لماذا قال الصفدي إن «70 حارساً لا يهزمون جيشاً»؟… خارجية الأردن والسطر المخفي في «تبديل اللهجة»
عمان – «القدس العربي»: يمكن ببساطة ووضوح ملاحظة كيفية تدحرج موقف وزارة الخارجية الأردنية إزاء قمة الإحراج التي يصل إليها أطراف السلام العرب في محيط دولة الكيان المحتلة على هامش التحديات والمشاهد المؤذية جداً في المسجد الأقصى والقدس مؤخراً، وما تبعها بطبيعة الحال من تصعيدات عسكرية إقليمياً.
آخر محطة في التدحرج ما نقلته قناة الجزيرة القطرية عن وزير الخارجية أيمن الصفدي من أن “70 حارساً يعملون مع الأوقاف لا يستطيعون التصدي للجيش الإسرائيلي”.
تلك كانت عملياً “سابقة دبلوماسية” عندما يتعلق الأمر بالطاقم الذي يدير “شئون الوصاية”، قد تعني الكثير سياسياً لاحقاً، وهي تؤشر ضمناً إلى أن الحكومة الأردنية تتعذر مسبقاً بحكم الواقع الموضوعي في “لهجة غير مألوفة” قد لا تقف تفاعلاتها عند حدود التصريح الغريب. وهو ما قاد مجدداً للانطباع السياسي العام بأن الاستمرار في الاعتداء على المسجد الأقصى لا بل الادعاء رسمياً من قبل الوزير إيتمار بن غفير بأن اليهود لهم حق في اقتحام المسجد الأقصى يذهب بالمنطقة برمتها إلى “جحيم الحرب الدينية”.
الاشتباك على المستوى الديني
وقد قالها بوضوح زعيم أكبر حزب معارض في الأردن، وهو الشيخ مراد العضايلة الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، عندما اعتبر أن الاستمرار بالمساس بالمسجد الأقصى ومدينة القدس يعني بكل بساطة الانتقال إلى الاشتباك على مستوى الدولة الدينية.
لا أحد من السياسيين العقلاء في عمان ينفي شعوره العام بأن الزمرة التي تحكم في إسرائيل اليمينية اليوم تخطط تماماً لمشروع متكامل ولديها منهجية بعنوان حسم الصراع، وذلك في ظل قراءة لا أحد يعلم تفاصيلها ولا كيفية انطلاقها للمشهد الإقليمي والدولي، وعلى أساس استثمار الفرصة وبأقل الكلف الممكنة، ومن ثم لا انطباعات سياسية في عمان على الأقل تشير إلى أن إسرائيل فيها قدر أكبر من التعقل الآن، ولا يمكنها أن تذهب باتجاه إقامة كيان ديني، الأمر الذي يعني بكل بساطة صراعاً دينياً لا قبل للأردن به.
لكن تلك المحطة قد تكون الأهم في تدحرج أزمة المسجد الأقصى على المستوى الإقليمي والدولي، والأهم على المستوى الأردني؛ فقد لاحظ الجميع أن البيان الذي صدر عن الخارجية الأردنية عصر الخميس، أشار بوضوح ولأول مرة تقريباً ومن المرات النادرة، إلى أن الاستمرار في المساس بالوصاية الأردنية وبالمسجد الأقصى والمواقع الإسلامية والوضع القائم في القدس يعني المساس باتفاقية وادي عربة. قد تكون تلك المرة الأولى في الأدبيات الرسمية الأردنية التي يربط تصريح رسمي فيها بين اتفاقية وادي عربة وتطورات وتدحرجات الأوضاع في القدس.
وتلك رسالة صحيح أنها ملغزة ولم تقل بشكل صريح، لكنها موجة للمجتمع الدولي وللأمريكيين ولمن تبقى من راشدين وعقلاء في دولة الكيان الإسرائيلي، وفق مصدر رسمي تابع التفاصيل وألمح بوضوح إلى أن الإيحاء بأن الاستمرار في المساس بقدسية المسجد الأقصى قد تعني ليس فقط تقويض الوصاية، ولكن تقويض اتفاقية وادي عربة، فالقدس ودور الأردن “خطر شديد الاحمرار” وفقاً لما قرأه الدكتور جواد العناني مرتين أمام “القدس العربي”.
اتفاقية وادي عربة في قياسات الدكتور دريد محاسنة، المفاوض البارز والشخصية الخبيرة سابقاً، خرجت عن السكة منذ وقت طويل.
والأردن يبدو حتى برأي وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، هو الطرف الوحيد الذي يتمسك باتفاقية وادي عربة، وإن كانت تخدم الكيان الإسرائيلي في النهاية، مع الإشارة إلى أن جمهرة من المفاوضين سابقاً الذين يشتبكون مع التفاصيل الإسرائيلية اليوم مثل المحاسنة والمعشر وغيرهما، يشيرون بوضوح إلى أن اتفاقية وادي عربة بشكل أساسي لم تعد قائمة، وأن الزمرة اليمينية التي تحكم إسرائيل حالياً أصلاً تقوض تلك الاتفاقية وتخالف كل بنودها، وخصوصاً البنود المعنية بدور الأردن برعاية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.
لذا، ليس من الإغراق في التحليل القول بأن الإشارة التي وردت مساء الخميس في البيان الرسمي الأردني والتي تربط بين اتفاقية وادي عربة وما يجري في المسجد الأقصى لأول مرة، تقصد لفت النظر إلى صعوبة التمسك أردنياً بوادي عربة إذا “تغير الوضع الواقعي التاريخي للقدس بما يسمى خطة التقاسم الزماني والمكاني التي تقوض الوصاية وبالنتيجة الاتفاقية.
«التقاسم الزماني والمكاني»
ومن ثم، فالضرب من أجل خطة التقاسم الزماني والمكاني على بروتوكولات الوصاية الهاشمية في القياس الرسمي الأردني الذي لم تقله علناً وزارة الخارجية، يعني تقويض اتفاقية وادي عربة. وإسرائيل العميقة تعرف ما الذي يعنيه ذلك من تحولات، ليس على الحدود الأردنية الفلسطينية فقط ولكن على المستوى الإقليمي والدولي؛ لأن الأردن بقي مستعداً للتمسك بكلمته ويتعامل بأخلاقية في احترامه للمواثيق الدولية والاتفاقيات خلافاً للانهيار الأخلاقي، وفقاً للتعبير الذي استخدمه وزير الخارجية أيمن الصفدي في نقاشات محددة، ترميزاً لما يفعله بعض وزراء حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.
الإيحاء الأردني الرسمي واضح وحاد الملامح هنا، وفكرته أنه لا معنى لاتفاقية وادي عربة بدون الوصاية الهاشمية، رغم أن تلك الاتفاقية تنص على دور أردني كما كان يقول المفكر السياسي الراحل عدنان أبو عودة، تمنحه وتحجبه إسرائيل.
لكن الأردن سياسياً يربط بين ثلاثة ملفات بعضها ببعض، وهي الوضع في المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية، والانتهاكات، ثم تقويض الوصاية وبالتالي تقويض اتفاقية وادي عربة.
وأغلب التقدير أن مستوى الإحساس بالعجز الذي وصلت له الدبلوماسية الأردنية وهي تحاول وتتواصل مع كل الاتجاهات وفي كل المسارات، أوصل الأمور إلى هذا النمط من التفكير في خلفية الذهن الأردني، لأن إسرائيل ينبغي أن تفهم بعد الآن ما الذي يمكن أن تخسره إذا خرج الأردن من دائرة التكيف والسلام معها.
وتدحرج الأحداث في شمال قطاع غزة وجنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة ينطوي على تذكير بالرسائل التحذيرية الأردنية الدائمة في هذا السياق.