اراء و مقالاتمقالات وآراء

رسائل الأردن لبشار الأسد: الزحف بدلاً من «الهرولة» والانفتاح بـ «التقسيط»

لماذا تجنب الرزاز مقابلة طلبها المصري؟

 

صعبٌ، قياساً على المألوف السياسي الأردني، فهمُ تجاهل رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز لمقابلة تشاورية بسيطة طلبها سياسي مخضرم ثقيل الوزن مثل طاهر المصري، إلا في سياق رغبة الأول في عدم الاختلاط أكثر مما ينبغي وتمسكه بالارتياب وميكانيزماته، في مرحلة صعبة تقفز فيها حكومته بين الألغام. قد يعذر الرزاز هنا. وقد لا يعذر، حيث إن شخصية معتدلة جداً مثل المصري تجاوزت تماماً كل اعتبارات الذات ولا تتحدث إلا بالشأن العام والوطني.
في كل حال، يعرف الرزاز أن المصري طلب مشورته من أجل ملف محدد يتعلق بفكرة تم إجهاضها عملياً تحت عنوان التأجيل والتوقيت السيئ قبل أن تولد وتتمثل في إلقاء «تحية صغيرة» على الرئيس السوري بشار الأسد بواسطة وفد أردني سياسي رفيع المستوى كان يفترض أن يترأسه المصري.
السؤال في المسألة السورية متكاثر وينمو في كل الاتجاهات، خصوصاً أن بوصلة الأردن عندما تتجه المسألة نحو دمشق عالقة أو غامضة. يسأل محلل استراتيجي وباحث سياسي مثل الدكتور عامر سبايلة مرات عدة أمام «القدس العربي»: دولة حليفة للأمريكيين مثل الإمارات تفتح سفارتها وتندفع نحو الدولة السورية ودول حليفة أخرى للولايات المتحدة مثل الأردن لا تتحرك بأي خطوات. ينضم السبايلة إلى شخصيات متعددة في المشهد الأردني، من بينها الدكتور طالب الرفاعي، بالإيمان المطلق أن تعزيز العلاقات والاتصالات مع سوريا فيه مصلحة عميقة للأردن. وينضم الرفاعي نفسه إلى شريحة السياسيين الذين يعتقدون أن إمكانية المناورة تحت مظلة الاتجاه الأمريكي من أجل المصالح الذاتية للدول منعدمة، فالاتجاه نحو العمق السوري – في رأي الرفاعي – مطلب وملح، والمخاسر واهمة. تلك دوماً ليست وجهة النظر المعتمدة حتى اللحظة في عمق مؤسسات القرار الأردني، فقد وصلت مبكراً تلك الرسالة لمن يشرفون على فكرة زيارة وفد أردني رفيع بعنوان يفضل التريث وتأجيل الزيارة – كما يحصل بالعادة – دون تحديد سقف بعنوان الظرف الملائم والمناسب.
خبير من وزن المصري يلتقط الإشارات بعمق. في التصريح المباشر لـ «القدس العربي»، يؤكد أن تلك الزيارة لا تزال قيد البحث، وتأجيلها للعام الجديد قد يكون الخيار المناسب. لكن في التلميح بردت الجبهة المتحمسة للزيارة. والسبب، في تقدير المراقبين، له علاقة بعنصر الحماسة المفرطة التي أثارت ارتياب مؤسسات القرار الأردني. والحديث هنا عن إفراط بعض الشخصيات الأردنية في الحماسة لتلك الزيارة والتحدث عن تفصيلاتها قبل التشاور المرجعي بشأنها.
وكذلك عن الحماسة المفرطة من الجانب الآخر، حيث تصريحات للقائم السابق بأعمال سفارة سوريا في عمان، أيمن علوش، تهلل للزيارة قبل صدور الضوء الأخضر لتمريرها. وتعلن بأن مثل هذه الزيارات تساعد الدولتين في اتخاذ قرارات مهمة وتلوح بأن القصر الجمهوري جاهز لاستقبال الوفد الأردني الذي، عملياً، لا يمكن تسميته بوفد تمثيلي رسمي ولا بوفد رفيع.

كان قد أعلن مسبقاً عن أجندة الوزارة وزير الداخلية الأردني الأسبق سمير الحباشنة، مع جملة تبالغ في الهدف، وهي تلك التي تتحدث عن استعادة العلاقات بين بلدين شقيقين إلى ما كانت عليه قبل عام 2011. وبدت عبارة الحباشنة خارج السرب قليلاً، حيث لا توجد أدلة من أي نوع تقول فعلاً بأن عمان تخطط أو تريد استعادة علاقتها مع النظام السوري إلى ما قبل مرحلة الربيع العربي.
في رأي غرفة عمان العميقة، التحدث بالشأن السوري مع روسيا منتج أكثر ويؤسس لمسافات أمان. وبرأي المصدر نفسه، تبقي المؤسسة الأمنية السورية سفيرها السابق المطرود من عمان الجنرال بهجت سليمان، قصداً، في حالة تحريض للأردنيين وإساءة للدولة.
في المقياس الأردني العميق قد يكون من الصعب الاستثمار بمكتسبات في العمق العراقي والسعودي في حال الاندفاع نحو مصافحة أو مصالحة نظام الرئيس بشار الأسد.
وقد تكون أصعب المجازفة بإغضاب اليمين الإسرائيلي أكثر عبر تبادل التحية مع الرئيس بشار، خصوصاً أن حلفاء النظام السوري ثبت للمستوى الامني الأردني سابقاً أنهم حاولوا العبث في الساحة الأردنية، والحديث هنا عن إيران وحزب الله اللبناني.
المصري يقدم بأن الانفتاح على سوريا خطوة ضرورية، ليس بالضرورة أن تعني الاقتـراب من إيـران التـي تعـتبر الآن فـي أضعـف أحوالهـا، وقد لا تنتـج فوائد كبـيرة. لكن الحسابات الرسمية مختلفة، وتــبدو زاحفة جداً عندما يتعلق الأمر باسـتئناف أي اتصــال مع النظــام السـوري بذهـنـية القطـعة والتقسـيط، الأمـر الذي يديـره حــتى الآن بكـفاءة يرافقهـا الجـدل وزير الصناعة والتجارة الأردني الدكتور طارق الـحمـوري.
حتى لا تبقى الأبواب مغلقة تماماً مع دمشق، سمح الأردن بالتواصل، لكن عبر النقابات المهنية. وحتى لا يناقش الوفد المشار إليه مسألة مثل التعاون التجاري، فتح الوزير الحموري قناة اتصال هاتفية مع نظيره السوري، ورداً على خطوة اعتبرت إيجابية قررها وزير النقل السوري، بدأ نظيره الأردني يتحدث عن مثلها، حيث شبه اتفاق على تخفيض الرسوم على الشاحنات العابرة للحدود في الاتجاهين.
لا تزال الوعورة متاحة في طريق التواصل بين عمان ودمشق، والحماسة في عمان على الأقل للانفتاح، في حدها الأدنى وعلى أساس القطعة والتقسيط والزحف بدلاً من الهرولة. ودمشق ليست في موقع يسمح لها بإيذاء الأردن، وثمة حلقات في البلدين تبدو مهووسة اليوم ونشطة جداً بأن تتغير الأحوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى