كيف سيكمل الأردن «مشواره اللوجستي» في إغاثة غزة؟
مؤتمر «الاستجابة» ـ الضفة ـ تكنوقراط «حماس» ـ سؤال اليوم التالي
عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن قراءة التحضيرات الأردنية لما سمي بمؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة والمنوي عقده في عمان بعد عدة أيام، خارج سياق ليس فقط الثابت الأردني عموماً ولكن أيضاً المرونة التي بدأت تظهرها المؤسسة الأردنية وإن كان بجرعات خفيفة إلى حد ما، في إطار الاستعداد للتعاطي ولو جزئياً مع مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار والعدوان في غزة.
مجدداً، تظهر مؤسسات الشارع الأردني ميلها لقواعد الاشتباك القائلة إن الأولوية لقطاع غزة. قالت ذلك رابطة الكتاب الأردنيين ظهر الأحد، وهي تصدر بياناً تلوح فيه بمقاطعة مهرجان جرش الثقافي والفني إذا لم تتجه فعالياته كلها دون استثناء إلى التضامن مع غزة وأهل فلسطين والمقاومة الباسلة.
خطاب متجدد
موقف الرابطة الجديد والمعلن عنه الآن يعبر عملياً عن هوية الهيئة الإدارية التي فازت بآخر انتخابات للرابطة، التي تحمل اسم «قائمة غزة».
وعلى جبهة موازية طبعاً شعبياً، استمرار في التظاهرات وخطاب متجدد للإخوان المسلمين يعتبر غزة أولوية عند الشعب الأردني، فيما اللافت للنظر في الأثناء مستجدات في الحراك الرسمي والدبلوماسي وأخرى في اجتهادات بدأت تتزاحم وسط النخبة الأردنية تحت عنوان الاستعداد للمرحلة المقبلة، بمعنى الحفاظ على البصمة والدور.
دبلوماسياً، وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، على اشتباك يومي مع ورشة عمل يديرها الآن نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، تأسيساً لمرحلة ما بعد وقف العدوان والتصعيد العسكري، فيما برز هنا صوت رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة وهو يعلن بأن الحرب سيوقفها الرئيس جو بايدن، رغم أن غالبية كبيرة من الآراء والاجتهادات الخبيرة كانت قد اقترحت تخصيص وقت لوضع سيناريو أردني يحاول الإجابة عن سؤال اليوم التالي، ليس لأن المسألة تخص عمق المصالح الأردنية الداخلية والاقليمية والفلسطينية، ولكن لأن الانطباع زاد بأن سؤال اليوم التالي يتعلق بالأردن والضفة الغربية أيضاً.
يساند خبير مثل الدكتور دريد المحاسنة، استنتاج «القدس العربي» عن ضرورة الاستعداد أردنياً ببلورة وتشكيل مطبخ سياسي أردني وطني من الخبراء المختصين، ويضيف المحاسنة صفة أصحاب الجرأة أيضاً لتأطير المصالح الأردنية.
توحي صحيفة الدستور المحلية صباح الأحد بجهة ما تركز عليها المؤسسة الأردنية حالياً، وهي تشتبك مع بقايا التفاصيل المتوقعة تحت عنوان تسليط الضوء على مؤتمر الاستجابة الإنسانية لاحتياجات غزة، ويفهم القارئ بعض التفاصيل مثل مؤتمر مبرمج انطلاقاً من مبادرة ملكية وبتنسيق مع القيادة المصرية ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة.
مؤتمر «الاستجابة» ـ الضفة ـ تكنوقراط «حماس» ـ سؤال اليوم التالي
في أجندة ذلك المؤتمر الذي تستضيفه عمان لاحقاً، غرق في التفاصيل في اتجاهين: الأول تحديد الاحتياجات لاحتواء ما بعد آثار العدوان في قطاع غزة. والثاني هو التشبيك تحت الإطار الإنساني مع المنظمات العالمية لتنسيق وتلبية الاحتياجات الإغاثية.
سياسياً، لا يعني ذلك إلا مسألتين: أولاً- دور متوقع وفاعل وأساسي في مرحلة تلبية الاحتياجات قبل مشاريع إعادة الإعمار للهيئة الهاشمية الأردنية للإغاثة.
اتجاهان ومسألتان
وثانياً ـ تشكيل خطة عمل إقليمية ودولية تكمل قصة النجاح والتفرد الأردنية في لوجستيات الإغاثة.
