«دراميات» حسان: «الجيو سياسي» الأردني فوق الطاولة وتحتها والغياب عن واشنطن لأكثر من «عام ونصف» مربك
عمان- «القدس العربي»: طبيعي جداً ولأسباب عدة أن يثير تعيين الدكتور جعفر حسان مديراً لطاقم مكتب ملك الأردن، في هذه المرحلة تحديداً، تساؤلات حائرة ومبالغات درامية في التوقع والتكهن بمختلف الاتجاهات. تعيين حسان هنا ترافق مع إحياء منصبه الجديد بعد سنوات من تجميده، وتطلب إقالة ثلاثة مستشارين دفعة واحدة، وأعقب الإعلان عن الفتنة والمؤامرة لزعزعة أمن واستقرار الأردن.
تلك ثلاثة أسباب رئيسية، ويوجد غيرها، توحي ضمنياً بأن المسألة لا تتعلق فقط بشخص قديم جديد دخل إلى لعبة المناصب العليا في الدولة، فحسان تقلد مناصب وزارية ست مرات على الأقل.
ضغوط كبيرة جداً
والوضع الاقتصادي، وتحديداً المالي للخزينة، حساس للغاية. ومنطق الأمور يشير إلى احتمالية عودة تجربة وزارة الظل التي كان حسان رائداً فيها، وطبيعة الأزمة اقتضت عودة الأخير، والحكومة يقر أركانها وليس خصومها بأنها خالية من شخصية أساسية في الطاقم تجيد مهارة «التفاوض المالي» تحديداً مع الدول الكبرى.
سمعت «القدس العربي» مباشرة تقديراً يتبناه وزير المالية في الحكومة الدكتور محمد العسعس، في مسألة الاستعداد للتفاوض على السياق المالي في المرحلة اللاحقة. وقبل ذلك سمعت من أقرب مسافة للمقربين من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، إقراراً بالحاجة إلى تنشيط قيادة الطاقم الاقتصادي؛ فحجم العمل كبير جداً، ومسألة تأمين ضخ المساعدات المالية تحديداً عابرة لأي حكومة، خصوصاً في ظل وضع معقد على صعيد العلاقات التحالفية بين الأردن وبعض الدول المجاورة.
الضغوط كبيرة جداً. حتى في رأي مراقب خبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة، على «الجيوسياسي الأردني» والجغرافيا الأردنية فاصل سياسي أساسي اليوم لا بد من التعامل معه عندما يتعلق الأمر بإعادة ترتيب أوراق الإقليم والمنطقة.
ولأن الشارع الأردني مصدوم للتو ويحاول البحث عن أقرب طريق للتعافي الوطني، على حد تعبير السياسي الدكتور ممدوح العبادي، بعد الشعور بالألم والشرخ والصدمة جراء الإعلان عن أحداث الثالث من نيسان.. يمكن القول ببساطة بأنه كان من المتوقع أن تثير عودة شخصية مثل الدكتور حسان إلى موقع متقدم في الخارطة النخبوية جدلاً وتجاذباً ونقاشاً في بعض التفاصيل، خصوصاً أن معلقين كثراً وأحياناً كباراً اعتبروا الاستعانة مجدداً بالدكتور حسان رسالة تؤكد ضمناً التمسك بالنهج في إدارة الأمور حتى عندما تخذل المؤسسة بسبب أدوات ورموز.
بمعنى آخر، الظرف الذي يعود فيه لاعب مثل حسان الذي يعلم الجميع طبيعة اتجاهه السياسي في الإدارة الاقتصادية والتفكير المالي، معقد وحمال أوجه ومفتوح على احتمالات، والأمر الذي يزيده تعقيداً أن حسان نفسه أسس لانطباع قديم عن طريقته في العمل خلال سنوات خدمته الطويلة وسط النخبة السياسية؛ فهو «استحواذي ويزاحم بشدة» ويتحرك ضمن مجموعة من طبقة المسؤولين محسوبة عليه وشكلت رافعة له، ومن المبكر القول إنها تستعد وتتحفز للعودة أيضاً، مع أن بعض حلفائه يقولون بأنه «تغير الآن».
