«ذباب إلكتروني» من منشأ «هندي» وأرقام الجسور تؤكد: «الفلسطيني لن يغادر»
مستشفى نابلس الأردني بين «الوقائع» والشائعات
عمان ـ «القدس العربي»: حجم ومستوى ومنسوب المواد المنتجة للتشكيك بمواقف الأردن من هنا وهناك وصل إلى معدلات فيها زيادة ملحوظة بعد دمجها بصور فيديو أحياناً مرتبطة حصراً بالساحة التي أقيمت فيها تجهيزات المستشفى الميداني الأردني الجديد في مدينة نابلس.
مجدداً وعلى الرغم من الموقف الرسمي الأردني المتقدم في مواجهة العدوان الإسرائيلي على كل الصعد، يضطر مسؤولون أو متحدثون باسم الحكومة في مجالسات وسهرات عمان السياسية إلى الإشارة مرة أخرى لمحطات من الذباب الإلكتروني تعيد إنتاج السلبية والتشكيك في مواقف الدولة الأردنية فلسطينياً.
سمعت «القدس العربي» من تحدث عن خلية مشاغبة إلكترونية توبعت، وتبين أن مصدرها الهند. وسمعت مختصاً يتحدث عن ذباب إلكتروني يواصل شغبه في المسافة الحساسة بين الأردن والفلسطينيين في إحدى الدول الخليجية. لكن الرأي الأعم ما دام المصدر الأكبر هندياً، هو ذلك التقديم الذي يشير إلى أن إسرائيل أو أطرافاً فيها هي التي بدأت بترويج الشائعات، وهو انطباع يمكن المصادقة عليه برأي الراصد الإلكتروني المختص رامي معلا، الذي شرح لـ«القدس العربي» مقترحاته بعنوان «عاصفة مشاغلات إسرائيلية المصدر تشمل الرأي العام في الأردن وفلسطين هذه المرة». يضم المعلا صوته للقائلين برصد مواد مصورة أو صوتية مجهولة المصدر، ويرجح أن الأم المنتجة هنا على الشبكة هي إسرائيلية على الأرجح، ويطالب الإدارة المختصة بالأمن السيبراني محلياً بالاشتباك والفضح وكشف ما لديها من معلومات للرأي العام.
إزاء هذا الصنف من المنتجات الإلكترونية المريبة، اضطر وزير الخارجية أيمن الصفدي مرة واحدة لاستخدام مثل شعبي يتحدث عن «رغيف الشعير المأكول المذموم». لكن قواعد ذلك الرغيف ينبغي أن تحرص دوائر العمق في القرار الأردني على احتوائها أيضاً؛ لأن الأسوأ من وجود تسريبات مناكفة على موقف الأردن ودوره هو الاعتماد على تلك المنتجات الرديئة وبناء رد فعل رسمي عليها أو بسببها، خصوصاً من جهة تيار داخل أروقة النخب والقرار يحاول إعاقة اشتباك البلاد مع المعطيات الإسرائيلية اليمينية.
وهو نفسه التيار الذي يبدو أنه لا تعجبه معطيات الاشتباك تلك ويحاول التخفيف من حدة تقدم الموقف الرسمي بذريعة خطاب مسارات التكيف وعبر العودة إلى كلاسيكيات الإسرائيليات القديمة.
في المقابل، يمكن رصد بضاعة رديئة تحاول جهة ما ترويجها هنا. وحتى اللحظة تلك بضاعة لا يشتريها الشارع الأردني ولا الفلسطيني.
مستشفى نابلس الأردني بين «الوقائع» والشائعات
لكن يمكن بالتوازي رصد محاولات بيروقراطية ونخبوية خلف الستائر للإعلاء من شأن تلك البضاعة المستندة إلى ثقافة الرغيف المأكول المذموم بصيغة تبدو خطرة أكثر من الشائعات، وهدفها على الأرجح – سياسياً ووطنياً – هو إعاقة حالة الصدام المتنامية مع أجندة ومشروع الخصم الإسرائيلي.
