صفحة تنسيق أعمق بينهما في الطريق: تقارب لا يصل للتطابق… كيمياء «القصرين» تحكم العلاقة بين اردوغان «القوي» والأردن
عمان – «القدس العربي»: تهنئة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الحارة نسبياً للرئيس التركي رجب طيب اردوغان أمس الأول بفوزه بانتخابات الجولة الثانية الرئاسية، هي تذكير سياسي بالثوابت التي تجمع البلدين وعلى أساس العلاقة الدافئة بين القصرين الملكي في عمان والجمهوري في أنقرة دون أن يعني ذلك تقارباً أو تطابقاً أو تماثلاً في التكتيك والاتجاه سياسياً.
الأردن لم يصدر بياناً، والتهنئة لم تكن في برقية كلاسيكية، بل بصمة شخصية مباشرة من الملك للرئيس. وذلك يعني الكثير على الرغم مما يقال هنا وهناك عن اضطراب في التنسيق بين حكومتي الجانبين وعن خلافات وتجاذبات ظهرت مرة هنا وأخرى هناك لا علاقة لها بالملف السوري ومقاربات اللجوء فقط، بل طالت أحياناً الملف التجاري والاقتصادي شبه الجامد تقريباً بين البلدين حكومياً، رغم أن العلاقة على المستوى القيادي وبين القصرين قطعت شوطاً كبيراً في إطار الكيمياء طوال السنوات الخمس الماضية.
«قدر سياسي»
في اتصاله الهاتفي مع الرئيس اردوغان والذي يتحول إلى “قدر سياسي” في الإقليم والمنطقة، شدد العاهل الأردني ورغم انشغاله مع جميع الأردنيين بزفاف نجله ولي العهد على أن المملكة مهتمة بإدامه التواصل والتشاور.
وتلك أيضاً رسالة سياسية في بطن الكلام، فحلقات التواصل بقيت مستقرة رغم اختلاف المقاربات في الماضي القريب. والتشاور كان يصعد ويتخفض إزاء بعض الملفات الإقليمية الأساسية حسب الاعتبارات والمصالح، لكن الكيمياء بين القيادتين بقيت لها اعتباراتها، والمرحلة المقبلة في ظل رئاسة اردوغان الجديدة قد تؤشر على انعكاس أقوى للتقارب والكيمياء بعد الآن باتجاه ما يأمل الأتراك، كما يفهم من طاقمهم الدبلوماسي في عمان، بتجاوز التشاور لصالح التنسيق العملي.
يشير دبلوماسي أردني رفيع المستوى أمام “القدس العربي” إلى أن مستوى التشاور بين وزيري الخارجية العام الماضي ارتفع إلى أبعد الحدود، ويؤكد في المقابل دبلوماسي تركي في عمان بأن الحفاظ على علاقات متميزة مع المملكة مسألة شخصية تخص الرئيس اردوغان، بل يوصي بها كل سفير جديد لبلاده في الأردن. يكشف الوسط الدبلوماسي بالتناوب هنا بأن حجم الاتصالات الشخصية بين القصرين الجمهوري والملكي غير المعلنة طوال الوقت أكثر بكثير من تلك التي تعلن، وأن العلاقات بصمت مبرمج وبدون إثارة بقيت تحافظ على توازنها ليس سياسياً ولا دبلوماسياً فقط، لكن في إطار التعاون الاستراتيجي العسكري والأمني أيضاً، حيث مساحات لا تحب أنقرة وعمان المبالغة بتسليط الضوء عليها.
ذلك حصل طوال الوقت بسبب علاقات ذات طبيعة شخصية وعائلية، لكن الحكومات بقيت تحتفظ باجتهادات متباينة، وإن كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أقر مؤخراً بصعوبة أو حتى استحالة النجاح في الملف السوري بدون مشاركة وإشراك بلد مثل تركيا، مشيراً بطبيعة الحال إلى أنه بقي طوال المشاورات العربية التي سبقت عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية على تشاور تفصيلي مع نظيره التركي مولود شاويش أوغلو، الذي يعتقد أن عمان قد تفقده قريباً كصديق لها إذا ما تغيرت المعطيات في الطاقم الوزاري التركي الجديد.
العالمون ببواطن الأمور في أنقرة وعمان يشيرون إلى البصمة الشخصية بين الملك والرئيس باعتبارها رافعة صمدت فيها العلاقات الإيجابية أو بسببها طوال سنوات الماضي حتى عندما برز خلاف في الاتجاه السياسي أو الدبلوماسي، حيث يسجل الأتراك لحكومة الأردن هنا وممثليها أن أي موظف أردني رفيع المستوى لم يسجل عليه ولو مرة واحدة أي تواصل أو اتصال من باب المجاملة مع المعارضين الأتراك وهيئاتهم داخل أو خارج تركيا.
أنباء سارة
وتلك جزئية مهمة في بناء التصور والمشهد حرصت عليها وزارة الخارجية الأردنية طوال الوقت وقدرت في كل من اسطنبول وأنقرة، فيما أغلقت مؤسسة تعليمية في عمان تتبع مجموعة غولن المعارضة في وقت سابق ضمن خطوة احترمتها الحكومة التركية أيضاً.
العلاقات والاتصالات بهذا المعنى متزنة ومتوازنة، والطرفان حريصان عليها، وعندما يبرز مطب أو كمين مرتبط بتعاكسات السيناريو الأمني حصراً كانت الرافعة تشتغل بكفاءة ضمن معايير الاحترام المتبادل لتقديرات ومصالح كل طرف.
مع ذلك، يبقى فوز الرئيس اردوغان من الأنباء السارة إزاء التجربة والخبرة الأردنية، حيث لا حساسيات مرتبطة بملف الإسلاميين الآن، وحيث حرص اردوغان وطاقمه على دعم الوصاية الهاشمية الأردنية في القدس، وحيث سؤال يطرحه كل سفير جديد على الأردنيين ناقلاً عن الرئيس اردوغان القول: “قولوا لنا ما هي الطريقة الأفضل لخدمة القيادة الأردنية ومساندتها؟”.
الجديد في المسألة اليوم هو أن الأردن يتعامل ببراغماتية مع ما يمكن وصفه القدر السياسي الاردوغاني، وأن لديه مساحات وهوامش واسعة من التكتيك والتواصل، وأن أنقرة بالتضاد منفتحة أكثر؛ لأن اردوغان مهتم جداً بالأردن، ولأن عمان اليوم تعلم مسبقاً دبلوماسياً، أن ما تجنبته في الماضي من عبارات لها علاقة بجبهة شمال سوريا وتطابقها مع جنوب سوريا مسألة قد تغيرت معطياتها الآن، فبرنامج الأردن السوري جزء من أسباب نجاحه، وفي جزئية الحدود والمعابر وعودة اللاجئين رهن أو مرتبط بتفعيل الحوار التركي السوري أيضاً ضمن مقاربات توافق عليها تركيا بالضرورة لكي تصبح المبادرة الأردنية الملكية المعلنة أقوى وأكثر نفوذاً وسط المجتمع الدولي.
لذلك، كان للاتصال الهاتفي دلالة، والتوقع أن ينطلق قطار العلاقة إلى مربع أعمق في عهد اردوغان الجديد، فالرجل قوي والأردن لديه حسابات ومصالح اليوم، من بيها الضغط على اليمين الإسرائيلي ولو قليلاً أو الاستثمار في العلاقة التركية الإسرائيلية، ومن بينها أيضاً الاقتراب بدرجة محسوبة بالضرورة عبر الأتراك ومعهم من روسيا.