اراء و مقالات

الأردن: الإسلاميون بين فضيلة «الاحتجاب» وكلفة «الحضور»

كيف حسم «الإخوان» معركة «نقابة المحامين»؟

عمان – «القدس العربي»: قد تكون مفاجأة وقد لا تكون. لكنها بكل الأحوال نبأ عاجل وسار للتيار الإسلامي، ونبأ غير سار لخصوم هذا التيار، سواء في الداخل أو الخارج، وسط أجندة غامضة وسلسلة تداعيات وأحداث على الملف الداخلي الأردني تطرح مجدداً تساؤلات وألغام تساؤلات العلاقة المفترضة بين الحكومة والسلطة من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
قراءة التحول الدراماتيكي الذي حصل في انتخابات نقابة المحامين أمس الأول من زاوية انتصار التيار الإخواني أو الحركة الإسلامية قد تبدو قراءة قاصرة عن معالجة كثير من الإجابات على العديد من الأسئلة، خصوصاً إذا تضمنت المبالغة والإفراط في استعراض العضلات.

انقلاب لصالح التيار الإسلامي

وهي قراءة قاصرة؛ لأن الوضع السياسي «الهش عموماً» قد يؤشر على أن مستوى ومنسوب ما يسميه الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة باستهداف الحركة الإسلامية وتحديداً في النقابات المهنية انخفض على نحو مفاجئ أو في طريقه للانخفاض ولو قليلاً.

كيف حسم «الإخوان» معركة «نقابة المحامين»؟

في المستوى الفني النقابي، الفكرة اليوم قوامها أن ممثل التيار الإسلامي أو الحليف القوي للتيار الذي أصبح نقيباً للمحامين، وهو المحامي يحيى أبو عبود، قد يكون حصد فارق أصوات الثأر أو تصفية الحسابات في ميول نقيب المحامين الأسبق مازن إرشيدات، التي تحولت لصالح مرشح الإسلاميين في اللحظات الأخيرة بالجولة الثانية.
بعض النشطاء في التيار النقابي يشيرون إلى أن إرشيدات في الجولة الثانية انقلب لصالح التيار الإسلامي بعدما اعتقد بأن الموقف الرسمي عمل ضده في انتخابات الجولة الأولى. طبعاً، ذلك انطباع سمعته «القدس العربي» من شخصيات برلمانية بارزة قد يحتاج إلى وقائع وحقائق على الأرض لتعزيزه. لكن، وفي المقابل، قراءة ما حصل في نقابة المحامين تحديداً بمعزل عن السياق السياسي قد تكون قاصرة هي الأخرى عن متابعة تفاصيل مشهد له تداعيات بالتأكيد، لأن هذه العودة وبصرف النظر عن تفاصيل الهيئة العامة ومداولات المحامين وتصفية حساباتهم والتجاذب فيما بينهم والتيارات المشاركة، كانت بنتيجة إيجابية لصالح التيار الإسلامي، وقد يستطيع أن يقول عبرها «نحن هنا وما زلنا هنا».
طبعاً، رصدت «القدس العربي» تلك «الغمزة السياسية» على ملامح وتعليقات أنصار حزب جبهة العمل الإسلامي والتيار الإسلامي، الذين يمكن تفحص وجوههم ومظاهر ومؤشرات السرور لديهم عند زيارتهم في مكتب الحزب للتهنئة واستقبال التهنئة بمناسبة انتهاء انتخابات داخلية في أكبر أحزاب المعارضة، حيث تبادل التهاني وإصرار على العودة إلى الملعب الذي توافقت عدة قوى على أن يغادره الإسلاميون، وهو النقابات المهنية.
حتى اللحظة، لا يقول الإسلاميون أنفسهم لجمهورهم أو للشارع لماذا قاطعوا انتخابات نقابة المهندسين وانتخابات البلديات ثم شاركوا في انتخابات المحامين، وبالتالي تمكنوا من حصد الفوز؟
ذلك سؤال معلق؛ لأن التيار الإسلامي لديه مشكلات داخلية ويتحدث عن تدخلات في نقابة المهندسين تهدف إلى إقصاء المكون الإسلامي في تلك النقابة العريقة والمهمة، وإن كان نقيب المهندسين الفائز قبل أسابيع قليلة أحمد سمارة الزعبي، يقول علناً بأنه لا توجد منافسة، وإن الانتخابات حصلت دون وجود منافس حقيقي، مما مكنه وكتلته أو قائمته من السيطرة على الإيقاع.
المشهد أقرب إلى «كلمات متقاطعة» ولوغاريتمات رياضية سياسية في المساحة النقابية الأردنية. وهو مشهد مليء بالألغاز اليوم، بصرف النظر عن الخفايا والخلفيات، وبصرف النظر عن تلك النظرية في السوق التي تتحدث عن اضطرار السلطات والحكومة قريباً للتعامل مع تطورات ومستجدات على صعيد ملف الإسلام السياسي والتعبير الأبرز عنه في المجتمع الأردني.
تلك مسألة متروكة لظروفها وسياقها لاحقاً.
لكن بعيداً عن كل تلك الاعتبارات، كانت جرعة السياسة قوية بالنسبة لنقيب المحامين الجديد يحيي أبو عبود، في أول خطاب بعد الحسم والفوز والاكتساح أعلن فيه وقوف نقابة المحامين خلف الملك والمؤسسة الملكية.

