اراء و مقالاتمقالات وآراء

«فوبيا الدوَّار الرابع»: «عناد أمني» في الأردن في مواجهة «حراك المعلم» والتصعيد في اتجاه «إضراب مفتوح»

هراوة تلاحق «معلماً» وأزمة في مسار «وطني» وتفريخ اعتصامات عدة

 

 لا أحد في نخبة الإدارة الأردنية يستطيع التكهن الآن بتداعيات حالة العناد الأمنية البيروقراطية التي قررت بصورة حاسمة منع المعلمين من تنظيم اعتصام لهم في قلب منطقة الدوار الرابع.
فوبيا الدوار الرابع التي تقلق الأجهزة الأمنية الأردنية أصلاً دفعت حراك المعلمين من قضية مطلبية يمكن توفير حلول لها إلى أزمة وطنية فوراً.
الأزمة لن تقتصر، إذا نفذ المعلمون تهديدهم بالإضراب المفتوح بعد غد الأحد، على المدارس والقطاع التعليمي، والتداعيات -إن تراكمت- ستغلق سبل الحوار مع المجتمع وتعيد إنعاش ظاهرة الحراك الشعبي، وإن كانت -ومن باب تحصيل حاصل وعلى الأرجح – ستطيح بحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
المقايضة في عقل الدولة الأمني والبيروقراطي كانت واضحة من الأسبوع الماضي، وتحديداً من اللحظة التي توفي فيها نقيب المعلمين أحمد الحجايا في حادث سير مؤسف ألهب مشاعر عشرات الآلاف من المعلمين قبل ستة أيام فقط من اعتصام كان قد رعاه ودعا إليه الحجايا نفسه قبل وفاته.
مسبقاً، وبصورة مبكرة، قررت مستويات القرار الأمني والبيروقراطي، منطلقة من فوبيا الدوار الرابع، أن كلفة قمع ومنع اعتصام نقابة المعلمين على المستوى الوطني ستبقى في غالبية الأحوال أقل من كلفة السماح لأضخم نقابة في البلاد باعتصام في قلب العاصمة فيه رائحة إسقاط الحكومة، كما حصل في شهر أيار العام الماضي أو ما هو أبعد من ذلك. هنا أشرف وزير الداخلية سلامة حماد على تفاصيل الاحتواء الأمني، فهتف المعلمون في الشوارع ضده وضد رئيسه الرزاز.

وهنا تقررت خطة الاحتواء الأمنية بطريقة غير مسبوقة دون أن يعرف الرأي العام عملياً هوية السر الذي منع الحكومة أصلاً من محاورة نقابة المعلمين والتفاوض مع ممثليها قبل اندلاع الأزمة وقبل موعد اعتصام مقرر منذ نحو شهرين في مسألة بدأت مطلبية ولها علاقة بعلاوة على الراتب وأصبحت اليوم وطنية وجارفة.
مبكراً، قرر المستوى الأمني منع اعتصام الرابع بأي وسيلة أو ثمن، فأغلقت كل الشوارع، وتواجد آلاف من رجال الأمن والدرك، واختنقت عمان تماماً كما لم يحصل من قبل، خصوصاً أنها مختنقة بالأصل بسبب سلسلة من مشاريع البلدية بالتزامن. وإزاء منع مسيرتهم من أحياء عمان وبقية المحافظات، انتهى المشهد بانفلات اعتصامي وتفريخ لعشرات الاعتصامات في كل مكان، ولأول مرة انتقلت أزمة الاختناق المروري إلى الطرق الدولية وطريق المطار والطرق بين العاصمة وبقية المحافظات.
طبعاً، لا يمكن التكهن بالذهنية الأمنية التي أدارت المشهد إلا في سياق الرهان على الاستعداد لكلفة النتائج بدلاً من الخضوع لاعتصام المعلمين ومطلبهم.
المشهد الأكثر قسوة تداولته الأشرطة والفيديوهات والفضائيات مبكراً، ظهر الأحد، حيث صورة رجل أمن أو درك يعتقل أو يطارد أو يدفع معلماً في مدرسة، واستخدم الدرك في مواقع عدة الغاز المسيل للدموع، وظهرت الهراوة وهي تلاحق معلمات ومعلمين في عملية توثيق نادرة تخص هذه المرة نقابة كانت تطرح شعاراً مطلبياً ومالياً يمكن التفاوض بشأنه بدون ضجيج.
الذهنية البوليسية في إدارة مشهد نقابي صعدت إلى الواجهة برسالة تقول إن السلطات لن تلوى ذراعها، ولم تعرف بعد أسباب مماطلة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وانتظاره حتى صباح الاعتصام فقط لكي يعلن رغبته في الحوار.
ذلك المشهد انفلت تماماً، والمعالجة الأمنية بالعزل والإغلاق المروري ثم بالغاز والهراوات أثارت احتقان شرائح أخرى في المجتمع، بما فيها تلك التي كانت تناقش المعلمين وتعترض على أخلاقية اعتصامهم وإضرابهم، ومعدلات الاحتقان الشعبي زادت في النتيجة.
واضح تماماً الآن أن الإهانة التي وجهتها الحكومة لشريحة المعلمين ستنتهي بمزيد من التصعيد الذي قد لا يصلح معه الترقيع المتأخر بلسان الرزاز. في الأثناء، قمع شريحة مثقفة من وزن المعلمين يستفز الجميع ويحرض الحراكات المتنوعة والمتعددة على الاستثمار في المشهد، وبالتالي، يزيد من احتمالات العودة إلى الحراك وصياغاته، وقد يزيد بالمقابل والتوازي من سيناريوهات القبضة الأمنية الخشنة التي يعتبر الوزير سلامة حماد من أبرز أدواتها. وعليه، فالأزمة مرشحة فعلاً للتدحرج.
والأهم أن الاحتقان الاقتصادي والمعيشي والاعتراض على غياب الإصلاح السياسي يدفع باتجاه جعل حراك المعلمين في الواجهة مع الانضمام إليه في بعض الأحيان، خصوصاً في ظل إقرار الجميع بأن وضع المعلم الأردني الاجتماعي والاقتصادي سيئ للغاية وغير لائق. ثمة درس ومواجهة صلبة وحاسمة، فالحسم ضد المعلمين اليوم يعني رسالة لكل الأطراف الحراكية تعلي من شأن وقيمة الذهنية الأمنية. في المقابل، الحسم لصالح المعلمين يعني المزيد من إظهار ضعف المنظومة الرسمية.. الأردن علق اليوم تماماً بهذا المفصل الحرج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى