لماذا الأردن مع إدانة إسرائيل بـ«الإبادة»؟… الصيغة الأفضل لمنع التهجير من غزة
حتى لا يتدحرج «الانهيار» في المنطقة
عمان ـ «القدس العربي»: حضور الأردن الرسمي والحقوقي والقانوني المرجعي جلسات المحكمة التي طلبتها جنوب افريقيا بتهمة حرب الإبادة ضد إسرائيل، هو مؤشر حيوي إضافي على جدية الطرح الأردني دبلوماسياً على الأقل في الاقتراب لمسافة ممكنة وجادة دبلوماسياً، لكنها آمنة ما دامت بصيغة المرافعات بدلاً من تقديم دعوى مماثلة لتلك الخاصة بجنوب افريقيا.
تريد عمان السعي لدعم مطاردة إسرائيل دولياً بتهمة أعمال إبادة، وقد فهمت «القدس العربي» مباشرة ذلك من وزير الخارجية أيمن الصفدي، وإن كانت خطوة تقديم مرافعات لا تكفي بمزاج الشارع الشعبي الذي يطالب بالانضمام رسمياً لجنوب افريقيا وترك التردد.
عملياً، حتى ينضم الأردن رسمياً لمواجهة من هذا الصنف قد يحتاج لغطاء عربي وإسلامي، حيث الانفراد قد يؤدي هنا بتقدير مطبخ عمان لإحراج بقية الدول العربية، الأمر الذي قد يعني لاحقاً بأن اللجوء للجامعة العربية يمكنه أن يساعد.
القصف الهمجي
هدف الأردن هو وقف ما يسميه بالقصف الهمجي الذي تنتج عنه جرائم إبادة ضد أهل قطاع غزة، لكن الهدف الأبعد مجدداً لا يستبعده الصفدي وهو يشير إلى أن الأردن في الموقف والموقع الأخلاقي والقانوني والسياسي والرسمي الذي يندد بالعدوان ويطالب بوقفه وفوراً.
ثمة حافز إضافي يعتقد أنه يحاكي في حسابات المطبخ الأردني محاولات «التودد» الأردني لمحاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة، وهو على الأرجح ضمان أن يرتدع اليمين الإسرائيلي مستقبلاً ويتوقف عن الاعتقاد بأن التهجير ممكن، خصوصاً في الضفة الغربية، وتصفية القضية الفلسطينية على حساب المملكة. واحد من إشكالات الموقف السياسي الأردني يتمثل في الغطاء الأمريكي وحملة التضليل الدبلوماسية التي يحاول ممارستها الوزير أنتوني بلينكن.
لكن مواقف الدول الأخرى تلتفت إلى بعض الوقائع والحقائق بالتدريج، برأي الوزير الصفدي، وإن كان ذلك ليس بالسرعة المطلوبة من حيث المسؤولية الأخلاقية التي تنشدها الدول العربية، خصوصاً أن العدوان أوضح من الوضوح، وتفاصيله وحيثياته تعكس ما في أكثر عناصر التشدد في اليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم.
حتى لا يتدحرج «الانهيار» في المنطقة
الأردن حضر جلسات المحكمة بوفد ثلاثي ترمز تمثيلاته إلى عدة أبعاد، لكن عيون الدبلوماسية الأردنية لا تزال نحو منع التهجير باعتبار التهجير إعلان حرب على المملكة واعتقاد عمان السائد بأن الاقتراب من إدانة دولية كبيرة قد يؤدي إلى ملاحقة إسرائيل قضائياً مستقبلاً.
والمعنى أن الحصول على قرار احترازي يمنع أعمال الإبادة قد يصبح متلازماً بعد الآن لأي خطط تهجير للسكان الفلسطينيين، وقد يكون الوسيلة الدبلوماسية الوحيدة المتاحة بحكم التأييد الأمريكي الكبير للحملات العسكرية، بصرف النظر عن أرواح المدنيين والخسائر في الأرض والإنسان، وحتى بصرف النظر عن مستقبل القضية الفلسطينية، ما يجعل الأردن مهتماً ولا ينكر أنه يسعى لمنع التهجير بأي طريقة من الطرق.
انهيار الوضع القانوني
حضور ثلاث شخصيات بارزة إلى حد كبير لجلسات محاكمة جنوب افريقيا بصفة المراقبة على الأقل، وتوثيق الملاحظات بعدما قرر الأردن رسمياً التقدم بمرافعات وتسجيلها في وقت المرافعات لاحقاً لصالح القضية، هو الخطوة التي يعتقد الأردن الدبلوماسي والرسمي أنها تنسجم مع فكرته في الدفاع عن القانون الدولي والقانون الإنساني، وحمايتهما بعد انهيار أو مؤشرات انهيار الوضع القانوني في الضفة الغربية.
وسبق للوزير الصفدي اعتباره أن مسؤولية النظام الدولي بعد الآن لا تتمثل فقط في تحقيق الإنصاف، ولكن إقناع كل الأطراف والشعوب والمجتمعات بأن الذي يرتكب جريمة لن يفلت من العقاب، ويعتقد الأردن بوضوح أن الدول التي تؤمن بالسلام مثله، والتي تعتبر وادعة وأميل لمعسكرات السلام، قد تدفع ثمناً غالياً لاحقاً إذا ما تكرست في منطقة الشرق الأوسط فكرة أن أي حكومة أو دولة أو كيان يستطيع أن يفعل ما يريده بدون رادع من القانون الدولي والمنظمات الحقوقية الأممية. فكرة الأردن لا ينفيها الوزير الصفدي عن تدحرج فكرة الانهيار ومكانة القانون الدولي، لا بل النظام الدولي برمته، جراء المماطلة والتسويف في اتخاذ مجلس الأمن قراراً ينسجم مع مسؤولياته التاريخية والقانونية بوقف العدوان على غزة.
حاول الأردن مراراً وتكراراً اللجوء إلى مجلس الأمن، لكنه أخفق مع المجموعة العربية بكل الأحوال، لذا فالانطباع بأن دعم وإسناد قضية جنوب افريقيا هو بحد ذاته خطوة دبلوماسية لممارسة الضغط، ليس على حكومة تل أبيب فقط، ولكن على الحكومة الأمريكية أيضاً التي توفر لها الغطاء. ولذلك، أعلن الأردن تقدمه بمرافعات لاحقاً على لسان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة. وقال الصفدي بذلك عموماً لـ «القدس العربي» مؤكداً إسناد القضية التي تقدمت بها جنوب افريقيا من باب الإصرار والعناد في وقف العدوان فوراً، تنفيذاً للتوجهات الملكية ولثوابت الموقف الأردني.
ولذلك في المقابل، كان وجود ثلاث شخصيات أردنية معروفة في جلسة الافتتاح الأولى، وفقاً لما ذكرته محلية عمون الصحافية، إشارة مباشرة إلى جدية الأردن في متابعة التفاصيل. والأهم بين الشخصيات الثلاثة هو الدكتور عون الخصاونة رئيس الوزراء الأسبق واحد أبرز المراجع الدولية في مجال القانون الدولي، وقد حضر معه جلسة الخميس أيضاً ممثل رسمي للخارجية الأردنية هو السفير ضيف الله الفايز سفير الأردن في لاهاي، إضافة إلى الحقوقي والقانوني المختص بالتحكيم الدولي والقانون الدولي الدكتور عمر مشهور الجازي.
وهذه الحصة من الحضور الأردني كانت لافتة للنظر، وأغلب التقدير أن السفير الفايز يستطيع تزويد بلاده بتقارير مفصلة عن حيثيات الجلسة الأولى وبتقدير موقف عن حيثيات الجلسة الثانية، فيما حضور الدكتور عون الخصاونة يعني عملياً أن أبرز شخصية أردنية خبيرة في مجال القانون الدولي لا بل لها تجربة رفيعة ومهمة في تاريخ محكمة العدل العليا الدولية خلال ربع القرن الماضي أصبحت في إطار الرقابة والتقييم والمتابعة عبر الحضور المباشر، لا بل الأهم تسجيل الحضور بوازع وطني وأخلاقي سياسي لصالحه شخصياً ولصالح بلاده، وهو ما ينسجم أيضاً مع حضور الدكتور الجازي.