وفي الوقائع حديث آخر عملياً؛ لأن فكرة إقامة مستشفى أردني ميداني في نابلس تحديداً ومراكز طبية سابقة في الواقع لأحداث السابع من أكتوبر.
وتلك مشاريع تقررت قبل عدة أشهر في الأساس بناء على تنسيق مع السلطة الفلسطينية ولتلبية بعض الاحتياجات، والمعنى هنا أن سوء النية في تفسير وقراءة خطوات المراكز الطبية العلاجية الأردنية في الضفة الغربية قد يرتبط بأجندة سياسية غامض.
والوقائع تشير إلى أن القرار اتخذ في عمان مباشرة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في إطار برمجة رد مباشر على سياسات وبرامج التهجير القسري في فلسطين المحتلة ضمن حزمة وردت على اللسان الملكي في اجتماع تكليفي بالمؤسسة العسكرية، وعنوانها «تعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه».
والمعنى هنا أن تنشيط فكرة إقامة منشآت طبية في الضفة الغربية كانت مقررة أصلاً، هو ما أعقب العدوان على غزة، وفقاً لتوضيحات المصادر الرسمية الخاصة التي تلقتها «القدس العربي» علماً بأن وجود معدات ومستلزمات طبية في نابلس وفي جنين وأريحا، من الطبيعي أن تشمل احتياطات لها علاقة بحالات الوفاة.
والمقصود في النتيجة بموجب الرواية الواقعية أكثر، هو أن اعتداءات المستوطنين وبرامج اليمين الإسرائيلي في الضفة الغربية ساعدت في تفعيل مفاتيح دعم صمود الفلسطيني على أرضه حتى لا يتم تهجيره ببساطة.
وذلك بحد ذاته امتياز تمتعت به القدرات الأردنية، ولا يمكن التشكيك به على أساس مؤامرة ما مفترضة تشارك بها عمان، فيما الأصل في التوجيهات الأردنية الرسمية والتوجهات هو تفعيل بعض الخطوات ضد أي مؤامرات افتراضية بعناوين المضايقة والتهجير.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، قد يكون أكثر وزير خارجية عربي يقرن كل عبارة لها علاقة بالملف الفلسطيني بتحذير مباشر من شرعنة ودعم وإسناد اعتداءات وهجمات المستوطنين على أهالي الضفة الغربية.
ويعني ذلك سياسياً أن التشويش الذي يحصل هنا وهناك ينبغي أن تتجاهله السلطة الأردنية وتتعامل معه بالحجم المتدني الذي يليق به؛ لأن على المحك اليوم سلسلة مؤثرة جداً من الاستحقاقات والتداعيات المرتبطة حصراً بالمصالح الأردنية الأساسية وبالوضع الداخلي الأمني الأردني أكثر من أي مؤشر فلسطيني مختلف.
وعليه، يمكن الاستغناء عن مساحة الجدل الناتجة عن المشاغبات والمشاغلات الإلكترونية التي لا قيمة لها في الواقع، مع ملاحظة أن نشاط الخرائط الذي بدأ يظهر بكثافة باسم مجموعات استيطانية تقترح على أهالي الضفة الغربية المغادرة إلى وطنهم الأردني الجديد يمكن الرد عليه بكل بساطة عبر تصريح إدارة الجمارك في منطقة الأغوار والجسور والمعابر صباح الأحد.
وهو تصريح يشير بالأرقام إلى أن عدد من عبروا إلى الأردن من فلسطيني الضفة الغربية خلال شهر أكتوبر فقط 3 آلاف شخص، فيما الشهر الذي سبقه؛ أي أيلول، فقد بلغ العدد 19 ألفاً، الأمر الذي يعني بوضوح أن أهل الضفة الغربية رغم حرب المستوطنين والجيش الإسرائيلي المعلنة عليهم، زادت معدلات تمسكهم ببقائهم في أرضهم؛ لأن المعدل الشهري في الأحوال الاعتيادية للعبور كان يزيد على 30 ألفاً يومياً.
الأرقام هنا تؤدي إلى تكذيب رواية إسرائيل والمستوطنين والذباب الإلكتروني معاً.