لم تعد صديقة لـ«النشامى»… أمريكا هي الخصم
نقترح قرارا سياسيا بوقف «مغامرات» العبث بالوحدة الوطنية وجدل المكونات فهي الآن لعبة لا تخدم إلا الأجندة الإسرائيلية
مقولة شعبية أردنية مشهورة تلك التي تقترح على «العاقل والراشد» أن يتوقف عن «توقع الحصول على الدبس من دقن النمس».
طبعا حتى لا نظلم «النمس» لابد من تذكير من يرغبون بتذوق بعض «الدبس» بأن هذه المادة الغذائية حلوة المذاق لا يمكن للنمس أن يتبرع بها وعليه، فالبحث عنها بعيدا عن النمس هو الخطوة الحكيمة، والحد الأدنى بعد الآن تحضير ولو كمية معقولة من «الدبس الوطني» بمواصفات محلية الصنع واعتمادا على الذات. طبعا ذلك أضعف الأيمان لمن يبغي إظهار قدرة ولو بسيطة على «الاعتماد على الذات».
نقصد بوضوح «النمس الأمريكي» في معادلته مع «الدبس الأردني».
لا خير فينا اليوم إن لم نقلها ولا خير في حكومتنا «الرشيدة دوما» إن لم تسمعها: الدولة المتوحشة التي تحمل اسم الولايات المتحدة هي الخصم ولم تعد بأي صيغة صديقة لـ»النشامى».
طبعا ليس المطلوب إعادة تصنيف الولايات المتحدة ولا نقلها من قائمة الأصدقاء فجأة إلى قائمة «الخصوم والأعداء»… نعم ذلك انتحار سياسي لكن الاسترخاء مطولا في وهم النمس الأمريكي ودوره في تأمين الدبس واحتجاجات الأردن دولة وشعبا، هو الخطوة الأخطر على ما تبقى من بقايا كرامة الأمة.
لا يتعلق الأمر بدعم الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل وإعادة «تذخيرها» وإدخالنا في جدل مفصوم عن «فرض السلام بالقوة» ليتبين أن المقصود إعادة تأمين القنابل زنة 2000 رطل للكيان بعدما تسببت تلك القنابل بالإبادة التي يقول الرئيس الأمريكي أنه سينهيها عبر تحويل غزة إلى ريفييرا مليئة بجرار «الدبس المغشوش».
نقول ذلك لأننا نؤمن اليوم بأن الولايات المتحدة قدمت لنا كأردنيين دليلا تلو الآخر بأنها ليست صديقة ولن تكون لا لنا ولا لنظامنا السياسي ولا حتى لهويتنا الوطنية، فدعمها الكبير لليمين الإسرائيلي الإرهابي المجرم حرب علنية على الأردن دولة وشعبا لأن ذلك اليمين يقولها بالبنط العريض وهو يتحدث عن «الأردن هو الوطن البديل» ويقولها بالبنط الأعرض عندما يعتمد خرائط تظهر بأن الأردن جزء من إسرائيل الكبرى.
نعلم مسبقا أن التعاطي بيروقراطيا وأمنيا وسياسيا مع المستجد الأمريكي كخصم للأردنيين خطوة في غاية الصعوبة، لكن أقله خطوات طبيعية متزنة توفر الوقاية اللازمة من صدمات إضافية ستحضر غالبا لاحقا سواء عبر المزيد من الابتزازات بالمساعدات وغيرها او حتى باستعمال كل الأوراق للضغط على المملكة وإجبارها على مشاريع تسوية ضد الحق الفلسطيني وتعبث بالحق الأردني.
نقترح قرارا سياسيا بوقف «مغامرات» العبث بالوحدة الوطنية وجدل المكونات فهي الآن لعبة لا تخدم إلا الأجندة الإسرائيلية
دعم اليمين الأمريكي لشقيقه الإسرائيلي يعبر عن «خطوة متقدمة» في إعلان حرب على الأردن ومن يزعم في شريط فيديو أنه «صديق لبلد عظيم مثل الأردن» ثم يطلق في اليوم التالي اسم» يهودا والسامرا» على الضفة الغربية المحتلة كاذب صريح، يروج مبكرا لفرية الوطن البديل و«نمس حقيقي» محتال يرتدي زي صديق وواعظ ولا يمكن تحصيل أي جرعة دبس من مخازنه.
البقاء في حالة تحالف موثوقة مع الولايات المتحدة التي انقلبت فيها الدولة العميقة على الجميع مجازفة كبرى في قياسات الأردنيين والحرص واجب وثمة أوراق قوة طبعا يمكن الاستثمار فيها لأن الصداقة الحقيقية لا تعني «جدع الأنف» أو إطلاق الرصاص على الرأس.
«أصدقاء الكونغرس» جزئية تتحول يوميا إلى «كذبة كبيرة» فهؤلاء في غالبيتهم يوفرون الولاء والطاعة لطبقة السماسرة التي تحكم واشنطن حاليا.
الدولة العميقة المحافظة في الولايات المتحدة أصبحت الآن عبارة خادعة ومضللة.
وزارة الدفاع يسيطر عليها «مقاول» والإدارة برمتها يقودها ملياردير يخطب في القوم برفقة طفله ذو السنوات الأربع وعصابة «البزنس» يبدو أنها هي التي تدير الرئيس وليس العكس، والقيم الأمريكية ذاتها لم تعد تُحترم بما بالكم بقيم الآخرين.
كما شارفت مؤسساتنا الأردنية على الاستيقاظ من وهم الدولة العميقة التي التهمها اليمين المتطرف في الكيان العبري لابد من يقظة مبكرة من حلم «العمق الصديق» في الولايات المتحدة فعصابة الأشرار سيطرت بالمال والصناديق الانتخابية على المنظومات الأمنية والعسكرية في الجانبين.
الأردن بحاجة مُلحة، لصحوة من بعض الأوهام وإعادة بناء مشهدية وطنية… هل ذلك ممكن؟ ينبغي ألا نسمح بالسؤال أصلا لكن الجواب: «نعم نستطيع وواجبنا أن نستطيع».
طبعا إزاء تحولات باتت مرصودة يمكن القول بأن قواعد اللعب يتوجب أن تتغير الآن بهدوء ودون انقلابات أو مغامرات، وهي مرحلة تبدأ أساسا من عند «الاستعانة بلاعبين محترفين» بدلا من المراهقين الذين يتوسع نفوذهم في بعض الدوائر الإدارية.
الانحياز للمهنية والاحترافية ولطبقة رجال الدولة والمثقفين الوطنيين والتخلص بالتوازي من بعض تأثيرات «الولاء الأجوف المسموم» بات خطوة ملحة للغاية لا يمكن الاستغناء عنها لإدارة الاشتباك مع الواقع الأمريكي والإسرائيلي الانقلابي الجديد.
في الأثناء نقترح قرارا سياسيا بوقف «مغامرات» العبث بالوحدة الوطنية وجدل المكونات فهي الآن لعبة لا تخدم إلا الأجندة الإسرائيلية. لاحقا مصالحة وطنية حقيقية وتحشيد الأردنيين معا ببرنامج وطني «مقاوم» للسيناريوهات البديلة والتنويع في الخيارات الإقليمية ثم التوقف عن تقنية التحدث بـ»لهجتين».
الأردن بلد خير ومؤسسات ودستور وإنصاف وتسامح… نعم يستطيع مواجهة «النمس» بصناعة «الدبس».