«شنو هاذا؟»: المايكروفون مع «أم الشهيد عدي التميمي»… لغز أهزوجة «يا ريت أمي بدالك»… وفي الأردن «وزراء تعاسة»
شهيدنا عدي التميمي على شاشة فضائية «رؤيا» الأردنية، لكن من الزاوية، التي تقلق عطوفة محافظ مدينة نابلس هذه المرة، حيث أمهات وحكايات لها علاقة بالشهداء.
لا تحتاج أمهات الشهداء لشهادة، لا منا ولا من السيد المحافظ، ولا حتى من السلطة الفلسطينية أو غيرها.
كل ما في الأمر بعدما خصصت فضائية «رؤيا» مساحة بث واسعة لسيدة أم شهيد تجلس، في حوش الدار، بعد ليلة سمعت فيها تلك الأهزوجة العجيبة من عشرات الآلاف من الحناجر «يا أم الشهيد نيالك يا ريت أمي بدالك».
طالما حيرتنا هذه الأهزوجة… جلست «أم عدي»، كما قلنا في حوش الدار، وسط الجارات والقريبات، وبعضهن أجزم غادرن للتو عرسا دفن فيه جسد شهيد طاهر آخر .
النسوة الأمهات جلسن حول «أم عدي» بوقار، دون صراخ أو دموع، أو حتى دون عويل، بينما إحدى الصبايا توزع بحماس قطع الحلوى على الأمهات، اللواتي يزغردن، بعدما صعد عدي -رحمه الله – فيما هبطنا نحن جميعا دعاة، ومناضلي القول، والكلام والسلام.
كان التعريف لـ»أم عدي» أحدث عضو في النادي «أم الشهيد الفلاني.. إلخ».
«مشتاقة لكن»
لن أتحدث عن شهيدنا الفتى والطريق في مشهده الختامي، الذي سنتركه للتاريخ فقط.
لكن تركيبة «أم الشهيد» الفلسطينية في الأرض المحتلة، هي التي تحتاج لتحليل وقراءة معمقة، نزعم أن محافظ نابلس، فاته أن يستوعبها.
سألت قريبة لي حضرت لعمان بهدف الزيارة مرة عن أسرار إنجابها أحد عشر طفلا في عشر سنوات، أو أقل، فيما يعاني زوجها من قلة الحيلة ماديا.
جوابها أذهلني، وأبكى صديقي الكاتب رشاد أبو داوود، عندما نقلته، فقد قالت السيدة: «أنجبت أحد عشر بطنا، لأني «أم شهيد» أو إثنين، بالحد الأدنى وأم ثلاثة أسرى وجريح، فيما يبقى أربعة أو خمسة من أولادي لأغراض لقمة العيش.
تلك كانت سيدة شابة، لا بل انتقلت الى إحدى قرى الضفة الغربية من عمان، وكان ذلك جوابها الثقافي الحضاري الفكري.
في اختصار: كيف يمكن هزيمة شعب هكذا تتحدث وتتصرف أمهاته؟
عبر نافذة تلفزيونية إلكترونية اسمها «الساهرة»، تسأل المذيعة، والدة الشهيد عدي فتجيب «نعم صحيح مشتاقة لإبني، لكن بصراحة لم أذرف دمعة واحدة عند اعتقالي مرتين».
إزاء جواب من هذا الطراز لا نملك إلا أن نصيح على طريقة قناة «سبورت» الرياضية مع المعلق الرياضي «شنو هاذا؟»!
وزارة للتعاسة
معهد «غالوب» متهم الآن، وسط الأردنيين بالاسترسال في استهدافهم، بعدما بث الشريط الإخباري في قناة «الجزيرة» تراتبية الدول الأكثر تعاسة في العالم، بعد معايير من بينها الحزن، والغضب، والضغط، والقلق.
الشعب الأردني تربع – بعد اللبناني والعراقي – على المرتبة الخامسة، وهذا يعني أننا مميزون بشيء ما على الأقل، فيما كانت فضائية «المملكة» تحاول التعامل بخجل مع حيثيات الترتيب والأرقام.
الضغط شديد على المواطنين، والحزن ميراثهم القومي، والقلق في الشارع بالجملة، أما الغضب فبالأطنان.
كل تلك التعاسة مع أننا في بلاد الأمن والأمان والاستقرار، وهي نفسها البلاد التي لم تعان يوما، نحمد الله من اضطراب داخلي.
هي نفسها بلادنا، التي يصنفها معهد «غالوب» بالتعاسة في مركز متقدم، مع أن الأردني عندما يشعر بالسعادة يطلق الرصاص بالهواء ابتهاجا ويقدم طعام المنسف لكل عابر سبيل.
لا حاجة لاقتراح زميلنا محمد الصبيحي، الذي ينصح بتعيين وزير لشؤون التعاسة، فإحدى الدول الشقيقة كانت للتو تعين حقيبة وزارية للسعادة وجلسة واحدة فقط برفقة وزير الأشغال الأردني يحيى الكسبي، صاحب التلقائية والعفوية والنكتة الممزوجة بخليط الخبرة، يكفي للاقتناع أن مجلس الوزراء الحالي على الأقل فيه فائض من السعادة.
لا تعجبني تلك الأوراق، التي تقيس السعادة والتعاسة، ولا أحسبها علمية منهجية بحق، ولا أتفق مع القول إن بلادي تحظى فعلا بالمرتبة الخامسة بالتعاسة وقبل موزمبيق!
نجزم أن الأردني عموما، مناكف، وأحيانا نزق، وغالبا غاضب، اليوم على الأقل، ونتحدث هنا عن الأردني، الذي سأله طاقم معهد غالوب في المسح الاستبياني.
لا نحتاج لوزير لا للتعاسة ولا للسعادة، ولا حتى للترفيه. كل ما نحتاجه فقط وزير حقيقي، ونقطة أول السطر.
كل ما نحتاجه وزير أو مسؤول من طينة الناس حتى يعاد إنتاج معلبات الغضب، فالجميع اليوم قلق، والحزن يجتاح العالم، والضغط شديد على الأردنيين وغيرهم. ومشكلتنا أن الغضب والاحتقان ينتجان عن عدة أسباب أهمها سكان الطبقات العليا في إدارة البلاد، فهؤلاء من ينتجون الإحباط والسوداوية، رغم قلة الموارد.
والأردني بطبيعته نشمي وطيب وسخي وصبور، ومجددا لا يحفل لا بالتعاسة ولا بالسعادة، ويريد وزيرا حقيقيا فقط، لا تنطبق عليه مقولة أحمد عبيدات، وهو يتحدث عن «أشباه رجال».