اراء و مقالات

خفايا العلاقة بين الأردن ومصر: «فجوة» ملحوظة وحجب معلومات عما يحصل في «فيلادلفيا»

إثر التداعيات الخطيرة لسيطرة إسرائيل المستجدة على «المعبر»

عمان ـ «القدس العربي»: لم يكشف النقاب رسمياً عن مضمون الرسالة الشفوية التي نقلها رئيس وزراء الأردن الدكتور بشر الخصاونة الأسبوع الماضي باسم القيادة الأردنية، إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
لكن الانطباع السياسي العام في عمان على الأقل ووسط نخبتها هو الإحاطة بأن مصر والأردن عليهما التحرك أكثر وبصورة فعالة لوقف بعض التداعيات الخطيرة لما بعد الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا وعلى بوابة رفح.
صحيح سياسياً وإعلامياً كانت رسالة العاهل الأردني للسيسي شفوية ولم يكشف النقاب عن مضمونها المباشر، لكن صحيح أيضاً أن الخصاونة نفسه تحدث في القاهرة عن ملفين، هما: إقفال بوابة رفح على المساعدات، والحرص مجدداً على منع التهجير من داخل قطاع غزة.
في المقابل، وبعيداً عن صناع القرار الحكومي في عمان، يتلمس الخبراء والمراقبون فجوة ملحوظة بالرغم من كثرة الإعلان عن تنسيق وتشاور وعمل ثنائي بين قواعد الاشتباك الأردنية ونظيرتها المصرية. وفي عمق المؤسسة الأردنية من بدأ يوحي ضمناً بأن الصمت المصري على دخول القوات الإسرائيلية وسيطرتها على معبر رفح يؤسس لتعقيدات أمنية مصرية وليس فلسطينية فقط.
وإن هذا الصمت الذي يتم عرضه عبر وسائل الإعلام الناقدة باعتباره تواطؤاً لا يتضمن ضمانات من الإسرائيليين لا بإدخال مساعدات عبر معبر رفح من خلال السيطرة عليه، ولا بمنع التوسع في عملية عسكرية قيل إنها محدودة في رفح.

إثر التداعيات الخطيرة لسيطرة إسرائيل المستجدة على «المعبر»

مع الرسالة الشفوية المنقولة للقيادة المصرية يمكن الاستنتاج بأن الأردن بدأ يشعر بالقلق أكثر، وبأن الحاجة لا تزال ملحة لضمانات آمنة في أي خطوة مصرية، في الوقت الذي بدأت تشير فيه بعض أوساط المقاومة الفلسطينية إلى أن ترتيبات محور فيلادلفيا لها ترميزها وأبعادها الخطرة، وأن الأردن ليس بعيداً عن أي ترتيبات في السياق تسعى لإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة باعتبار ذلك من اشتراطات وقف الحرب.

وتر حساس

ما تقوله أوساط المقاومة، لا بل ما قالته لشخصيات أردنية مؤخراً من بينها أعضاء برلمان في إسطنبول، أن عودة أجهزة السلطة إلى المعابر وعمق القطاع على رافعة إسرائيلية هي خطوة تضع الحصان خلف العربة ولا يمكنها أن تكون منتجة الآن؛ لأن المقاومة في ميدان في الواقع، ولن تقبل بذلك.
نصحت شخصيات برلمانية أردنية اطلعت «القدس العربي» على مضامين حواراتها مع قادة في حركة حماس، بأن لا يسرع الأردن في إضفاء شرعية على تفاهمات معابر وفقاً للتصور المصري فقط، وتلك نصيحة يبدو أنها ضربت وتراً حساساً في صناعة القرار الأردني، لأن مصر تتصرف أحياناً منفردة، الأمر الذي ينتج عنه مطبات، وفقاً للسيناريو الأردني.
عبر الجنرال والخبير العسكري الأردني قاصد محمود، عندما تحدثت إليه «القدس العربي» عن قناعته بأن عملية رفح العسكرية الإسرائيلية محدودة وتبحث عن نصر رمزي لجيش إسرائيل، وحظيت بغطاء أمريكي وعربي. ويخشى كثيرون في الأردن أن تكون بلادهم جزءاً من ذلك الغطاء، فيما يوحي به ثبات العلاقات مع المصريين.
وما يلاحظ عموماً في السياق، أن القاهرة مثل رام الله، تحجب المعلومات أحياناً عن عمان، وأن سلطات مصر تفاجئ الأردنيين الشركاء ببعض التفاهمات والترتيبات بدون تنسيق مسبق.
وقالت عمان بوضوح على لسان وزير خارجيتها أيمن الصفدي عندما استفسرت منه «القدس العربي» إن الحراك والنشاط الأردني بوقف العدوان يغرق أحياناً في تفاصيل المستجدات والتحديات اليومية.
تلمح أوساط القيادة السياسية في حركة حماس، وقد استمعت «القدس العربي» لذلك مباشرة، إلى أن المقاومة تتابع استخبارياً التفاهمات التي تحاول أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تأسيسها عبر المصريين ومعهم، بصيغة تحاول إقصاء المقاومة الفلسطينية والضغط عليها، فيما بدأت بعض الأوساط الأردنية تظهر الانزعاج من مستجدين مصريين:
الأول حجب المعلومات أحياناً والامتناع عن تبادلها مع الشريك الأردني.

الحاجة لجهد إضافي

والآخر هو الحاجة دوماً لبذل جهد إضافي أردنياً لبقاء الموقف الرسمي ثابتاً في الملفات الأساسية، مثل التهجير والتحريك الديموغرافي، والحرص الشديد على بقاء معبر رفح مفتوحاً لإدخال المساعدات، لأن عمان مقتنعة تماماً -وقد أبلغت المصريين بذلك- بأن منهجية تجويع أهل غزة تحقق نتائج عكسية في سيناريو تقويض الكتائب المسلحة للمقاومة، كما أن التجويع يسمح لأطراف أخرى مثل إيران و«حزب الله» اللبناني وأنصار الله في اليمن، بالتدخل أكثر في الملف.
الأسلوب المصري يؤذي التصورات المشتركة مع الأردن، والسياسي مروان الفاعوري قالها لـ «القدس العربي» بوضوح عندما أشار إلى أن مصر ينبغي أن تتجنب النظر لها كطرف في الصراع ضد الفلسطينيين، وأن موثوقيتها في ملف المساعدات والمعابر هي بنسبة لا تخدم المقاربة الأردنية برمتها. ثمة هوامش مرصودة وملموسة وفوارق بين التموقعين، المصري والأردني.
وتعقيدات التحالفات الأردنية قد تتعاكس مع أولويات المؤسسة المصرية، ما يجعل الشراكة معقدة وتحتاج إلى مزيد من العمل أو بالحد الأدنى مربكة للأردنيين، الأمر الذي يقتضي بطبيعة الحال الحرص على البقاء دوماً في أقرب نقطة ممكنة لدوائر القرار المصري، وعبر زيارات مباشرة أو استقبالات أو إرسال موفدين، وحتى الاستثمار في رسائل شفوية منقولة تجنباً لمغادرة منطقة الملاحظة المكتومة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading