قراءة أردنية: «الكل الإخواني صقوري جداً» تجاه غزة… والتنظيم موحد

عمان ـ «القدس العربي»: لا ضرورة للمبالغة والتهويل في التحدث عن رسائل متشددة وجهتها جماعة الإخوان المسلمين الأردنية مؤخراً باختيار قيادات توصف بأنها «صقورية» على سدة قيادة مؤسسات الجماعة أو بالتقدم «ال«حماس»ي» لمواقع انتخابية متقدمة في اتحادات طلاب بعض الجامعات الحكومية العريقة.
ولا ضرورة في المقابل، للتهويل والمبالغة والإغراق في التحليل والتكهن بعنوان «أزمة مع الإسلاميين»؛ ليس فقط لأن ذلك غير مفيد وغير منتج بالنسبة للحكومة ودوائر صناعة القرار، ولكن أيضاً لأن التهويل والمبالغة في حجم تأثير الإخوان المسلمين تمهيداً لشيطنتهم مجدداً إنما يخدم في الواقع المتشددين من الجماعة ويعزز قناعة كوادرها بأن العزوف عن صناديق الاقتراع في انتخابات البرلمان هو الاتجاه الأكثر حكمة.
وجود الإسلاميين في المشهد السياسي والتشريعي والحزبي في البلاد بعيداً عن الأغلبية، ضرورة ملحة ولو من باب فتح صفحات جديدة والمضي قدماً والتوقف عن النظر للخلف، وفقاً للتعبير الذي استخدمه أمام «القدس العربي» مرات عدة أحد أبرز مهندسي وثيقة التحديث السياسي المهندس والوزير موسى المعايطة.
مجدداً، لا مبرر للتهويل؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين موحدة تماماً عندما يتعلق الأمر بالقضايا والملفات الأساسية الكبيرة، لا بل موحدة جداً وللغاية في النظر إلى زاوية الوحدة والمصلحة الوطنية، والأهم في تقييم أهمية معركة طوفان الأقصى تحديداً وانعكاساتها على واقع الأمة.
الشيخ المعتدل وصاحب الخبرة العميقة حمزة منصور، أحد أبرز رموز التيار الموصوف بـ«الحمائمي» صقوري بامتياز عندما يتعلق الأمر بمقاربة غزة والطوفان. وهذا الشيخ الجليل يزود «القدس العربي» وغيرها على مدار الأيام بتسجيلات صوتية تساند المقاومة وأهل غزة.

خسارة «الحمائم»

خسارة الحمائم لبعض المواقع في الحركة الإسلامية لا تعني أن الصقور الذين فازوا فيها أقل حرصاً على المصالح الوطنية ورغبة في توقف إنكار مخاطر اليمين الإسرائيلي.
في القضايا والملفات الأساسية، تبدو جميع تيارات الإخوان المسلمين صقورية. ورغم الاجتهادات والتباينات، تضرب مجموعات الإخوان مثالاً ـ بشهادة السياسي الخبير الدكتور ممدوح العبادي ـ يحتذى باحترام نتائج انتخابات الصندوق الداخلية وبالالتزام الحرفي.
في زاوية احترام النظام والدولة لا فروقات بين صقر أو حمامة، وفي ملف غزة والمقاومة فالاتجاهات موحدة تماماً، وتشمل حتى التيار الوسطي الذي يميل إلى الحمائم أحياناً ثم يتقمص الحالة الصقورية أحياناً أخرى.

«شيطنة» الجماعة تعزز مخزونها من الأصوات قبل انتخابات أيلول

تلك تصنيفات إعلامية على الأرجح، ولا تعكس الوقائع والحقائق في الميدان وعلى الأرض. ومن ينشغلون فيها لا يعلمون الكثير عن التيار الإسلامي، برأي القيادي النقابي فيه، بادي رفايعة. وهو تيار بخبرة واسعة وعميقة وممتدة لعقود، ولا صلاحيات مطلقة لأي من قادته المنتخبين خلافاً للأنظمة العربية.
ما اقترحه علناً الناشط السياسي المعروف وعضو البرلمان سابقاً صالح الجبور، مؤخراً، يؤسس للقناعة بأنه لا مصلحة للاسترسال في خطط شيطنة الإخوان المسلمين في الأردن وإنتاج «فتنة» يمكن الاستغناء عنها، بل المصلحة كلها في فتح قنوات الحوار مع مؤسساتهم، وفي إشراكهم وإنضاج التجربة معهم، مع التذكير بأن ما يصلح إخوانياً في أي عاصمة عربية لا يصلح في الأردن، وفي اللحظات الحرجة يدافع الإسلاميون عن الدولة والنظام كما يدافعون عن مصالحهم، وأغلب التقدير أنهم موحدون تماماً في ملف غزة ومساندة مقاومتها، مثلهم مثل بقية أبناء الشعب الأردني، بما في ذلك الذين يلاحظون على المقاومة أو يشككون بدوافعها.
المنتج اليتيم في القول هو فتح حوار مع جماعة متمرسة في صلب المجتمع ولا يمكن إقصاؤها عملياً بدلاً من الإصرار على شيطنتها، لأن الإقصاء هنا مكلف وفاتورته عالية.
يؤمن الإسلاميون حتى بعد الاختلاف مع بعض تعبيراتهم بالحوار، وقد كان لثلاثة من قياداتهم دور بارز في صياغة التفاصيل ضمن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في البلاد. والمعنى أن الإخوان شاركوا وكانت لهم بصمة في لجنة مهمة قوامها أكثر من 90 عضواً، فما الذي يبرر اليوم الانقلاب عليهم أو حتى التشكيك بهم؟
الإسلاميون في الأردن لديهم بصمة ودور في أمن واستقرار المجتمع، وفي تشكيل لون سياسي واجتماعي يتباين مع ثقافة القطيع، فيثري النقاش والحوار ويؤسس لاشتباك إيجابي معارض وناقد.
مؤخراً، ومن زاوية التحليل السياسي، قدر السياسي مروان الفاعوري بأن الحملة الظالمة تحت عناوين شيطنة التيار الإسلامي بدون مبرر وطني، انتهت بنتائج عكسية تماماً.

حملات غير مدروسة

ويوافق الفاعوري على استنتاج «القدس العربي» بأن نتائج انتخابات اتحادات الطلاب في بعض أهم الجامعات الحكومية مؤخراً تعكس تلك الخلاصة عن حملات غير مدروسة لتشويه الحراك الشعبي المناصر لأهل غزة نجحت في استقطاب المزيد من أصوات المواطنين لصالح التيار الذي يتبنى سياسياً المقاومة الفلسطينية، رغم أن الموقف الرسمي متكثف فقط خلف السلطة الفلسطينية، علماً بأنها ـ وفقاً للفاعوري ـ «آيلة للسقوط».
عملياً، أظهرت انتخابات الجامعات قوة ومنعة وقدرة تنظيم التيار الإسلامي خصوصاً على التكيف مع «الضغوط والتوقيفات» والرسالة الباطنية التي يمكن فهمها قبل انتخابات 10 أيلول هي تلك التي ترى بأن الوضع النموذجي هو العودة لدوائر الحوار وفقاً لـ «نصيحة ثمينة» سمعتها شخصيات أردنية من قيادي بارز في حركة «حماس» لفت النظر إلى أن «تبديد مخاوف الأردن من الهلال الشيعي» غير ممكن مع «استمرار استهداف وشيطنة الإسلام السياسي السني في عمان أو حتى في غزة».