كيف أدارت «خلية الأزمة» الأردنية ملف «إضراب المعلمين»؟
خفايا «صمت» الوزير حماد وبقية «الطاقم»
التقط وزير الداخلية الأردني سلامة حماد الرسالة جيداً الأسبوع الماضي، عندما اقترحت خلية الأزمة الوزارية للتعاطي مع ملف وأزمة المعلمين أن لا يخرج الرجل الوزير في مؤتمر صحافي يشرح أو يبرر أو حتى يدافع عن البعد الأمني في إدارة اعتصام المعلمين المثير للجدل.
اقترح على الأرجح رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أن يغيب الوزير سلامة حماد عن المشهد الإعلامي. استجاب الوزير المخضرم والمحنك عملياً، فلم يظهر منه أي تعليق من أي نوع طوال عشرة أيام أعقبت الاعتصام المقموع للمعلمين وتداعيات الأزمة مع نقابتهم.
ذلك ليس بالضرورة سلوكاً يرضي الوزير نفسه، وإن كان قد تفهمه فللتو كانت قد نشرت صورة للأمين العام الأسبق للوزارة الذي أحاله حماد على التقاعد، وهو الدكتور رائد العدوان، في حالة تواصل مع الملك عبد الله الثاني شخصياً وبرفقة ولي العهد. الصورة تلك التقطت على هامش مأدبة الغذاء التي أقامها للملك صهر العدوان رئيس الوزراء الأسبق والمخضرم عبد الرؤوف الروابدة. قد تكون مجرد صورة اجتماعية أو نتجت عن صدفة.
لكن كل من تناكف مصالحه طريقة وهيبة وزير الداخلية فضل التحدث عنها – أي عن الصورة – باعتبارها رسالة ضد حماد، وقد لا تكون كذلك، خصوصاً أن جهات متعددة تجتهد لتحميل الوزير القوي للداخلية مسؤولية التوتر، سواء مع شريحة البحارة في الرمثا شمالي البلاد أو مع شريحة المعلمين وإضرابهم. لكن يبقى الأمر، برمته، من المؤشرات على صعوبة العمل بشكل جماعي بين أفراد الطاقم الوزاري في حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
لاحظ على هامش نقاش مع «القدس العربي» أحد المراجع الأمنية أن وزيرة الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، جمانة غنيمات، كان مقصوداً أن لا تنطق أو تبالغ في التصريح والتعليق على مجريات أزمة نقابة المعلمين. قد يفترض بعض المراقبين أن احتجاب الوزيرة السابقة غنيمات هنا يعجبها عملياً، لكن بعض مواقع العمق في القرار لا تزال تعتبر غنيمات جزءاً من تركيبة الدوار الرابع التي قفزت أصلاً بحكومة الرزاز على جثة حكومة الرئيس هاني الملقي.
بسبب اعتبارات عدة، احتجبت غنيمات إلى حد كبير وملحوظ ومرصود عن التفاعل الذي تفترضه وظيفتها في أزمة المعلمين.
بيروقراطياً، تصدى مرات عدة الوزير المختص للتربية والتعليم الدكتور وليد المعاني، وفي الجانب القانوني برزت مداخلة قوية وصلبة لوزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامين. لكن عن واجهة أزمة المعلمين تغيبت أيضاً ثلاثة وجوه وزارية أساسية محسوبة على نحو أو آخر لصالح جبهة الاشتباك، إما مع الشارع وقواه أو مع الملفات الاجتماعية.
هنا تحديداً لم تظهر ملامح نائب رئيس الوزراء القوي أيضاً، رجائي المعشر، ولم يظهر للرأي العام على الأقل دور من أي نوع لوزيرين جالسين منذ سنوات عدة، هما موسى المعايطة ووليد المصري.
يبقي هذا الوضع الوزير حماد في حالة «يتم» بيروقراطي عملياً عندما يتعلق الأمر بالكلفة الشعبية لإجراءات على مستوى الدولة، وقد تخفف الحمل فوراً عن حماد عندما تقرر، وبعد ستة أيام من الجدل العنيف، أن يخرج رئيس الوزراء شخصياً لكي يتحدث إلى الناس.
الرزاز، وفي إطلالته اليتيمة في أزمة المعلمين، تبنى عملياً رواية وزير الداخلية للأحداث، لا بل تحدث بلغة حاسمة وهو يرفض مطالب المعلمين، فأصبحت رئاسة الوزراء جزءاً من الأزمـة والمشــكلة وبـصيغة لا تجعلـها جـزءاً من مكـونات الـحل والمعـالجة.
يعرف الطاقم الوزاري أن رئيسه الرزاز احتجب عدة أيام في أزمة المدارس والتعليم، متمهلاً حتى يخرج في مشهد إيجابي بمعنى احتوائي، لكنه لوح بلغة وزير الداخلية وتبنى تماماً لهجة وزير التربية والتعليم.
ورغم أن الأزمة في طابعها الأساسي ليست أمنية أصلاً بقدر ما هي مالية واقتصادية ومطلبية، غاب وزير المالية عز الدين كناكريه عن كل المشهد، كما يغيب عن غيره بالعادة، فيما بقي أفراد الطاقم الاقتصادي حائرين وتائهين، مرة ما بين الإدارة المحافظة للاقتصاد بتوقيع المعشر، ومرة ما بين التوجيه الليبرالي بتوقيع وزير التخطيط والتعاون الدولي المتقدم جداً بكاريزما علمية الدكتور محمد العسعس.
ورغم أن الفريق الاقتصادي لا علاقة له بالمسار السياسي والأمني، إلا أن أزمة المعلمين ومع مساء يوم الجمعة، تبيت وترحل إلى صباح السبت مع كل معطيات التأزيم، والبقاء فوق الشجرة لجميع الأطراف، خصوصاً وسط تقاطع سيناريوهات وتصيعد متبادل بين نقابة المعلمين والصف الحكومي.