أبو ظبي ـ عمان: زيارة ملكية رسائلها أهم منها… والسؤال: أيهما يؤثر بالآخر؟… والأردن يستعيد حقوقه بـ «التنويع»
: ما الذي يمكن أن يحصل عليه الأردن من دولة الإمارات العربية المتحدة بعد طول نكران وجحود وعلاقات متوترة مع حليفها الأكبر والأهم في السعودية؟
سؤال يفرض نفسه بقوة اليوم في الواقع السياسي الأردني، ليس فقط بسبب زيارة مباغتة سياسياً قام بها الملك عبد الله الثاني إلى أبو ظبي بعد أيام قليلة من وقوفه متأملاً على محطة واشنطن ضمن سياق ما سمي بإجازة خاصة انتهت مبكراً قبل إتمامها.
ولكن لأن الاحتفالية الرسمية من جهة أبو ظبي بالضيف الأردني كانت تنطوي على رسائل واضحة لا يمكن إسقاطها من الحساب السياسي للزيارة وكواليسها، وأعقبها طبعاً رسائل بالخط العريض من الملك عبد الله الثاني أضفت طابعاً أخوياً ثم عائلياً على التواصل مع القيادة الإماراتية.
مقدماً، وقبل كل شيء، تبرز رسائل الزيارة أكثر من الزيارة ذاتها، في الوقت الذي اتجه فيه الأردن تماماً وبشكل متسارع ودون تردد نحو أكبر خطوات يتخذها في الانفتاح على تركيا وقطر، وهما خصمان علنيان لمحور أبو ظبي والرياض في السياسة والخلافات والأجندات الإقليمية.
بمعنى آخر، تقول عمان ضمنياً إنها تستعيد حقوقها في التحدث تحت لافتة المصالح مع كل الأطراف بالمنطقة، بما فيها تلك التي يخاصمها محور أبو ظبي الرياض أو حتى يحاصرها.
الجديد لا علاقة له هنا فقط بترسيم الأردن لإستراتيجيته الجديدة في تعددية الاتجاهات والمصالح بعد نصيحة علنية باجتماع مغلق مع الملك في عمان تحدث بها كثيرون، لكن قد يكون أهمهم خبيراً عميقاً في إستراتيجيات العلاقات الدولية من وزن رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عون الخصاونة.
لكن له علاقة بأن أبو ظبي، ولسبب غامض سياسياً حتى اللحظة، تقبل من الأردن التفاعل معه سياسياً وعسكرياً ضمن معادلته الجديدة في تنويع العلاقات وإعلان عدم الالتزام بالحصار على دولة قطر عبر تسمية وإرسال سفير أردني بدرجة رفيعة إلى الدوحة، بالتوازي مع حل معضلة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا وإصدار توجيهات مرجعية للوزراء الأردنيين بالانفتاح أكثر تجارياً وعسكرياً وسياسياً مع الجار التركي، الذي يصفه وزير الإعلام الأسبق محمد المومني بأنه «جار مهم وكبير، ومن العبث عدم الحرص على علاقات متميزة معه».
السؤال، عليه، يصبح كالتالي: أي من العاصمتين تغيرت في هذا السياق؟.. هل يمكن الاستنتاج بأن أبو ظبي بدأت تبتعد ولو بنسبة قليلة عن حسابات الرياض المتوترة والتأزيمية بحيث تفتح صفحة تماماً جديدة مع العاصمة الأردنية؟ أم حصل العكس.. بدأت مجدداً وللمرة الثالثة عملية استقطاب عمان من جهة أبو ظبي على أمل إعادة إنتاج الموقف المعقد في العلاقات الأردنية السعودية؟
تلك أسئلة مفتوحة اليوم، وتنتظر إجابات بعد ظهور مؤشرات مبالغة في الاحتفاء الإماراتي بالضيف الأردني الكبير الذي زار أبو ظبي عملياً وخلال أقل من شهرين، مرتين، في الأولى حضر تمريناً عسكرياً نفذته مجموعة القوات الخاصة الأردنية في كتيبة تحمل أصلاً اسم ولي عهد أبو ظبي. وفي الثانية استقبلت عاصمة الإمارات ملك الأردن مع رسائل مبرمجة لم تبدأ فقط من إضفاء طابع زيارة دولة، بل اكتملت بوجود الشيخ محمد بن زايد شخصياً في المطار على رأس المستقبلين برفقة حرس الشرف الإماراتي وكل تقاليد استقبال كبار الزعماء.
ويأتي تحرك العاهل الأردني بعدما تحدثت تقارير في الإعلام الدولي ومداخلات لمجموعة تتقمص دور المعارضة الأردنية الخارجية عن وجود خلافات أو بالتركيز على المسألة العائلية التي تخص الشيخ محمد بن راشد وزوجته الأميرة هيا بنت الحسين.
في كل حال، يقول الزعيمان، بن زايد وعبد الله الثاني للمرة الثانية وفي غضون أسابيع قليلة، إن علاقة بلديهما في أحسن أحوالها، بدليل أن ملك الأردن أضفى طابعاً شخصياً وعائلياً عندما غرد قائلاً بأنه «شعر بوجوده بين أهله وعائلته» في الإمارات، في الوقت الذي تقصد فيه الإعلام الإماراتي تسليط الضوء على الحفاوة الكبيرة بالضيف الأردني، دون أن يتسرب للإعلام أي مضمون له علاقة بأجندة الزيارة أو اللقاء.
لافت جداً للنظر بأن هذه القفزة التي تبدو حتى اللحظة إعلامية أكثر من أي اعتبار آخر، أعقبت زيارة ثورية استمع فيها الأردنيون للرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يشاورهم قبل ساعات من إعلانه قراره بتجميد وليس «إلغاء» الاتفاقيات مع إسرائيل.
يمكن لحسابات التحليل السياسي التحدث عن حزمة من الملفات مطروحة على طاولة اللقاء الفردي المغلق، وجهاً لوجه، بين ملك الأردن وبن زايد، حيث صورة لها علاقة بتقنية الاتصال الحديث للرجلين تم نشرها وهما يتحدثان معاً وجهاً لوجه وبدون أي مرافقين رسميين.
طوال الوقت، ثمة قناة تنقل الرسائل بين عمان وأبو ظبي يمثلها المستشار والوزير الأسبق في الديوان الملكي الأردني عبد الله وريكات.
وطوال الوقت، حرصت العاصمتان على البقاء على اتصال بالتوازي مع حصول عمليات غامضة على مستوى الذباب الإلكتروني واتهامات في الشارع الأردني ضد محاولات تشويش مفترضة إماراتياً، لم يثبت على أرض الواقع أي منها.
لوحظ في السياق، وعلى الهامش وبدون أي قرينة مباشرة، بأن محكمة الجنايات الأردنية قررت الإفراج عن الدكتور يونس قنديل بعدما تبين شمول تهمته بقانون العفو الملكي الأخير، مع أن قنديل -وهو شخصية كانت مشهورة جداً العام الماضي في الأردن- ترأس منظمة «مؤمنون بلا حدود» التي قيل بأن تمويلها إماراتي.
في الأثناء، نقل وريكات رسائل إيجابية لبلاده بصفته مبعوثاً لدولة الإمارات، وبمعنى أن تعزيز الثقة بين البلدين كان طوال أسابيع عملية متبادلة، في الوقت الذي بات فيه صناع القرار الأردني مقتنعين بأن تنويع خيارات التحالف محطة إجبارية للتقليل من عبء الأزمة المالية والاقتصادية عبر عودة السفير الأردني إلى قطر واحتواء الخلافات التجارية مع تركيا والتفاعل الإجرائي اليومي مع نظرية الولايات المتحدة بعزل اللوبي الإيراني في العراق وتأسيس شراكة عابرة للحدود بين العراق ومصر عبر الأردن، وهو ما أقر به أصلاً باعتباره خطة مفيدة للجميع أمام «القدس العربي» وزير الصناعة والتجارة الأردني الدكتور طارق الحموري.
يبقى في السياق ضرورة مراقبة الحلقة المقبلة مع الرياض بعد ترتيب أوراق العلاقة بين عمان وأبوظبي.
ويبقى أيضاً الانطباع السياسي بأن رسائل التقارب الأردني الإماراتي قد لا يكون لها علاقة بالتصدي بحكم الصداقة المشتركة مع واشنطن لما يسمى بصفقة القرن الأمريكية بقدر ما لها علاقة بالاستعداد للتفاعل والتعامل مع لحظة الحقيقة الوشيكة بعنوان «المسار السياسي» الذي سيعلنه الرئيس دونالد ترامب قريباً باسم تلك الصفقة.