بالإيحاء، يمكن القول إن خطة عمل مؤتمر الاستجابة المشار إليه يدفع أو من المقرر له أن يدفع الأردن لوجستياً للغرق في تفاصيل الإغاثة، حيث الخبرة تراكمت، والجغرافيا أساسية، بعيداً عن منزلقات معابر رفح الإسرائيلية والمصرية. هنا، عملت عمان بنشاط وجهد واضحين طوال الوقت على تدويل ملف الاحتياج الإنساني في غزة.
لكن الأردن ينبغي ـ في رأي سياسيين كثر ـ ألا يقف عند اللوجستيات؛ فالجزء المتعلق بمستقبل الضفة الغربية بعد وقف العدوان -إن وقف أصلاً بموجب خطة أمريكية باتت مكشوفة- يحتاج لما هو أكثر من الجاهزية اللوجستية، وفقاً لما سمعته «القدس العربي» من خبراء مؤخراً، بينهم المحاسنة وأنور الخفش، ورئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، الذي يتوقع أن مطبخاً سياسياً خبيراً ينبغي أن يتشكل في عمان وآخر في رام الله، ليعملا معاً في المرحلة المقبلة.
المقاربة التي طرحها خبير مثل الروابدة، مساء السبت في أمسية خاصة وحوارية، تؤسس للانطباع بأن الأردن نخبوياً ومؤسساتياً على الأقل في طريقه لترسيم قواعد اشتباك قد تكون جديدة ومختلفة مع الملف الفلسطيني.
صحيح أن الروابدة ورداً على استفسار مباشر مع «القدس العربي» رفض الكشف عن معلومات محددة تدفعه للقول ببعض الخلاصات عن مشروع مارشال ومؤتمر دولي جديد، لكنه تحدث بوضوح قائلاً إن الدور الأردني أساسه، لاحقاً وبعد الآن، هو الملف الفلسطيني.
إغاثة غزة
اللوجستيات في غزة تحت عنوان الإغاثة قد لا تعني فقط التنسيق مع الإسرائيليين والأمريكيين والمصريين والأمم المتحدة، بل قد تقود قسراً الحكومة الأردنية للتعاطي مع من يسميهم الصفدي بتكنوقراط حركة حماس الموجودين على الأرض.
سبق لقيادي في حماس أن أشار إلى أن السلطات الأردنية تتصل بالقوى الميدانية على الأرض عندما يتعلق الأمر بتنسيق نقل المساعدات للمستشفيات الميدانية. وعندما استفسرت «القدس العربي» من رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب/ عندما قال إن التكنوقراط الفني من أهل غزة محطة أساسية لمن يريد إعادة إعمار القطاع بعد الحرب.
ذلك سياسياً، يؤسس دلالة على أن قوى الأمر الواقع المتحكمة في قطاع غزة طرف ولاعب أساسي لا بد من التواصل معه أردنياً إذا كان المطلوب الحفاظ على مستوى النجاح اللوجستي في معادلة قد تتطور لاحقاً، وتدفع الأردنيين لتنسيق خطوات ما على الأرض مع مستويات تكنوقراطية أو سياسية في حركة حماس وفصائل المقاومة.
ذلك طبعاً لم يحصل بعد علناً على الأقل، لكنه واجب الحصول إذا ما خططت عمان للوصول في اتجاهها الإغاثي واللوجستي إلى محطات سياسية تخص الحفاظ على الدور الذي اقترحه الروابدة في المساحة الفلسطينية مستقبلاً.
مؤتمر الاستجابة الإغاثية خطوة في اتجاه مشوار أردني جديد. ورئيس حركة حماس الشيخ إسماعيل هنية، شكر ورحب بالدور الأردني بحضور «القدس العربي» في إسطنبول، ما يعني أن إنجاز المهمة الإنسانية قد يعبر أو يحتاج للعبور فوق جسر سياسي في نهاية المطاف.
ولعل ما اقترحه الروابدة مساء السبت في منزل الصحافي أحمد سلامة، هو الإشارة المبكرة إلى أن خبراء اللعبة التكنوقراط والبيروقراط في عمان بدأوا يلتقطون مبكراً ما هو جوهري في رسالة الأيام القادمة.
لا يبرز كل النقاش في اللوجستيات السياسية الأردنية أصلاً بدون خلية عصف ذهني خلف الستائر بدأت تتفهم أن مصالح الأردن الاقتصادية الأساسية تبدو في حاجة ملحة لحصة أردنية في مشاريع إعادة إعمار غزة. قد تكون هي تلك الحصة المقصودة عندما يجتمع الفرقاء والشركاء في عمان لتدشين وتفعيل خاصية مؤتمر الاستجابة.