اراء و مقالات

مخاوف من إجراءات ضد التعاطف مع «حماس»: نقاشات متوترة بين «أردنة» الطوفان و»تأزيم» الشارع

عمان- «القدس العربي»: الأرجح أن لغة التفاهم بين التيار الإسلامي الأردني والحكومة على منطقة وسطية أو في منتصف المسافة أثناء التعاطي مع الحملة العدوانية الإسرائيلية الشرسة الجديدة ضد أهل قطاع غزة، أصبحت لغة مهمة صعبة في ظل إصرار قواعد الحركة الإسلامية على اعتبار ما يجري الآن ومجدداً جزءاً من منظومة معركة طوفان الأقصى التي أصبحت أردنية أيضاً بامتياز.
وفي ظل توسع حملات التحريض من أقلام رسمية وأخرى غير رسمية ضد الحركة الإسلامية، وحصراً ضد خياراتها في الشارع تحديداً، أصبح النقاش عاصفاً؛ حيث توسعت مقالات النقد ضد الإسلاميين خلال الأسبوع الماضي، وعادت المقالات التي توجه اتهاماً لاذعاً للظهور وبكثافة، فيما بدأ بعض رموز السلطة أو المقربين من السلطات في الإعلام والشارع بالاعتداء والتعرض إلى رموز الحركة الإسلامية بصيغ متعددة.
عملياً، لم يعد الأمر يتعلق بمناقشة الإسلاميين في منطقهم المتهم بـ «أردنة» الأزمة، وهي ليست أردنية، ولم يعد يتعلق بشيطنة الإخوان المسلمين كما حصل مع انطلاق 7 أكتوبر عند ولادة فعاليات وتظاهرات بزخم شعبي كبير لإظهار التضامن مع أهل قطاع غزة، لا بل بالتركيز على وجود حاضنة اجتماعية عريضة في العمق الأردني الاجتماعي لفصائل المقاومة الفلسطينية.
واضح سياساً أن الفرصة باتت متاحة مع تجدد نوايا إسرائيل لاحتلال قطاع غزة لكيل اتهامات من كل الأوزان ضد الإسلاميين، والأوضح أن حالة عدم الاستقرار العسكري والأمني الذي دخلت فيه المنطقة عموماً يؤدي إلى تضيق هوامش المناورة والمبادرة أمام دوائر القرار الأردنية، خصوصاً مع وجود رئيس أمريكي وطاقم قد لا يقبلان بعد الآن من الأردن الرسمي معادلة تسمح باستمرار نفوذ التيار الإسلامي محلياً، لا بل مع وجود سناريو يفترض بأن واشنطن لم تبدأ بعد ضغوطها على الحكومة الأردنية تحت عنوان إنهاء أو احتواء الحاضنة الشعبية لحركة حماس تحديداً في المملكة، وهو جهد أو سيناريو تنبأ به مبكراً النشاط الحقوقي والسياسي الأردني عاصم العمري، الذي تحدث بالتفصيل مع «القدس العربي» مرتين على الأقل مؤخراً عن نوايا لها بوادر أولية عند الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين لمطاردة ليس فقط حركة حماس ومؤسساتها ورموزها، ولكن أيضاً المتعاطفين معها في العالم والإقليم والمنطقة.
العمري أحد النشطاء القلائل الذي توقع وجود غطاء أمريكي وغربي لمطاردة حماس والمقاومة الفلسطينية في قلوب الناس ومشاعرهم أيضاً، متوقعاً ألا يحترم الأمريكيون كل تراث حقوق الإنسان وحريات التعبير في هذا السياق تحديداً.
والاعتقاد جازم بهذا المعني، أن المرحلة اللاحقة ليس في الأردن فقط، ولكن في دول جوار فلسطين المحتلة، قد تتضمن فعلاً إصدار تشريعات أو تعديلات تجعل التعاطف الشعبي مع المقاومة الفلسطينية أمراً صعباً ومعقداً، وقد يكون مكلفاً إذا ما ترجم بإجراء ميداني على الأرض، مثل التبرعات أو التظاهرات أو إعلان موالاة المقاومة بصفة رسمية وعلنية.
قد يحصل ذلك في الأردن وإن كان صعباً، وقد لا يحصل، لكن الذين يروجون لهذا المنطق يجب عليهم دراسة أي خطوات أو إجراءات بدقة متناهية؛ لأن المسألة لا تقف عند حدود الفعاليات أو الهتافات أو حتى الشعارات التي يتبناها النشطاء الإسلاميون في الشارع، بل تتجاوز باتجاه مكونات اجتماعية عريضة لا تزال تؤمن مع عشرات النخب البارزة بأن طريق حماية الأردن من أطماع اليمين الإسرائيلي يبدأ عملياً من ضرورة انتصار المقاومة في فلسطين المحتلة، أو على الأقل عدم هزيمتها، كما قدر مبكراً الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق قاصد محمود، الذي استرسل عدة مرات في نقاشات تطالب بمقاربات وطنية راشدة وعقلانية من طرفي الحكومة والمعارضة معاً لإدراك حساسية المشهد وإعادة بناء الأولويات الوطنية.
في الخلاصة، استمرار حوار الطرشان مع الإسلامين باسم الدولة الأردنية قد لا يشكل الحل الأمثل، واستمرار بعض أنصار الحركة الإسلامية الداعين إلى فرض معادلات الشارع بالمطلق ودون حسابات عميقة لمصالح الدولة وتوازناتها أيضاً هي خطوة لا تنطوي على حكمة وقد تنتهي بدلاً من «أردنة» طوفان الأقصى بتأزيم أردني داخلي يمكن الاستغناء عنه بنفس القدر الذي يمكن الاستغناء فيه عن كل دعوات الكراهية والشيطنة التي تصدر ضد الإسلاميين أو غيرهم في العمق الاجتماعي الأردني.
ويعني كل ذلك، بالمقابل، أن قنوات الحوار العقلاني الراشد يجب أن تفتح في إطار الاعتدال والمرونة والتفاهم الاستراتيجي والميداني بين مؤسسات القرار وقادة التيار الإسلامي بدلاً من ترك الميكروفون بين يدي المتشددين من الطرفين، حيث لا مصلحة لا لأهل غزة ولا لشعب الأردن في إنتاج أزمات في الشارع الأردني تحت عناوين القوننة والتشدد والتأزيم.
لذلك، فتح قنوات الحوار واجب ولم يعد سياقاً وظيفياً، ويمكن التوصل مع مؤسسات الشارع الأردني الشعبية إلى حلول ومقاربات وسطية مادام الطرفان يعلنان الحرص على الأولويات الوطنية، حيث إن الاتفاق على تعريف تلك الأولويات مهم ومطلوب وممكن بدلاً من الاسترسال في حوار طرشان لا يقود إلا إلى تأزيم مصطنع وفي ظرف اقتصادي ومعيشي إقليمي حساس للغاية، فكرته حالة السيولة الاستراتيجية التي دخلت فيها المنطقة برمتها وتتطلب حماية الأردن أولاً وأخيراً، وفقاً للجنرال محمود.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading