لا اعرف سببا من اي نوع ولا تحت اي ظرف يدفع وزير ام غفيرا اردنيا للتبرع بالتوقيع على اتفاقية تستورد الغاز من اسرائيل ضمن معادلة غريبة جدا قوامها اعلى من السعر المنطقي لكمية غاز من الفائض.
وفقا لاحد الخبراء اشترى الجانب الاردني كمية تستهلك اصلا من الغاز الاسرائيلي بمعنى انها جزء من كلفة الانتاج بأعلى من سعر نفس الكمية المنتجة في الوضع الطبيعي .
ثمة رغبة واضحة في اثارة كل انماط الشكوك حول اتفاقية الغاز الفلسطيني المسروق والتي وقعت مع اسرائيل .
وثمة مبررات غامضة تثير الارتياب والاشتباه خصوصا عندما يتعلق الامر بالإصرار على عملية لف ودوران قانونية تحول دون ان تعرض هذه الاتفاقية على برلمان الشعب وكذلك الاصرار على الموافقة في بند يفرض على الاردن شرطا جزائيا كبيرا في حال التخلي عن الاتفاقية .
ما علمه شخصيا وقد شرح لي عدة مرات من وزيرين مختبئين الان للطاقة هو ان نائب الرئيس الامريكي الاسبق جون بايدن حضر الى عمان خصيصا ومارس ضغطا عنيفا على المملكة لكي توقع اتفاقية الغاز.
افهم شخصيا ان تتجاوب الحكومة مع ضغط امريكي عنيف من هذا النوع .
لكن ما لم افهمه بعد هو كيفية ادارة المفاوضات والمشاورات وكيفية الاستجابة للضغط الامريكي والقبول في الاثناء بفرض السعر كما يريده الاسرائيلي مع القبول المخجل ايضا بشرط جزائي مالي كبير كان يمكن ملاعبة الامريكيين بشأنه .
قد تكون اتفاقية الغاز خيارا اجباريا وقسريا مادام تدخل من اجلها نائب الرئيس الامريكي .
لكن لا اصدق بكل الاحوال بان التفاصيل السعرية والبنود الفنية والاشكالات المتعلقة بالتفاوض التقني فرضها الامريكي ايضا مما يعني ضمنيا بان المسئول الاردني او الطاقم الذي ادار الملف بعيدا عن لغة التخوين والاتهام استرسل لسبب غامض في التفريط مثلا بحقوق ومصالح الاردنيين او في اظهار التساهل والتراخي امام الامريكي الضاغط والاسرائيلي المحتفل.
لا بد من تفسير لهذا التراخي .
ولا بد من فهم المسوغات التي تجعل المفاوض الاردني رغم وجود العشرات من اوراق القوة بين يديه ضعيفا امام الاسرائيلي ومقصرا في واجباته حتى لا نقول شيئا اخر امام الامريكي .
لماذا تتقزم قامة الموظف او المستثمر الاردني حتى يكاد يزحف في التفاصيل الفنية عندما يتعلق الامر بإسرائيل او باتفاقية فرضت سياسيا .
لا نتحدث هنا لا عن الرفض والممانعة ولا عن المقاومة والمطاقعة بقدر ما نتحدث عن ظاهرة نخبوية محلية غريبة قوامها ليس الخضوع السياسي بحكم الواقع الظرفي لإسرائيل او الولايات المتحدة ولكن الخضوع التطوعي ايضا في التفاصيل حيث قناعة راسخة بغياب المهارة او الكفاءة في التفاوض وبقصور الادوات .
ينتج ذلك دوما عن ازمة الادوات التي تستخدم في الادارة الاردنية بالتأكيد حيث قرارات يعتريها الارتجال او الغموض او العشوائية نتيجة غياب الرؤية الوطنية او المهارات الضرورية .
شاهدنا شيئا من هذا القبيل في ادارة ملف الكازينو وعدة مشاريع وفي ادارة ملف التبغ والسجائر وحتى في ادارة ملف المشروع النووي الاردني حيث تقصير متبرع به ومهارة تغيب مجانا وكفاءة وتورم في اللفظ والخطاب لا يوازيها حرص على المصالح الوطنية .
المخفي في اوراق ملف اتفاقية الغاز سيئة السمعة والصيت اكثر بكثير واعظم من المعلن .
اخبرني بذلك عضو لجنة الطاقة النائب حسين القيسي وابلغني به ايضا النائب صالح العرموطي وغيرهما والسؤال الذي يتبادر الى الذهن اين المصارحة والشفافية والمعلومات الصحيحة مادامت اتفاقية الغاز فرضت على الاردنيين فرضا ؟ .
لماذا لا تصارح السلطة الشعب وتعرض بين يديه امكاناتها الحقيقية بدلا من الغرق في الشائعات والتكهنات او في حلقة مفرغة من التحقيقات والمتابعات لا تقود الجميع الا للمربع الاول حيث ازمة مصداقية بين الحكومة والشارع وحيث رواية رسمية غير متمكنة وتفتقد للصلابة ويمكن التشكيك بها بوضوح شديد.
مشكلات اتفاقية الغاز كبيرة جدا ولا تبدأ من التطوع ذاتيا وبصورة غريبة في وضع ملف الطاقة الاستراتيجي بين يدي خصم او عدو يقول بملء الفم وبكل اللهجات بانه انقلب على الاردن والاردنيين قيادة وشعبا .
بل تمر في بنود غريبة مررتها الفلاتر الاردنية سواء بتعبيراتها العميقة او تلك البيروقراطية مثل الشرط الجزائي والسعر المرتفع وتكريس الاحتكار وقبول الفائض المستهلك من نوعية الغاز .
وتنتهي عند العودة لسؤال المربع الاول حيث سلسلة مباغتة من التفجيرات كانت تستهدف انبوب الغاز المصري المتجه نحو الاردن ولا تستهدف بصورة مريبة الانبوب المصري الذي يتجه في نفس المواقع الى الاسرائيلي .
هل من حقي كمواطن اردني ان اشك مثلا بان تفجيرات وتفخيخات الانبوب المصري الى الاردن في بدايات الربيع العربي كان الهدف منها اصلا اجبارنا كأردنيين على شراء الغاز المسروق من شركتين اسرائيليتين.
تلك تبقى من الصفحات المخفية اما قمة العداء للذات والوطن فهو الدفاع عن اتفاقية ولدت بهذا المناخ الارهابي .