ليس سراً هنا أن المدرسة التي يمثلها الدكتور حسان ليست مرغوبة شعبياً، وسبق أن هاجمها الحراك، ولا تنتبه كثيراً للكلفة الاقتصادية على الناس والمجتمع عندما يتعلق الأمر ببنية الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية.
وليس سراً في المقابل أن خبرات الدكتور حسان مقر بها على صعيد الاشتباك مع جبهات التمويل الدولي والقدرة على القيام بأعمال مكتبية شاقة. لكل ذلك يمكن القول بأن عودة حسان إلى موقعه القديم حدث بكل الدلالات على الصعيد الأردني، فملف الفتنة لا يزال طازجاً، والاستحقاقات والتداعيات المالية محرجة وصعبة، والعودة إلى صيغة برنامج حسان والظل تعني تغييرات أخرى على الأرجح في بعض المناصب الكبيرة، وموسم التغيير بدأ بحسان ولم ينته به.
غياب الشفافية
وعليه، لا علاقة للأمر بالتفاؤل والتشاؤم؛ لأن العبء كبير والإشكالات أكبر بكثير مع التحديات من أن يستطيع حسان أو غيره التعامل معها، فالأخير يعود إلى منصب مهم في الواقع بعد مرحلة كان يقترح فيها بعض مريديه تعيينه سفيراً في هولندا.
مع غياب الشفافية وبرامج العمل الواضحة، ومع تداعيات الجيوسياسي المرهقة والمتغير الإقليمي الذي يعصف بكل الهواجس، وبعد غياب أردني نادر لأكثر من عام ونصف عن مواقع القرار الأمريكي تحديداً، يصبح الحديث عن تغيير المناصب وهوية أصحابها مفصلياً وأساسياً في لعبة التداول والتدوير النخبوية الأردنية، وهي مسألة تتغذى على الاحتقان العام وندرة المعلومات والحقائق كما تتغذى على الإغراق في التوقعات.
المبالغة في إلقاء الضوء على موظف برتبة رفيعة مثل حسان أو غيره مؤذية جداً له وللحالة السياسية والاجتماعية في الأردن، ويمكنها أن تتحول ببساطة – نقصد تلك المبالغة – إلى عبء على الدولة ومركز القرار في أي لحظة تنفلت فيها الملفات.
لن يستطيع حسان أو غيره إنجاز أي شيء على الأرض منفرداً في مقاربة الأولويات الأردنية؛ لأن المطلوب – كما يشير القيادي في التيار الإسلامي المعارض زكي بني ارشيد- أكبر بكثير من مجرد أشخاص أو أسماء، والحاجة ملحة للإيمان بالتغيير والإصلاح والتعامل معهما على أساس منهجي.
وتصل مثل وجهات النظر هذه إلى الاستنتاج المحكم بأن هوامش المناورة في الإنجاز أمام الأفراد بصرف النظر عن هويتهم وخلفيتهم محدودة وضيقة، فالدكتور حسان حتى وإن بدل في سلوكه واتجاهات خبرته مستفيداً من ملاحظات الماضي، فعليه العمل مع الحكومة بجدية وفي إطار العمل المؤسسي الجماعي، ولا تخدمه إطلاقاً ولا تقدم له أي فرصة نجاح حقيقية تلك الأضواء التي تلاحقه وتتسلط عليه منفرداً دون غيره.
المهمة صعبة، وبصرف النظر عن الظروف والملابسات التي قفزت بحسان وستقفز بغيره قريباً إلى «كابينة» قيادة المؤسسات الأردنية، لم تعد فرص النجاح الحقيقي مرتبطة بملء فراغات هنا أو هناك، وما يحصل من تهويل وتضخيم الآن لا بل أيضاً من تسليط الأضواء الإعلام مضر جداً بالمؤسسة وبحسان وبغيرهما.