تصريح «براغماتي»

وهو تصريح كبير ومهم ويعني الكثير براغماتياً، بعد سلسلة الكلمات المتقاطعة في الملف النقابي الأردني الذي يتهم بسبب تطوراته ومستجداته قادة نقابيون من خارج الإسلاميين، بينهم سمارة الزعبي وغيره، السلطة والحكومة بالعمل على تجريف الوعي فيه وإخراجه عن مضمونه المهني وتعريض الجسم النقابي لعدة ضربات. الجرعة كانت قوية؛ لأن أول ما تعهد به المحامي أو نقيب المحامين الجديد أبو عبود، هو الوقوف خلف مؤسسة الملك في دعم مشروع الإصلاح وفي دعم التحول إلى دولة المؤسسات والقانون. بمعنى، ثمة تفاصيل أقرب إلى جملة لا تشترط بقدر ما تبحث عن مساحة مشتركة بعد الوقوف خلف المؤسسة الملكية.
وتلك براغماتية قد تحسب للمحامي المسيس أبو عبود بمعنى التأسيس لمساحة يمكن العمل عبرها تحت تلك العناوين التي تطرحها رؤية تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية ملكياً في البلاد، وهي التحول ولو تدريجياً إلى دولة المؤسسات والقانون. تلك مقايسة ومقاربة كانت ذكية وفي التوقيت نفسه، كان الإسلاميون يحسمون شقاقاً داخلياً صغيراً تنامى في الأسابيع القليلة الماضية لصالح وحدة صف الجماعة والقيادة الحالية لحزب جبهة العمل الإسلامي، الأمر الذي سينعكس في الحسم على توزيع ومحاصصات مجلس شورى الحزب، ولاحقاً مجلس شورى الجماعة ولمواقع الصف الأول في المؤسستين.
كيف استطاع الإسلاميون صنع هذه التراتبية في المشهد بهدوء وأناقة؟
هنا يكمن السر السياسي في القدرة التنظيمية الكبيرة وفي التوقيت نفسه إطلاق رؤية اقتصادية أو وثيقة اقتصادية مثيرة لفتت الأنظار لأول مرة بالتزامن. سواء أعجب ذلك خصوم الحركة الإسلامية السياسيين والبيروقراطيين وغيرهم داخل الأردن أو خارجه، لا أحد حتى هذه اللحظة يستطيع أن يفعل ذلك إلا التيار الإسلامي الأردني في مشهد تراتبي منظم هادف وعميق يتقلص ويتمدد ويحضر ويحتجب بالتقسيط وبالقطارة، فيما تمضي الدولة بمشروع تحديث المنظومة السياسية وتمضي الاعتبارات الإقليمية بكل حساباتها المعقدة والمفككة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى