«صراحة ملكية» في معان: تفاصيل حول «الإنزالات والمظلات» تؤكد «تواضع المساعدات» قياساً بـ «حجم المعاناة»
عمان ـ «القدس العربي» : «نريد أن يعرف أهلنا في غزة أننا نفكر بهم» تلك كانت العبارة التي استخدمها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وهو يتحدث عن «إنزالات الجيش» للمساعدات في قطاع غزة بالتعاون مع دول عربية شقيقة وأخرى غربية صديقة.
بسرعة، يمكن التقاط ما هو جوهري إعلامياً وسياسياً بتلك العبارة على أساس الإدراك المسبق بأن «الجهد الأردني» رمزي ومتواضع قياساً بما يعانيه أهل غزة. وأن الأردن يعلم مسبقاً بأن «مهمة إنقاذ غزة» تتطلب مقاربة مختلفة تماماً، وأن عمان بأعلى هرمها تصف المساعدات الإغاثية بأنها «رسالة معنوية وتضامنية».
الملك وبجرعة «مصارحة» مرصودة، أجاب على أسئلة عالقة في «ذهن مواطنيه» بخصوص ملف الإغاثة الأردني عندما تحدث عن الوقائع وكشف معطيات «عملياتية» في عملية الإنزال الجوي المعقدة على هامش لقاء جمعه بأهالي مدينة معان جنوبي البلاد، حيث السقف الشعبي مرتفع جداً، وهو يطالب بمقاربات اشتباك مع إسرائيل تليق بالمخاطر والموقف.
عملياً، قدم عاهل البلاد «درساً» للمسؤولين ولرموز الحكومة عنوانه السياسي «الصراحة منتجة» ووضع الرأي العام بصورة التفاصيل يخفف التشكيك، والأهم أن المسألة ليست «استعراضية ولن تكون».
المعطيات التي قدمها الملك وسط أهالي معان وبينهم «رفاق عسكريون متقاعدون عملنا معاً في القوات الخاصة» كانت «كاشفة وشفافة» حصراً فيما يخص «الإنزالات المظلية» التي كانت «فكرة أردنية خاصة».
ما قيل مرجعياً في السياق وفي معان، ملاحظات محددة أهمها أن الأردن يعلم مسبقاً أن المساعدات التي يقدمها «لا تحدث فارقاً كبيراً» والمطلوب من العالم «أكثر بكثير».
والقيادة تعلم مسبقاً بأن «الإنزالات لم تشمل بعد مناطق شمالي القطاع، لكنها ستفعل» وأن الإنزالات «مكلفة مالياً ومعقدة لوجستياً» لكن المحاولة ستتواصل ويتم تعميمها، والأمل في إنزال حمولة طائرة يعقبه ترتيب لإنزال حمولة 3 ثم 10 طائرات.
بين المعطيات العملياتية التي كشفت أوراقها في معان، إشارة إلى «طلبنا إنزال 10 طائرات الإثنين الماضي، وسمح بـ 4 فقط» ولاحقاً «سمح بواحدة» بذرائع أمنية، وهي صيغة تؤشر ضمناً إلى عدم وجود ضرورة عملياً للإنكار بأن هذه الإنزالات تحصل على «موافقة إسرائيلية».
وبينها أيضاً «طلبنا مظلات ومساهمات لوجستية باجتماع مع الملحقين العسكريين لبعض الدول الشقيقة» والأردن ينتظر «الإعلان عن هدنة» حتى يتم تحريك «شاحنات برية بعدد ضخم».
الأردن يعلم مسبقاً أن الإعانات التي يقدمها «لا تحدث فارقاً كبيراً»… وإسرائيل تحجب موافقتها في أغلب الأحيان بذرائع أمنية
ما كشف لوجستياً بعد «لقاء معان» أن المظلات التي تستعمل لإنزال صناديق المساعدات قدمت كـ»تبرع» من بعض الدول، من بينها البحرين وسلطنة عمان والإمارات وقطر «دول شكرها الملك بالاسم».
في المقابل، كانت إشارات الملك في معان مباشرة إلى «تواضع المساعدات» قياساً بـ «حجم المعاناة» والرغبة في عدم الالتفات إلى «بعض الأشخاص الذين لا يعجبهم شيء».
لكن الحديث بـ «صراحة» وبردود توضيحية وذكية على «جدل الإنزالات» حصراً أسس لتشخيص سياسي أكثر وضوحاً، لأن منطلق الإنزالات المركزي أردنياً على الأقل لم يكن «المفاخرة» بفك الحصار على القطاع، بل استند إلى مقترح «نريد أن نقول لأهل غزة أننا معهم ونفكر بهم».
ذلك في رأي خبراء، مهم وأساسي ولا يمكن إنكار جرأته في ظل توازنات الإطار العربي، لكنه «لا يكفي» في هذه المرحلة حتماً، وإن كانت ترتيبات مرافقة الطائرات التي شملت استضافة جوية لبعض الضيوف الأجانب ولاحقاً لبعض «المؤثرين» على وسائط التواصل، تثير الجدل وتتقدم أحياناً بتصورات تستقطب الأضواء والنقاشات بدلاً من التركيز على الفكرة والمحتوى.
وفيما يقدر البرلماني والسياسي محمد حجوج بأن رسائل «التضامن» على طريقة الجبهة الأردنية ملموسة في الخطاب الملكي المرجعي، يصر البرلماني والسياسي المخضرم الدكتور ممدوح العبادي إلى ضرورة التركيز أردنياً على «مشروع الوقاية من مخاطر اليمين الإسرائيلي».
ما فكر فيه العبادي وهو يناقش الحيثيات مع «القدس العربي» هو أن الأساس والجوهر في الاشتباك الأردني ينبغي أن يصدرا عن رؤية عميقة تؤمن بأن المواجهة آتية لا ريب مع «اليمين الإسرائيلي الطامح» وإذا اتفقنا على ضرورة الاستعداد لـ«الخطر القادم» تتكيف بالنتيجة المستلزمات والوسائل الوطنية بناء على تلك الرؤية، بما في ذلك «ملف مساعدات غزة».
وفيما قدم في معان «شرحاً صريحاً» لبعض كواليس «إنزالات غزة» تمأسس حول «التواضع» في الإنتاجية والتركيز على «الترميز» ينقل سياسيون أردنيون عن «قيادات بارزة» في حركة حماس من بينها رئيس مكتبها السياسي الشيخ إسماعيل هنية، القول إن الأردن بضعف إمكاناته الاقتصادية حل بـ «المرتبة 3» بين الدول التي قدمت مساعدات «أهلية ورسمية» لأهالي القطاع.
حتى الأردني الرسمي «لا يعلم بالأرقام» الأمر الذي يظهر – وفقاً للقطب البرلماني خليل عطية – أن الأردني «جادّ للغاية» عندما يعلن استعداده لـ«تقاسم اللقمة» رداً على العدوان الإسرائيلي، لأن المرتبة الثالثة تصبح الأولى إذا ما تم قياس الأرقام بعدد السكان.
عطية، وكما فهمت منه «القدس العربي» أمس الأول، من المؤمنين بأن الشعب الأردني ينظر لمعركة طوفان الأقصى باعتباره طرفاً مباشراً فيها، ومن المصرين على ضرورة مناصرة الشعب الفلسطيني والمقاومة وبكل الأوراق الثقيلة الموجودة في وجه العدوان، مع التحفظ على أي محاولة للمساس بجوهر الثابت الأردني.
يصر عطية: «البرمجة في الأردن مختلفة عن غيرها بين الدول الشقيقة» ويرى «ما زلنا في حالة نطالب فيها بـ«تصعيد قواعد الاشتباك» مع العدو، وعلى الحكومة الارتقاء إلى مستوى الثابت المرجعي المعلن.