اراء و مقالات

الأردن: كيف خاض «العسعس» معركة «التحصيل الضريبي» ولماذا؟

عمان – «القدس العربي»: قد يجد الملاحظون السياسيون مبرراً يميل إلى المنطق عندما يتعلق الأمر بتصريحات وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس، ضمن مجالساته مع اللجنة المالية لمجلس النواب، بعنوان الحرب التي خاضتها الحكومة على صعيد التحصيل الضريبي وزيادة موارد الدولة من الضرائب.
العسعس، وفي أول اجتماع له مع اللجنة المالية لتمرير الميزانية الجديدة، لجأ إلى جرعة مصارحة ومكاشفة مختلفة نسبياً عندما تحدث عن المواجهة الضريبية باعتبارها حرباً شديدة خاضتها الحكومة دون تعريف مباشر طبعاً للخصم في هذه الحالة، ولكن الفرضية تشير إلى تعريف الخصوم، وهم المتهربون ضريبياً.

قناعتان

لدى الوزير العسعس قناعتان أساسيتان في هذه المرحلة، تم التعبير عن إحداهما على الأقل في الرقم والبيان الملحقين بمشروع الميزانية المالية.
الحقيقة الأولى رقمية، وحسب البيانات تشير إلى نجاح الطريقة التي اتبعها العسعس وطاقمه في إدارة ملف شائك ومعقد هو الملف الضريبي، حيث نسبة التحصيل الضريبي -وفق جدول الميزانية المالية- تقترب من 99 % مصداقية؛ بمعنى أن العوائد الضريبية التي قدرتها الحكومة العام الماضي حيث كان العسعس أيضاً الوزير المعني، كانت دقيقة جداً، مما يشجعه وطاقمه على عرض أدلة وقرائن تثبت النجاح في خطة المواجهة الضريبية، وهي خطة أصلاً كانت حمالة أوجه ومثيرة لعدة سيناريوهات. ويبدو أن رئيس اللجنة المالية البرلمانية الأسبق نمر إسليحات، ومعه سلفه الحالي محمد السعودي، مضطران للإقرار بمصداقية أرقام الحكومة في جزئية العوائد الضريبية.
لكن تلك المصداقية لا تقف عند حدود عوائد الضريبة التي زادت في الواقع رقمياً رغم الإغلاقات بسبب الفايروس كورونا، فالحكومة أظهرت التزاماً شديداً بتقديرها الرقمي الخاص بالنفقات وبنودها.
هنا سيجد السعودي إذا كان ينوي مع رفاقه في اللجنة التعامل مع حقائق الأرقام، أن الميزانية التي يقدمها طاقم العسعس قد تكون صادقة إلى حد غير مألوف؛ لأن الحكومات في الماضي كانت تفلت منها التفاصيل وتزيد وتنقص عندما يتعلق الأمر بأرقام النفقات أو تقدير العائدات.
يسأل خبراء وسياسيون: كيف تزيد عائدات الضريبة فجأة في مناخ فيروس كورونا؟
سؤال ينطوي على تشكيك مسبق، حيث لم يألف المختصون هنا مراقبة ميزانيات مالية فيها قدر أكبر من صدقية التوقعات والبيانات.
لكن الإجابة متاحة وعلى لسان العسعس وفي بعض الشروحات وفي عدة مناسبات، فسيناريو التصعيد الضريبي المهني المدروس حقق التوقعات الرقمية، وإن كانت انعكاساته وكلفته على تقلص المشاريع وردود فعل رجال الأعمال ثم المستثمرين والاستثمارات لا تزال قيد الجدل وطرح أسئلة لا تجيب عليها الحكومة.
في المقاربة التي يطرحها الوزير العسعس، الاقتصاد المالي لا يحتاج إلى إطار ضريبي مرن أو متسامح إزاء المشاريع الوهمية أو رؤوس المال اللعوبة، فمصلحة الأردن على المدى البعيد وسمعته عند المحافل الدولية على المحك، وتلك المحافل -بتقدير العسعس- تؤمن مسبقاً بأن وجود أداء ضريبي واضح وشفاف وقانوني محكم هو الطريق الأسلم.
بالتالي، لا يريد المطبخ المالي للحكومة الترحيب بحرارة بأصحاب المشاريع الذين أقاموا مجدهم على أساس التسامح أو التهرب الضريبي، فهؤلاء لا يمثلون -برأي العسعس- اقتصاداً حقيقياً، وما يحتاجه الأردن هو بنية سليمة حتى وإن أغضبت السياسة الضريبية من لا يؤمنون بالعدالة والإنصاف.
في كل حال، في تفسير عبارة الوزير العسعس عن معركة خاضتها الحكومة الكثير من الأسرار والتفاصيل. وقد يكون الأهم اليوم في جزئية الضريبة وجود مسطرة قانونية تشمل الجميع وتقديم أدلة وبراهين عملية على أن كفاءة التحصيل الضريبي يمكنها أن تؤدي إلى تحسين عائدات الخزينة وفي إطار القانون، مع أن العسعس من الميالين للتركيز في تحصيل الضريبة على كبار المكلفين وليس الصغار في الأسواق.
ويبدو أن هذه الفلسفة الضريبية احتاجت منذ عامين إظهار بعض الخشونة بقوة القانون، الأمر الذي يبرر ويفسر حصول مداهمات ضريبية في الماضي القريب، كما يبرر ويفسر اشتباك هيئة مكافحة الفساد مع بعض الملفات ضمن رؤية تقول الحكومة إن كلفتها مقدور عليها قياساً بالعوائد والمكاسب، وأهمها على الإطلاق تثبيت قواعد اللعب والاشتباك الضريبي التي أسس لها العسعس كوزير متقدم وصلب في الإدارة المهنية.

رأي آخر

وثمة رأي آخر في النقاش بأبعاده السياسية يقول بأن توسع هيئة مكافحة الفساد ومداهمات الضريبة ألحقت ضرراً بالغاً سيظهر أثره لاحقاً على نطاقات الاستثمار ومعطيات الأسواق. ذلك رأي موجود وبقوة، والحكم عليه يستدرج مع الزمن، وهو حجة على السياسة الضريبة الجديدة والمثيرة إذا ما انتهى بانتكاسات المشهد لاحقاً.
لكن الأهم أن العسعس قدم قرائنه على أن المسطرة الضريبية الجديدة وبصرف النظر عن هوية من خاصمها أو عن فواتيرها، دفعت رقمياً باتجاه زيادة واردات الخزينة، مما يدعم الانطباع السابق بأن التهرب الضريبي كان واحداً من أبرز مشكلات الخطط الاقتصادية الأردنية.
قد يغادر العسعس موقعه دون موقفه قريباً، وقد تعود أساليب العمل الضريبي كما كانت في الماضي، وقد يصبح أعضاء الطاقم الوزاري أقل غضباً من زميلهم وزير المالية المقبل، وقد ترتاح البنوك أكثر إذا ما غادر العسعس مع طريقته.
لكن الأكيد أنها كانت معركة فعلاً تنطوي على قدر من المغامرة واختبار قاس بعنوان كيفية إدارة اللعبة بقواعد علمية وقانونية، أو فلنقل أنظف قليلاً أحياناً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى