اراء و مقالات

الأردن «يغرق» في «الوهم الإسرائيلي»: أصوات التحذير ترتفع

مشاريع السلام «على الورق» فقط

عمان – «القدس العربي»: لا يمكن رصد هذا العدد الكبير من المفاوضين السابقين والسياسيين الأردنيين الذين يؤمنون بانقلاب إسرائيل على الأردن وعملية السلام ومصالح المملكة دفعة واحدة كما يحصل هذه الأيام، حيث تتدحرج بشكل ملموس قناعة النخبة السياسية الأردنية بما فيها النخبة التي كانت محسوبة على تيار السلام أو مؤمنة بعملية السلام أو بشرت بنتائجها في زاوية اعتبارات بدأت تزيد من كلفة التحذير على مصالح المملكة الحيوية.

مشاريع السلام «على الورق» فقط

ذلك طبعاً جراء تداعيات الوضع السلبي جداً في الأراضي المحتلة، وجنوح الإسرائيليين جميعاً على مستوى الأفراد والمؤسسات إلى اليمين المتشدد، لا بل الأصولي التلمودي المتدين. التحذيرات بالجملة بمناسبة استعراض أجندة وبرامج عمل لمشاريع إقليمية اقتصادية يتحدث عنها الجميع منذ أكثر من عامين، لكنها لا ترى النور حتى اللحظة.

أصوات أردنية وطنية

في أكثر من مناسبة خرجت أصوات أردنية وطنية تعيد تكرار التحذير مؤخراً فقط مما يفعله الإسرائيليون من حشر الأردن في زاوية حرجة، خصوصاً أن قطاعين استراتيجيين في غاية الأهمية، كما يوضح الدكتور والخبير دريد محاسنة وهو يتحدث لـ»القدس العربي»، أصبحا عملياً في حضن الجانب الإسرائيلي في سلسلة أخطاء استراتيجية يكتشف الجميع اليوم أنها نتجت عن وهم الاقتصاد الذي رافق عملية السلام.
يرى الدكتور المحاسنة وشخصيات بارزة أخرى من بينها وزير البلاط الأسبق وخبير المفاوض المفاوضات وأول سفير أردني في إسرائيل الدكتور مروان المعشر، أن الفرصة مواتية ليس للاستدراك فقط لكن للتعامل مع الحقيقة؛ كما هي خالية من الأوهام. في آخر إطلالة له، حذر المعشر مما سمّاه الإصرار على حل الدولتين، رابطاً بين استحالة إنجاز هذا الحل على الإطلاق في ظل وجود أكثر من 750 ألف مستوطن وبقاء المستوطنات، معتبراً أن ذلك حصراً هو ما أخفقت فيه اتفاقية أوسلو، ومشدداً أيضاً على أنه لا قيمة لاتفاقية وادي عربة بالمعنى الاستراتيجي طويل الأمد ما لم تقم دولة فلسطينية على الأرض المحتلة.
كان المعشر قد أبلغ «القدس العربي» مرات عدة بأن عملية السلام أصبحت الآن عبارة عن كلمات ومجرد شعارات، ولم تحصل على الأرض، مؤكداً بأن الإسرائيلي انقلب ليس على الأردن والشعب الفلسطيني ومصالحهما فقط، لكن على عملية السلام نفسها. قد لا تنفع جردة الحساب المتأخرة إلا في تذكير الأردنيين بحاجتهم الملحة إلى إنتاج مقاربة استراتيجية جديدة في ميزان المصالح، كان قد اقترحها الباحث الكبير الدكتور وليد عبد الحي عندما اعتبر بأن بقاء المشروع الأردني مستمراً وصامداً في المستقبل القريب يتطلب الاتجاه نحو مسارين:
الأول هو تجـــاوز كل أنــــواع وأصـــناف الحســـاسيات مع الفلسطينيين، والآخر تنويع العلاقات الإقليمية مع دول قوية وذات حضور ونفوذ، ليس بالضرورة ضمن جردة الحسابات المتعــلقة بعملية سلام لم تعد قائمة وبشريك إســرائيلي تبــين اليوم أنه ليس شريكاً.
ويحصل ذلك فيما يكشف نائب رئـــيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة عبر برنامج تلفزيوني عن أن حصة المياه المتفق عليها بموجب منطوق اتفاقية وادي عربة لم يحصل الأردن عليها، مؤكداً بصفته خبيراً اقتصادياً حريصاً بأن اتفاقية وادي عربة كانت في ســياق ســياسي، وأن التنمــية الاقتصادية الأردنية لم تستفد إطلاقاً من هذه الاتفاقية، وأن أغلب الأحاديث عما يسمى بمشاريع السلام الاقتصادي صفرية في النتائج وأقرب إلى وهــم.

سؤال عالق

هل يعني ذلك أن الاسترسال في الحديث اليوم عن مشاريع إقليمية لها علاقة بعملية السلام في المنطقة وبالشراكة الإبراهيمية مع الإسرائيليين هي أيضاً في دائرة الوهم؟
هذا سؤال عالق من حيث الإجابة حتى الآن في الأردن، ومن الصعب الإجابة عنه لأن عمان تسمع من الإدارة الأمريكية حديثاً عن تحسين معيشة أهالي الأرض المحتلة وعن التهدئة العامة وعن مشاريع إقليمية مرتبطة بالبنية التحتية وذات علاقة بملفات التكامل الإقليمي، مثل سكة الحديد والمناطق التجارية الخاصة، وكذلك مثل توحيد قطاع السياحة في المنطقة، لكن كلها كانت مشاريع أو لا تزال على الورق فقط، وهي أقرب إلى تلك المشاريع التي وصف الدكتور المحاسنة مضمونها بأنها كانت ورقية أيضاً في الماضي، فكل ما تضمنته وثائق المفاوضات والاتصالات مع الإسرائيليين بخصوص مشاريع إقليمية واسعة النطاق اقتصادياً بقي على الأوراق ولم يلتزم الإسرائيلي بتنفيذ أي منها إطلاقاً عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الحقيقية والكبيرة.
وجهة نظر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة كانت طوال الوقت أن الأردن يجيد تفكيك اللغة والبرمجيات الإسرائيلية، وأن عمان لا تتخذ قراراتها بناءً على الأوهام في المسألة الإسرائيلية. لكن استمرار الحديث عن مشاريع ذات بنية اقتصادية إقليمية مرتبطة بكينونة التطبيع العربي الإسرائيلي، يحصل دون معادلة موضوعية تشير إلى بنية سياسية تعيد إحياء وإنعاش عملية السلام، بحيث تصبح مثل هذه المشاريع أقرب إلى نقاط جذب حقيقية وواعدة، ويحصل ذلك أيضاً في ظل عدم وجود ما يوحي بأن المشاريع، خصوصاً تلك التي تضمنتها أوراق ملف ما سمي بصفقة القرن، حقيقية في الواقع حتى الآن أو حتى إنها تبدأ.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى