانتقائية.
وهو نفسه ما يدعو إليه الوزير السابق والمعارض حالياً أمجد هزاع المجالي، عندما يؤكد لـ «القدس العربي» الحاجة الملحة لمعركة جذرية وعميقة ضد الفساد والفاسدين، وليس لنسخة انتقائية مسيسة. طبعاً، لدى الوزير العسعس إجابات حاسمة على كل هذه التساؤلات، وقد سمعته «القدس العربي» مباشرة يتحدث عن معادلة قوامها بيئة صحية نقية جاذبة للاستثمار الحقيقي النظيف.
تلك مقولة تبدو عميقة ومنسجمة مع رؤية الدولة في المسار الاقتصادي، لكنها في أوساط بعض رجال الأعمال مخيفة؛ لأنها توحي ضمنياً بحصول العكس في الماضي، ما يساهم في انضمام بعض رجال الاقتصاد مثل بعض السياسيين إلى حفلات الحيرة والاحتقان.
من هم الغاضبون حقاً؟ وهل سيزيد عددهم فعلاً؟ وما هي كلفة ذلك في الانتخابات البرلمانية المقبلة إذا انعقدت؟ تلك أسئلة ثلاثة مهمة اليوم، لا يمكن القول بأن الإجابة عنها متاحة أو سهلة أو يسيرة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى